السؤال
مشكلتي كانت منذ وقت مبكر - منذ أن كنت أبلغ من العمر 12سنة تقريبا - وهي أنني خضعت لتحليل الدم، وعند انتهائي وتوجهي للمنزل انتابني شعور غريب في السيارة, وبدأت أغيب عن الواقع، وبدأت أشعر أنني مع أناس آخرين، وكانوا كأنهم يضحكون علي؛ لأنني بللت ملابسي، وعند استيقاظي كنت قد بللت ملابسي فعلا.
وبعدها أصبح موضوع الإغماء والشعور بالدوخة بشكل مرهق وشديد مرتبطا بأمور النساء من حمل، وولادة، وجماع.
أما بالنسبة للولادة: فقد رأيت بعض المقاطع للولادة؛ مما زاد تعبي أكثر منها، وحتى الدورة الشهرية أعاني كثيرا منها، علما أني مررت بموقف في الصف الأول المتوسط - عندما كانت تشرح لنا معلمتنا عن الدورة الشهرية، وكيف نهتم بنظافتنا – حيث بدأت أشعر بدوخة متعبة، ونظري أصبح مشوشا، وبدأت أشعر بضيق التنفس، وثقل جسمي، وغبت عن الواقع, وبدأت أشعر بنفسي بأنني بين فتيات يتحدثن, وأغمي علي.
والطالبات أخبرنني أنني عندما أغمي علي كنت أرتجف بسرعة, وقد تعبت من هذه الحالة، وتعبت تعبا شديدا من هذه المواضيع، وأصبحت أدوخ وأشعر بضيق التنفس وأنا مستلقية.
ومرة كنت أتابع مسلسلا، وشعرت بآلام الدورة، وعندما ذهبت لدورة المياه كانت هي فعلا، وشعرت بدوار شديد، لكني ضغطت على نفسي بالبقاء متماسكة أطول مدة ، لكني لم أستطع فقد بدت أحداث المسلسل الذي كنت أتابعه قبل أن أذهب للحمام وكأنها تحدث أمامي، وصرت أسمع الحوار بين الممثلين، وأغمى علي, علما أني عندما أغيب عن الواقع يصبح كل شيء لونه واحدا، وعندما أستيقظ أشعر وكأنني كنت مشدودة وأستيقظ بسرعة, فما تفسير حالتي بالضبط؟ حتى أني أشعر أني لم أشرحها بشكل جيد، لكني أتمنى أن تجدوا تفسيرا لها.
وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سديم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:
فإن الانفعالات الإنسانية يعبر عنها بصور مختلفة، والإنسان له نظم وآليات داخلية تتحكم في مشاعره وانفعالاته ودرجة تحمله لما يدور حوله, وبعض الناس لديهم حساسية نفسية شديدة؛ ولذا تجد أنهم يتفاعلون مع أمور قد تكون طبيعية جدا، يتفاعلون معها بصورة مبالغة، ويكون هذا التفاعل عن طريق تعبير نفسي ما.
أنت في حالتك بدأ الأمر كله بسحب الدم، ونعرف أن بعض الناس ليس لهم القدرة على تحمل منظر رؤية الدم أصلا، والبعض قد يخاف حتى من رؤية الحقنة التي يسحب بها الدم، ومجرد التفكير في هذا الوضع يثير لدى البعض مخاوف داخلية، وهذه المخاوف الداخلية والقلق النفسي قد لا تظهر في شكل تفاعل نفسي انفعالي واضح، وإنما تظهر في شكل مواقف وانفعالات قد يعبر عنها جسديا أو بصورة نفسوجسدية.
فالذي حدث لك عند سحب الدم هو أنك انتقلت من حالة الشعور التام واليقظة إلى حالة قلقية جعلت مستوى الوعي لديك يقل، وأصبح تحكم انفعالاتك كله تحت إرادة العقل الباطني, لكن بصورة جزئية.
ويظهر أنه تكون لديك نوع من قلق المخاوف البسيط، وأصبح يعبر عن قلق المخاوف هذا خاصة في الأمور الشخصية المتعلقة بالنساء - كما ذكرت – مثل: الولادة، مثل الجماع – المعاشرة -، والدورة الشهرية، وأصبح يعبر عن انفعالاتك لمجرد التفكير في هذه الأمور من خلال الدخول في حالة إغماء.
