السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لي امرأة من أقربائي سألتني بأن أسألكم هذا السؤال، وعسى الله أن تتمكنوا من الإجابة عليها، جزاكم الله ألف خير.
السؤال: المرأة المعنية ذهبت إلى السوق لشراء حاجة، وكانت تحمل معها كمية كبيرة من النقود والذهب، وسرعان ما أحست بأن حقيبتها أصبحت خفيفة، وبعد التأكد رأت بأن كل الموجود بداخلها قد سرق، وانصدمت ولا تعرف ماذا تعمل؟ مع العلم بأن تلك النقود قبل أن تسرق أعطت منها صدقة للفقير، والذهب أيضا سنويا يتم إعطاء زكاته!
سؤالها: ماذا يعني هذا؟ هل هذا ابتلاء؟ أم اختبار من الله تعالى للعبد أم ماذا؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه.
بداية نرحب بكم في موقعكم، ونشكر لكم الاهتمام بأمر هذه المرأة والسؤال نيابة عنها، ونسأل الله أن يعوضها خيرا، وأن يلهمها السداد والرشاد، وأرجو أن تعلم أنه لن يحدث في كون الله إلا ما أراده الله تبارك وتعالى، والمؤمن عليه أن يرضى بقضاء الله تبارك وتعالى وقدره، والإنسان يبتلى، فمن رضي فله الرضا وأمره نافذ، ومن سخط فعليه السخط وأمر الله نافذ، ولذلك كان عمر بن عبد العزيز يقول: (كنا نرى سعادتنا في مواطن الأكدار) و (عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، أو أصابته ضراء فصبر فكان خيرا له) كما قال - صلى الله عليه وسلم -. وقال: (إن النصر مع الصبر، وإن الفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسرا).
وأرجو أن يعلم الجميع أن المصائب لا تنزل على الأشرار وحدهم، لكن تنزل على الأخيار ليرتفعوا درجات، لينالوا منازل عند الله ما كانوا ينالوها إلا بصبرهم على البلاء، وتنزل على الغافلين لتكون سببا لتنبيههم، {أخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون} لعلهم يرجعون، لعلهم يضرعون، فيكون البلاء الواقع سبب في رجوعهم إلى الله تبارك وتعالى، ويقع البلاء على العصاة ليكون درسا وعظة، لكن من الذي يفهم الدرس؟ {فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا} ليتهم لما نزل بهم البلاء توجهوا إلى الله، {ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان} أعمالهم القبيحة، الشيطان يزينها ويخدعهم بها، فالمؤمن إذن يرضى بقضاء الله تبارك وتعالى وقدره.
وكما قلنا: هذا البلاء الذي يأتي من الله تبارك وتعالى له حكم عديدة جدا، وله حكم عظيمة جدا، والإنسان دائما ينبغي أن يحمد الله على كل شيء، فإذا سرقت الأموال يحمد الله الذي منحه العافية، أعطاه التوفيق، وأرجو أن نعلم أن هذا السارق أيضا الذي سرق هذا المال – والعياذ بالله – زاد على نفسه الذنوب، وخفف عن هذا الذي سرق منه، وهي حقوق لا تضيع بين يدي الله تبارك وتعالى.
فالإنسان إذن لابد أن يعود نفسه الإيمان بقضاء الله وقدره، وهذه المرأة ينبغي أن تزداد في الصدقة، وفي فعل الخير، ولا تتوقف عند هذه الأمور، لأن هذا أيضا مكان امتحان، وبعض الناس بكل أسف يقول (يا رب لماذا، أنا أتصدق، وأنا أفعل) وهذا خلل كبير جدا، واعتراض على قضاء الله تبارك وتعالى وقدره.
والإنسان إذا راجع التاريخ يجد أنه حتى المجاعة حدثت للصحابة الكرام، عام الرمادة كان في الصحابة الكرام - عليهم من الله الرضوان – لذلك يقول ابن القيم يشير إلى ما أشرنا إليه أن البلاء ينزل على طائفة من الناس كانت على الخير فتزداد بالبلاء والنجاح في الاختبار رفعة، وتنال منازل ما كانت لتنالها وتبلغها إلا بصبرها على البلاء؛ لأن الله قال: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}، وطائفة كما قلنا كانت غافلة فردها البلاء، وعادت إلى صوابها وتضرعت وانكسرت، ولجأت إلى الله وصححت المسيرة إلى الله.
وطائفة كانت على الغفلة فلم تع الدرس، ولم تستفد من المصائب وهي تنزل، وهؤلاء كما قال الحسن البصري: مثل الحمار، لا يدري فيما ربطه أهله، ولا فيما أرسلوه.
فنسأل الله أن يعوض هذه المرأة خيرا بما فقدت، ولتلقل: ( اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها)، ونسأله تعالى أن يلهمها السداد والرشاد، وأن يعيننا جميعا على طاعته، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجه الكريم، هو ولي ذلك والقادر عليه.