السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سؤالي: الحمد لله لقد بدأت بحفظ القرآن، وقد حفظت حتى الآن ثلاثة أجزاء ونصف، ولكني أخاف أن أنساها، فكيف أستطيع أن أحافظ على حفظها، وأتمكن في نفس الوقت من حفظ البقية؟ لأني أحس أنني أنساها، فبدلا من الحفظ أعود إليها وأراجعها من الأول، فماذا علي أن أفعل؟
أيضا لدي مشكلة مع هوى النفس، كيف أستطيع التغلب عليه؟ لأنني كلما اقتربت من الله قليلا أحس أنني أعود وأبتعد عنه أكثر مما اقتربت منه! فكيف أستطيع منع نفسي من (التلفاز) فهو أكثر شيء يبعدني عن الله تعالى.
إنني أحاول هذا، ولكنني بعد أن أتركه أعود إليه وأحس بعذاب الضمير لما يجري معي، أريد أن أجد الطريق المناسب.
أرجو المساعدة، وجزاكم الله كل الخير.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سمر حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه.
نرحب بك ابنتنا في موقعك، ونشكر لك الاهتمام والسؤال، ونحن سعداء بهذا السؤال الذي يدل على حرصك على الخير، ونعتقد أن فكرة السؤال رائعة، وهي تدل على بداية صحيحة، فإن الشعور بالمشكلة، والشعور بالخطر هو أول وأهم الخطوات في العلاج بعد توفيق ربنا تبارك وتعالى، فنسأل الله أن يوفقك للخير.
نعتقد أن الاهتمام بالجزء الأول، وهو حفظ القرآن جزء أساسي في العلاج، فأنت ذكرت الدواء وأشرت إليه، ولله الحمد، تمكنت من حفظ أجزاء وتريدين أن تكملي حفظ القرآن، فإذا أقبل الإنسان على كتاب الله فإن هذا الكتاب كما قال علي - رضي الله تعالى عنه وأرضاه – جليس لا يمل، وصاحب لا يغش، وما جالس أحد هذا الكتاب إلا قام عنه بزيادة ونقصان، زيادة في هدى، ونقصان من عمى وجهالة وضلالة.
أقبلي على كتاب الله تبارك وتعالى، واجتهدي في تأمله حتى تشعري بحلاوته، وذلك لا يكون إلا بتدبر هذا الكتاب الذي شرفنا الله تبارك وتعالى به، فلا تتوقفي عن التلاوة، ولا تتوقفي عن المراجعة، ولا تتوقفي عن حفظه، واعلمي أن الحرف بعشر حسنات، وهذا لا يخفى على أمثالك، كما أن تدبر هذا القرآن العظيم ينقل الإنسان إلى أجواء أخرى، ولو صحت قلوبنا لما شبعت من كتاب ربنا تبارك وتعالى.
اشغلي نفسك بكتاب الله، واجتهدي في أن يكون هناك أيضا صوت لكتاب الله، فإذا عجزت عن التلاوة فهناك إذاعات ومواقع وقنوات تبث القرآن ليلا ونهارا، تتلى فيها آيات الله وتردد في جنبات البيت.
اعلمي أن كتاب الله يحتاج إلى تنظيم للوقت، ووقت للمراجعة، ووقت للحفظ، ودائما تستطيعين أن تجعلي وقتا قبل الصلاة، قبل كل صلاة دقائق، وبعد كل صلاة دقائق، تجعلين ذلك الوقت أحيانا للمراجعة، وأحيانا للحفظ الجديد، ومن المهم وضع برنامج والاستمرار عليه، وسوف تكون المصلحة الالتحاق بمراكز لحفظ القرآن، لأنك تجدين هناك روح التنافس بين الصالحات، وتصطحبين أيضا من يعينك على الخير، فإن الإنسان وحده قد يكسل، لكن إذا انتسبت المرأة إلى مركز أو تنافست مع صديقة في حفظ كتاب الله فإن هذا فيه دافع للطرفين.
أما بالنسبة للجزء الثاني وهو الانشغال بالهوى (هوى النفس) والميل إلى رؤية الأشياء المخالفة للشرع عبر هذه الشاشات التي بلينا بها عبر هذا الأعلام الذي دخل بيوتنا وتقحم غرفنا الداخلية، بل يدخل إلى جيوبنا من خلال أجهزة الاتصال كالهاتف وغيرها، ومن خلال المواقع المشبوهة عبر الإنترنت، فإن هذا العالم يحتاج منا إلى وقفة حازمة نراقب فيها ربنا تبارك وتعالى الذي ينهى عن هذا الشرور وينهى عن هذا السوء، سبحانه وتعالى.
إذا كان القرآن قد قال للمؤمنات (وقرن في بيوتكن} فإن الآية التي بعدها تقول: {واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة}، فالإسلام عندما أراد المرأة أن تكون في البيت أعطاها وظائف عظيمة (تربية الأبناء، رعاية الزوج، الإقبال على كتاب الله) وكانت نساء السلف يجمعن كل ذلك (العلم الشرعي، والسجود والخضوع لله، والقيام بخدمة الأزواج والأبناء، حتى كانت المرأة الصالحة تجهز نفسها وتأتي زوجها فتقول: (ألك إلينا حاجة) فإن كان له حاجة قضاها، وإلا فإنها تقبل على الله، تستأذنه في السجود والركوع، تتحرى لحظات السحر ولحظات الإجابة، لحظات يتنزل فيها العظيم فيقول: (هل من داع فأستجيب له؟ هل من مستغفر فأغفر له؟) وهذا اللجوء إلى الله تبارك وتعالى هو مفتاح الخيرات، مفتاح التوفيق من الله تبارك وتعالى.
ثم عليك بعد ذلك أن تدركي أن متابعة هذه الأشياء يفسد قلب الإنسان، وأنت قلت (هوى النفس) والشاعر قال: (إن الهوان هو الهوى نقص اسمه *** فإذا هويت فقد لقيت هوانا) وما من نفس إلا ولها هوى، لكن طوبى لمن كان هواه تبعا لما جاء به النبي - صلوات الله وسلامه عليه – والإنسان إما أن يقود هذه النفس إلى الخيرات، وإما أن تقوده إلى ما يغضب رب الأرض والسموات.
فكوني أنت من الناجحات في قيادة هذه النفس، إلى كل أمر يرضي الله تبارك وتعالى، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يثبتك على الخير، وأن يلهمك السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.
لا شك أنك أيضا قد شعرت بحلاوة الالتزام وحلاوة الإيمان، ومن ترك شيئا لله تبارك وتعالى عوضه الله خيرا منه، وهذه المناظر والأشياء المخالفة التي يراها الإنسان لا تجلب له الراحة، إنما تجلب له الأتعاب، وأنت ولله الحمد لك ضمير حي، تشعرين بالضيق عندما تبتعدين عن الله تبارك وتعالى، وفعلا لا سعادة للإنسان إلا في الاستجابة لأمر الله تعالى.
كما أرجو أن يكون الزوج ومن حولك يعينونك على الخير، ومن المصلحة أن ترتبي برنامجا إيمانيا، برنامجا يراعي الدروس الشرعية، ينظم الوقت، والمرأة أيضا تعيش مع زوجها، وتجتهد في أن تلبي الطلبات، وتكون مطواعة لزوجها، تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، وتحفظه إذا غاب.
نسأل الله لك التوفيق والسداد.