السؤال
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
منذ سنتين تقريبا وأنا أدعو الله عز و جل أن يفرج همي ويقضي ديني، فأدعوه بأسمائه الحسنى في الثلث الأخير من الليل، وأتوسل إليه أن يغيثني، وأحاول أن أصل رحمي، وأبر والدتي، وأستغفر الله ما استطعت.
ثقتي في الله ويقيني به كبير، وقد لزمني ضيق في الصدر وشيء من الحزن في الأيام الأخيرة.
أرجو النصيحة جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ yasser حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه.
نرحب بك بداية في الموقع، ونشكر لك هذه الروح، روح اللجوء إلى الله تعالى، والتضرع إليه سبحانه وتعالى، ونسأل الله أن يديم عليك فضله، وأن يعيذك من الشيطان الذي يريد أن يوصلك إلى اليأس، يريد أن يجعلك تيأس وتتوقف عن الدواء، وهذا ليس بغريب على هذا العدو، والنبي - عليه الصلاة والسلام – يقول: (يستجاب لأحدكم ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل، قيل: يا نبي الله؛ وما الاستعجال؟ قال: يقول قد دعوت وقد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجب لي، فيستحسر عند ذلك ويترك الدعاء) وهذا لا يفرح سوى عدونا الشيطان.
لذلك أرجو أن تزداد لجوءا إلى الله، وتوجها إليه سبحانه وتعالى، واعلم أن هذه الحال التي أنت عليها هي نعمة من الله تبارك وتعالى، فالإنسان أحيانا يعيش لحظات الانكسار، والخضوع والتضرع واللجوء إلى الله تبارك وتعالى، وبعد أن يفرج الله همه ويقضي دينه ويخرجه من الورطة التي هو فيها يتوقف كل هذا الخير، فلا يدعو ولا يلجأ ولا يتضرع، وهذا ما لا نرضاه لك ولا لأنفسنا.
إن الإنسان ينبغي أن يلجأ إلى الله في سائر أحواله، فتعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأنه ما من داع يدعو ويتوجه إليه إلا أعطاه الله إحدى ثلاث: إما أن يستجيب الله دعوته (أعطني كذا، فيعطيه، ارفع عني كذا، فيرفع عنه البلاء) وإما أن يدخر له من الأجر والثواب مثلها، وإما أن يرد عنه من البلاء والمصائب النازلة مثلها، لما سمع عمر الفاروق هذا الكلام قال: إذا نكثر؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (الله أكثر).
علينا أن نحمد الله تبارك وتعالى على هذه النعمة، ونكثر من اللجوء إلى الله تبارك وتعالى، وأنت -ولله الحمد- على خير، فإذا شعرت بضيق في صدرك، أو بيأس يحاول الشيطان أن يدخله إلى نفسك، فتعوذ بالله من الشيطان، وتوجه إلى الله تبارك وتعالى، وتذكر ما قاله ابن الجوزية - رحمه الله تعالى – عن سلف الأمة وأدبهم مع الله، قال: (كانوا يسألون الله، فإن أعطاهم شكروه، وإن لم يعطهم كانوا بالمنع راضين) لاحظ (كانوا بالمنع راضين) (يرجع أحدهم بالملامة على نفسه، فيقول: مثلك لا يجاب) وهذا منهج مهم جدا.
الإنسان عندما تتأخر الإجابة يراجع نفسه، ربما ثمة خلل، ربما كان هناك ذنب هو الذي يحرمنا من الخير، {فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم} ، {فكلا أخذنا بذنبه} {لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور * فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل * ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور} ، {ضرب لله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون} كل هذه الآيات تدل على أن المعاصي لها شؤمها ولها آثارها على البلاد والعباد.
يتابع ابن الجوزي قوله فيقول: (أو يقول: لعل المصلحة في ألا أجاب) وهذا أيضا تفكير جميل، لأن الإنسان أحيانا يمنع الله عنه إجابة الشيء، لأن في هذه الإجابة هلاكا له وضياعا لدينه وضياعا لاستقراره النفسي، فقد يمنعه المال لأنه إذا جاءه المال يتكبر، إذا جاءه المال يطغى، إذا جاءه المال ينشغل به عن الطاعة، فمن مصلحته ألا يعطى مالا، لأنه إذا أعطي المال يخسر الدنيا والآخرة، والله العظيم يقدر لعبده الخير، فما يختاره الله لنا خير مما نختاره لأنفسنا.
نسأل الله تبارك وتعالى لك التوفيق والسداد، وندعوك إلى أن تستمر في الدعاء، واللجوء إلى الله تبارك وتعالى، ونبشرك بأنك غانم، وبأنك فائز في كل الأحوال، ونسأل الله أن يديم علينا وعليك الفضل والمنة، هو ولي ذلك والقادر عليه.