السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أريد استشارتكم بخصوص التوفيق بين كوني شابا ملتزما -والحمد لله- لا أقرب المحرمات، وأحرص دائما على أن تكون صلاتي في المسجد مع الجماعة، وكوني بطبعي اجتماعيا ومنفتحا، مما يجعلني أتعرض لبعض المواقف، سواء في العمل أو الدراسة، وفيها نوع من الحرج بالنسبة لي، خصوصا أني أعيش في مجتمع قل فيه الحياء والحشمة، وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يجعلك من المتميزين المتفوقين في دينك وأخلاقك وقيمك ودراستك، وأن يمن عليك بحسن خلق وسعة صدر، وأن يعينك على استعمال هذا الجانب الاجتماعي في خدمة الدعوة إلى الله ورسوله.
إنه مما لا شك فيه أن الله تبارك وتعالى جعل الإسلام حاكما للسلوك وللمعتقدات، ولكل التصرفات والأفعال والأقوال التي تصدر عن الإنسان، وهذه عظمة الدين، فالدين يحكم الواقع ولا يحكمه الواقع، فأنت الآن رجل ملتزم - ولله الحمد والمنة - وتؤدي عبادات رائعة، فالواجب أن تحول هذا الالتزام ضابطا تضبط به الجانب الاجتماعي؛ لأن الجانب الاجتماعي - كما تعلم - جزء لا يتجزأ من الدين، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) وأنت تعلم أن الأخلاق هي أساس القاعدة الاجتماعية، أساس التعامل الاجتماعي حسن الخلق، وهذا ما ذكرنا به مولانا تبارك وتعالى عندما مدح نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - قائلا: {وإنك لعلى خلق عظيم}.
ولذلك - أخي الحبيب المبارك، بارك الله فيك: الواجب عليك أن تستعمل دينك في ضبط سلوكك الاجتماعي، بمعنى: حتى وإن كنت منفتحا أو متفتحا لا ينبغي لك مثلا أن تصافح النساء؛ لأن مصافحة النساء أمر محرم، والنبي عليه الصلاة والسلام ما صافح امرأة لا تحل له، ولذلك إذا تقدمت إليك امرأة مثلا لتصافحك قل لها: (أنا أعتذر، لأن الإسلام يمنع مصافحة النساء) تقول: كيف هذا؟ تقول (لأنك إنسانة غالية أو عزيزة وأنت درة مصونة وجوهرة مكنونة ما أباح الإسلام لأحد أن يضع يده في يدك إلا لمن يحل لك، زوجا أو أخا أو أبا، أما أنا فرجل أجنبي ليس من حقي أن أفعل ذلك).
كذلك أيضا الخلوة فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرنا أنه (ما خلا رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما). كذلك الكلام نفسه، فإنك تعلم أن الله قال: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد، فأنت عندما تتكلم تراعي دائما أن يكون كلامك منضبطا بضوابط الشرع، وتعلم علم اليقين أن كل كلمة تخرج منك تسجل لك أو عليك، كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - : (إنك لا تزال سالما ما سكت، فإن تكلمت فكتب لك أو عليك). كذلك بالنسبة للنظرة، أنت تعلم أن لك الأولى وليست لك الثانية.
فإذن أخي الكريم - بارك الله فيك - الإسلام يضع قواعد عظيمة للجانب الاجتماعي، ويجعل المسلم إنسانا متميزا في كل شيء، لماذا؟ لأنه يستمد جانبه الاجتماعي من كلام مولاه وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - لا ينبغي أبدا أن يكون الإنسان لا شخصية له ولا هوية، لأن بعض المسلمين - مع الأسف الشديد - عندما ترى سلوكه تتحير في أمره هل هو من المسلمين أم ليس من المسلمين ! لأنه ينفتح انفتاحا غير منضبط، فتجده يختلي بالفتيات، وتجده يمزح ويضحك معهن كما لو كانت هي زوجته أو أخته، رغم أنها إنسانة أجنبية، وأحيانا قد يضع يده في يدها وقد يختلي بها وقد يتكلم معها كلاما خاصا، أو يعطيها أسراره أو تعطيه أسرارها، هذه كلها علاقات محرمة ولا يقبلها الشرع بحال من الأحوال، وفاعلها آثم يقينا، أما أنت فقد من الله عز وجل عليك بالالتزام والمحافظة على الصلاة في جماعة، ورجل حريص على أن تقيم دينك كما ينبغي، فأهم عامل من عوامل نجاحك إنما هو تطبيق الإسلام في الواقع الاجتماعي، حتى تكون أسوة ومثلا أعلى يحتذى به في عالم الدراسة وفي عالم العمل، لأن الناس عندما يعلمون عنك أنك إنسان محافظ وأنك لا تختلي بأي فتاة ولا تتكلم معها كلاما خاصا، وأنك لا تصافح النساء وأنك لا تضع يدك في يدها، وأنك لا تلمس جسدك بجسدها حتى وإن كان في أبسط صوره، فإنك بذلك تقيم المثل الأعلى على أن الدين هو الحق وأن الدين صالح لكل زمان ومكان.
أما أن تكون في المسجد عابدا من العباد وإذا كنت مع الناس كنت إنسانا بلا دين ولا قيم ولا أخلاق، فهذا يستحيل أن يكون هذا هو فهمك الصحيح، وأنا واثق أنك لست كذلك، وينبغي فعلا أن تحرص ألا تكون كذلك. كما أنك متميز في عبادتك ينبغي أن تكون متميزا في أخلاقك، وأن تعلم كما لا تحب أن يختلي أحد بأختك فلا تختلي بأخت أحد، كما لا تحب ألا ينظر أحد إلى محارمك فلا تنظر بعينك إلى محارم غيرك، لأنك بذلك تكون قد عصيت الله وعرضت نفسك لغضب الله وعقابه.
أسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير، وأن يعينك على طاعته ورضاه، وأن يثبتك على الحق، وأن يجعلك من الدعاة بسلوكك وأخلاقك إلى دينه، إنه جواد كريم.
هذا وبالله التوفيق.