السؤال
كيف أعيش مطمئنا هادئ النفس ومسرورا؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حسن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه.
نرحب بك في موقعك، ونشكر لك هذا السؤال الذي هو أمنية لكل أحد، ونسأل الله أن يرزقنا الهدوء والطمأنينة والسكينة وراحة البال، وأرجو أن يعلم الجميع أن هذا المطلوب الغالي لا يمكن لإنسان على وجه الأرض أن يصل إليه إلا عبر هذه الشريعة، إلا عن طريق هذا الدين، إلا بالسير على خطى وهدى النبي – عليه صلاة الله وسلامه - .
جميع أهل الأرض قد ينالون اللذة، واللذة هي متعة مؤقتة، ولكن السعادة لا يمكن أن تنال إلا بالإيمان بالله، وإلا باتباع هذا النبي، اتباع هذا الهدى الذي تركنا عليه، السير على الصراط المستقيم، الذي تركنا في أوله، وآخره يوصل إلى جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين.
الحياة الطيبة الهانئة لا يمكن أن تنال إلا بالإيمان والعمل الصالح،{فلنحيينه حياة طيبة} قال ابن القيم: في الدنيا وفي البرزخ وفي الآخرة.
لقد بحث الناس عن السعادة في المناصب، فلم يجدوها، في الأموال، فلم يجدوها، في البنايات، فلم يجدوها، في الطعام، في الترفيه، لم يجدوها، لأن السعادة هي نبع النفوس المؤمنة بالله، الراضية بقضائه وقدره، المواظبة على ذكره وشكره وحسن عبادته.
قد ينال الإنسان لذة مؤقتة، يأكل طعاما شهيا، لكن اللذة تنتهي مع آخر لقمة، وبعد ذلك ربما لا تبقى له إلا الآلام والمغص في بطنه، قد ينال الإنسان السعادة بأن ينال منصبا، إلا أن نشوة المنصب تزول في اليوم الذي يذهب عنه، ولا يجد بعد ذلك إلا الأتعاب، قد ينال الإنسان لذة لأنه يلعب، لكن اللذة تنتهي عندما يتوقف اللعب، فلا يبقى معه إلا العرق والتعب والآلام.
ولا يمكن للإنسان أن يسعد في الحياة، لأن الحياة لا تخلو من الجراح، فقد أكون الإنسان سعيدا فإذا بخبر يخبرني بموت عمة، أو خالة، أو والد، أو والدة، مما يدخل على الإنسان الأحزان.
طبعت على كدر وأنت تريدها**** صفوا من الأكدار والأقذار
ومكلف الأيام فوق طباعها**** متطلب في الماء جذوة نار
لكن هذه الدنيا متى يسعد فيها الإنسان؟ عندما يرضى بقضاء الله وقدره، إن جاءته نعمة شكر، وإن جاءته بلية أو مصيبة صبر، فـ (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، أو أصابته ضراء صبر فكان خيرا له) فالإيمان هو الذي يجلب السعادة، ولذلك الفقراء عندنا سعداء، سعيد بالله، مطمئن بالله تبارك وتعالى، والسجناء عندنا سعداء.
ابن تيمية - رحمة الله عليه – في سجنه قال: (إن كان أهل الجنة في مثل هذا فإنهم لفي خير كثير) وقال: (إنه لتمر على القلب لحظات يرقص فيها طربا، وليس في نعيم الدنيا ما يشبه نعيم الآخرة مثل نعيم الإيمان والذكر)، بل قال تلميذه ابن القيم: (كنا إذا سددت الدنيا أمامنا – يعني تضايقوا – ذهبنا لزيارة الشيخ في السجن، فوجدنا عنده الانشراح والأنس والطمأنينة ما لا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى).
أجل - أخي الكريم – لأن الطمأنينة مكانها واحد، لا نجد الطمأنينة في الصيدليات، ولا عند الأطباء، ولا في المطاعم، ولكن {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب}.
الأمن لا يمكن أن يوجد إلا في رحاب الإيمان، بغير الإيمان الإنسان يخاف على رزقه، يخاف على أجله، يخاف من ظله، لكن بالإيمان أولئك الذين لهم الأمن وهم مهتدون، {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون}، فالأمن والطمأنينة والاستقرار النفسي والسعادة، كما قال عمر بن عبد العزيز: (كنا نرى سعادتنا في مواطن الأكدار) وهذا الذي تطلبه - أخي الكريم – لا يتحقق إلا في الاستجابة لأمر الله، والانقياد بشريعة الله، المواظب على ذكر الله، فهم أركان الإيمان، ومنها خاصة الرضا بقضاء الله تعالى وقدره، والذين تعمق في نفوسهم الإيمان ما أثرت فيهم الجراحات، ولا تكبروا لما جاءتهم الأفراح، وإنما كانوا في كل ذلك شاكرين أو صابرين، شاكرين عند النعماء، صابرين عند البلاء.
نسأل الله أن يجعلنا وإياك ممن إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذنب استغفر، وأن يهيأ لنا السعادة في الدنيا والآخرة بهذا الدين، وبالتمسك بكتاب ربنا الأمين، ونسأل الله أن يشغلنا بتلاوة كتابه وبذكره وبالاستغفار واللجوء والانكسار إليه، وأن يشغلنا بكل أمر يرضيه، وأن يحسن ختامنا وخلاصنا، هو ولي ذلك والقادر عليه.