السؤال
كنت من النوع الذي إذا فعلت ذنبا، فإنني أندم ندما شديدا، وأتوب إلى الله، على يقين بأنني لن أرجع لتلك المعصية.
لكن ومنذ فترة قصيرة، أصبحت أشاهد بعض المواقع الإباحية، مع أنني من قبل شاهدتها مرة، ولكنني ندمت جدا، وعدت إلى ربي وأنا أبكي، ودعوت ربي بأن يغفر لي.
ولكن في آخر مرة شاهدت فيها، لم أشعر بالذنب وقتها، بل قلت بأن الله سيفغر لي إن رجعت إليه، وبالفعل رجعت فدعوت ربي، وقلت بأن هذه آخر مرة، ولكن لم أكن في نفسي متيقنة بأنني لن أعود.
في المرات السابقة، عندما كنت أتوب، أنوي بالفعل التوبة، وعدم الرجوع، ولكن في آخر مرة لا أعلم لماذا أصبحت لا أبالي، وكنت أتوب، ولكن لم أستطع إقناع نفسي بأنني لن أرجع لها.
لا أدري هل كنت أعتقد بأن هذه معصية مثل باقي المعاصي التي نفعلها في حياتنا؟ وبأنها بسيطة، وسيغفرها الله لنا إن استغفرنا؟
أرجوكم أنا لا أحب أن أعصي الله، ولا أن أشاهد تلك المواقع، ولكن في الحقيقة تجذبني نفسي إليها، ولا أستطيع مقاومتها.
أريد حلا يرجعني إلى الله حتى لا تزيد حالتي، وأستهين بالمعاصي أكثر وأكثر، ويعاقبني ربي، لأنني بالفعل لا أعلم ماذا أفعل؟
وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ وفاء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه.
نرحب بك ابنتنا الفاضلة في موقعك، ونشكر لك هذا الحرص على الخير، ونشكر لك هذه الروح النبيلة التي حملتك على التوبة والرجوع إلى الله تبارك وتعالى، واعلمي أن الله تعالى ما سمى نفسه غفورا إلا ليغفر لنا، ولا سمى نفسه توابا إلا ليتوب علينا، ولكننا نذكر بأنه سمى نفسه شديد العقاب، فاحذري التمادي في المعصية والبعد عما يرضي الله تبارك وتعالى، ونسأل الله أن يتوب علينا وعليك.
ونكرر ترحيبنا بك، ونشكر لك هذه الاستشارة التي تدل على رغبة في الخير ورغبة في التوبة، ونسأل الله أن يتوب علينا جميعا لنتوب، وأن يعيننا على التوبة الصادقة النصوح، التوبة الثابتة، التي يرتفع بها الإنسان درجات، فإن الإنسان إذا صدق في توبته، وأخلص في توبته ورجوعه، فأولئك الذين يبدل الله سيئاتهم حسنات، وكان الله غفورا رحيما.
وأرجو أن تعلمي أن الإنسان إذا تاب ثم رجع فعليه أن يقف وقفة للمراجعة، فيتعرف على أسباب ذلك الرجوع، والإنسان دائما يرجع إلى جريرته إذا لم يكن صادقا، ولم يغير بيئة المعصية، والإنسان يرجع إلى المعصية إذا لم يغير رفقة المعصية، ويرجع إلى الذنب إذا احتفظ بإيميلات ومواقع وأرقام المعصية، ولذلك حتى تكون التوبة نصوحا، لابد أن تتجنبي هذه الأخطاء، ونتمنى أن يكون الجهاز في مكان مكشوف، حتى إذا كان في حجرتك الخاصة، فاجعليه في مقابلة الباب، واحرصي أن يكون الباب مفتوحا، لأن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، وإذا أصبح الإنسان وحده، فإن الشيطان يجد إليه السبل، واعلمي أن الله تبارك وتعالى يمهل ولا يهمل، وأن الله سبحانه يستر على الإنسان، ويستر عليه، ويستر عليه، فإذا تمادى الإنسان في المعصية، ولبس للمعصية لبوسها، وبارز الله بالعصيان، هتك الله ستره، وخذله الله في كل أمر، وفضح الله ستره، وربما حال بينه وبين التوبة والعياذ بالله.