إذن الانفعالات النفسية لديك تتحول إلى انفعالات نفسوجسدية، هكذا نسميها؛ لأنها تحمل الطابع النفسي، وتحمل الطابع الجسدي أيضا في ذات الوقت.
أيتها الفاضلة الكريمة: أتمنى أن يكون الشرح واضحا، ورسالتك واضحة جدا، ونعتبر هذه الحالات ليست أمراضا نفسية، وإنما هي ظواهر نفسية.
الذي أنصحك به هو أن تحقري فكرة الخوف والهواجس حول الأمور النسائية التي تحدثت عنها، ويجب أن تعتبريها أمرا طبيعيا جدا، بل هي ضرورة من ضروريات حياة النساء، وموضوع الدورة والحمل والولادة وخلافه أمر يحدث للنساء، وهو جزء من التكوين البشري، وجزء من الدور الذي تقوم به المرأة في حياتها.
إذن: انقلي نفسك من اللاواقع إلى الواقع؛ وذلك بالتدبر والتأمل ومساءلة نفسك: (لماذا أتفاعل بهذه الصورة السلبية؟ فهذا أمر بسيط، وهذه أمور طبيعية: فسيولوجية، بيولوجية), وهذا نسميه بالإقناع الذاتي، وهذا يتطلب ما يسمى بـ (التغيير المعرفي) يعني: أن تصححي مفاهيمك، وأن تعرضي نفسك لهذه المواقف بكل شجاعة, وبكل انشراح, وبكل قبول ذاتي, هذا من ناحية.
من ناحية أخرى: لابد أن تقللي من الهشاشة النفسية لديك؛ وذلك بأن تكوني إنسانة مطلعة، قارئة، تناقشي الآخرين، يكون لك تواصل اجتماعي جيد، وتحقري فكرة الخوف التي تنتابك, فربما يكون الخوف لا يظهر لديك في شكل خوف واضح وشديد، لكن يظهر لديك من خلال هذا التعبير التحولي، بمعنى أن الانفعال النفسي تحول إلى انفعال نفسوجسدي، ويعرف أن الذين يجيدون التواصل والمهارات الاجتماعية لا يكونون عرضة لمثل هذه الانفعالات السلبية.
وعموما هذه الانفعالات والتفاعلات النفسية التحولية تختفي بمرور الوقت؛ لأن الإنسان له درجة من النضوج الاجتماعي التي يكتسبها بمرور الأيام, وهذا النضوج الاجتماعي ذو طابع نفسي أيضا, وهذا لا يعني أبدا أنك غير ناضجة اجتماعيا أو نفسيا، لكن المرحلة تتطلب منك المزيد من طفرة النضوج النفسي، وتلقائيا – كما ذكرت لك – هذه الأشياء تنتهي، وفي بعض الأحيان نعطي أدوية بسيطة مضادة لقلق المخاوف؛ لأن هذه الحالات ربما يكون فيها مكون بيولوجي، ومن أكثر الأدوية شيوعا واستعمالا في مثل هذه الحالات عقار بسيط يعرف باسم (فلوناكسول), واسمه العلمي (فلوبنتكسول), وجرعته هي نصف مليجرام, يتم تناولها يوميا لمدة شهر، وبعد ذلك تتوقفي عنه.
ومن الأشياء التي سوف تكون مفيدة جدا لك أيضا: التدرب على تمارين الاسترخاء، وإسلام ويب لديها استشارة تحت رقم: (2136015) فأرجو أن ترجعي إليها, وتحاولي الاستفادة منها, واتباع التعليمات والتفاصيل التي وردت فيها.
حركي طاقاتك النفسية والجسدية والفكرية كلها نحو دراستك, ونحو أن تكوني متفاعلة اجتماعية، وأن تكون لك أنشطة على مستوى الأسرة والأهل، واحرصي في أمور دينك، فهذا كله يزودك - إن شاء الله تعالى - بثقة داخلية تخرجك من حالة هذه المخاوف المكتسبة والبسيطة.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية, والتوفيق والسداد.