السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
منذ 6 أشهر أرسلت لك رسالة، وقلت لي أني أعاني من عسر مزاج، ووصفت لي (الدولكستين) أن أرفع الحبة، (المتروجين) على أنه مثبت مزاج، وقلت لي يجب الصبر على الأدوية، وكنت أريد أن أطلعك على آخر المستجدات.
أنا أحاول أن أفكر إيجابيا، وأقول لنفسي أني أعاني من عسر المزاج، وإنها أفكار، وهي جزء من المرض، وتقول لي أمي لا تفكر فيه، وأله نفسك بشيء مثل أن تدرس الانجليزية أو أن تفعل أي شيء، المهم أشغل بالك، لكن يا دكتور الأمور ليست بهذه السهولة، فأنا أريد أن أشفى، وهذه الكلمة رددتها لأكثر من طبيب نفسي، فما الحل؟
مللت يا دكتور، أنا أضحك كثيرا، وصرت أحسن من قبل أي قبل أن أصاب بالمرض؛ لأني أحسست بقيمة الصحة وأن أضحك؛ لأني أريد أن أشفى، فأنا أريد أن أسافر الأردن، وأخاف أن تتدهور حالتي، وأن أنتحر.
وبالنسبة لي الأدوية أوقفتها بالتدريج؛ لأني لم أحس بتحسن، فقط آخذ الأدوية، وتقول أمي صلي وواظب على صلاتك وستشفى، لكن صراحة لقد مللت من نفسي، ويمكن فقدت الأمل في الشفاء.
وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أنس حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونشكرك كثيرا على تواصلك مع إسلام ويب.
مشكلة الاكتئاب هو أنها تشعرك أنك لن تتحسن، وتشعرك أنك مسلوب الإرادة، وتجعلك تفكر في كل ما يقال لك من طرق تدفعك نحو التحسن هذا مجرد كلام نظري، وليس أكثر من ذلك، هذا كله ليس بصحيح، وهذه الأفكار التي تأتي للإنسان هي جزء من علة الاكتئاب، والاكتئاب ليس فقط مشاعر إنما هو أفكار معرفية، وهذا هو المهم حتى أن أحد العلماء المرموقين جدا اسمه أرون بيك يقول أن الاكتئاب في الأصل هو علة فكرية معرفية، وليس علة مزاجية.
أو بمعنى آخر أن العلة الفكرية هي التي تقود إلى العلة المزاجية، وعلى ضوء ذلك فالمتغير الحقيقي هو الفكر، والفكر يمكن للإنسان أن يبدله ويجعله فكرا ايجابيا، وهذا هو الذي نطالبك به، أنت الآن تسيطر عليك أفكار سلبية، ولديك قلق توقعي، ولديك نوع من التشاؤم، ولديك شعور بالإحباط وبالملل، وهذا كله يقوم على حقيقة أنك -لا أقول إنك لم تبذل الجهد الكافي- لكن من الضروري أن تتفهم أن التغير المعرفي هو الذي يؤدي إلى التغير المزاجي.
انظر إلى نفسك نظرة مختلفة تماما، أنت لديك مقومات نفسية وجسدية وفكرية واجتماعية كبيرة جدا، يجب أن تتحسسها وتتلمسها وتقتنع تماما أن حياتك أفضل مما تتصور، ويجب أن تقوم ببعض الإجراءات العملية التي تساعدك في تغير الفكر السلبي، مثلا الصحبة الطيبة، الإنسان يحتاج إلى نموذج يقتدي به في الحياة.
فحرصك على أن تؤاخي الصالحين والناجحين والمنشرحين البال هذا في حد ذاته داعم علاجي أساسي، أنت تسعى دائما لأن تكون فعالا في محيط أسرتك أليس هذا بالأمر الجيد، بالطبع هو أمر جيد جدا، فأنت حين تتغلب وتسيطر على أفكارك، وهذا لن يأتي إلا منك، ولا أحد يستطيع أن يغير لك فكرك أبدا، لكن مجرد استدراكك ووعيك أن الاكتئاب يتصيدك من خلال الفكر، وليس من خلال المزاج، وهنا سوف تكون بدلت فكرك وبنيت علاقة جديدة، وهذه القناعات الجديدة -إن شاء الله تعالى- تدفع بك نحو مزاج أحسن وأفضل.
كل ما تقوله والدتك الكريمة صحيح، ولا شك في ذلك، وأنا أشير أن رضى الوالدين في حد ذاته نوع من العلاج النفسي، ومهم جدا، فاسمع نصائحها، دائما حاول أن تطمئنها، وأن تعطيها إشارات مطمئنة، رسائل إيجابية، هذا يساعد الوالدة ويساعدك.
بالنسبة للسفر والذهاب إلى الأردن، ليس هنالك ما يمنعك من ذلك أبدا، كلمة الانتحار التي وردت في رسالتك هي كلمة عقابية قبيحة جدا لا تناسبك أبدا، أنت لديك كل ما هو جميل، وتعيش من أجله، وفوق ذلك أنت مسلم ومؤمن والانتحار لاشك أنه بغيض ويسخط الله تعالى.
بالنسبة للعلاج الدوائي كنت أتمنى أن تستمر على الأدوية حتى لفترة قصيرة أخرى؛ لأن الدواء يتميز بشيء مهم جدا، وهو أنه يغطي الجانب البيولوجي، نعرف أن الاكتئاب له مكونات بيولوجية، وهذه تصحح من خلال الأدوية كما أن الأدوية لها ميزة إضافية مهمة جدا، وهي أن الدواء على الأقل إن لم يساعد على الشفاء أو لم يوصل الإنسان إلى مرحلة الشفاء والتعافي، فإنه يمنع التدهور، فإذا منع التدهور فهذا مهم جدا في الطب النفسي.
أرجو أن تكون إيجابيا، ومن جانبي أسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.