فانتبهي لنفسك، وعودي إلى الصواب، وتوجهي إلى الله تبارك وتعالى، واسأليه الهداية والتوفيق، ونذكرك بما قاله الشاب لإبراهيم ابن أدهم عندما قال: أريد أن أتوب، ولكن تصعب علي التوبة؟ فقال له: إذا أردت أن تعصي الله فابحث عن مكان لا يراك فيه، قال الشاب: كيف وأين والله لا تخفى عليه خافية؟ قال: ( أما تستحي من الله، تعصي الله وهو يراك؟ ألا تستحي من الله، تقع في المعصية وهو ناظر إليك؟ )، ثم قال إبراهيم ابن أدهم: إذا أردت أن تعصي الله فلا تسكن في أرضه. قال: وأين أسكن والأرض لله تعالى. قال: أما تستحي من الله، تسكن في أرضه وتعصيه وهو يراك؟ قال: إذا أردت أن تعصي الله تبارك وتعالى فلا تأكل من رزقه. قال: ومن أين آكل والأرزاق من الله؟ قال: أما تستحي من الله تأكل من رزقه، وتسكن في أرضه، وتعصيه وهو يراك؟ قال: إذا أردت أن تعصي الله فادفع عنك ملك الموت إذا جاءك؟ قال: كيف وقد وكل بي؟ قال: إذا لم تستطع أن تخرج من كون الله ولا تأكل إلا برزق الله، ولا تدفع عنك ملك الموت، فكيف تعصي الله وهو يراك؟
لذلك أرجو أن تفكري بهذه الطريقة، وأرجو أن تعلمي قصة الفتاة التي كانت تقلب بيدها القنوات والمواقع السيئة، فخرجت روحها في تلك اللحظة، ماتت والريموت في يدها، والمرء والعياذ بالله يبعث على ما مات عليه من سوء.
فاجتهدي في التوبة بمجرد قراءتك لهذه الاستشارة، واجتهدي في استبدال المواقع، والإيميلات، والذكريات القبيحة، بذكريات طيبة تذكرك بالله تبارك وتعالى، واعلمي أن مثل هذه المواقع تجر على الإنسان ويلات، وتجر على الإنسان حسرات وندامة، والمؤمنة مطالبة بأن تغض بصرها، وأن تبتعد عن مواطن الشبهات، وأن تبتعدي عن هذه المواقع، لأن الشيطان هو الذي يريد أن يرمينا في هذه الشراك، ويرمي علينا هذه الحبال والشباك حتى يصطادنا - والعياذ بالله -، وحتى يأخذنا إلى الهاوية.
فاحمدي الله الذي سترك في الفترة الماضية، واحمدي الله الذي حفظك، واجعلي شكرك لهذه النعمة مزيدا من التوبة والرجوع إلى الله، والإنابة إلى الله تبارك وتعالى، وبشرى لك فإن الله يغفر الذنوب جميعا، ويتوب على الإنسان، فعجلي بالتوبة والرجوع إليه، واعلمي أنه سبحانه وتعالى يفرح بتوبة من يتوب إليه، وأنه شديد العقاب لمن تمادى وأصر واستمر، فنعوذ بالله تبارك وتعالى من الإصرار على المعصية، ونسأله تعالى أن نكون ممن قال فيهم: {أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين}.
واعلمي أن تكرار المعصية يجعل الإنسان يعتاد المعصية، ولكنه لا يستمتع بالمعصية، فإن العاصي لا يستمتع بمعصيته لله إلا كما يستمتع الجرب بحك الجرب، (دماء تسيل، ألم، منظر مقزز) وهو يستمتع مع هذه الآلام والعياذ بالله، فلا متعة في المعصية.
واعلمي أن الاستمرار في مشاهدة هذه المواقع يعكر على الإنسان طول حياته، ويعكر على الإنسان مستقبله، ويجعل الإنسان عرضة لشرور كثيرة، وفشل كثير في حياته المستقبلية - والعياذ بالله-، فتوبي إلى الله، وعجلي بالرجوع، وحافظي على ما وهبك الله تعالى من فطرة وسلامة وصفاء.
ونسأل الله لك التوفيق والثبات والسداد.