السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أولا: أشكر القائمين على الموقع عسى الله أن يجعلها في ميزان حسناتكم.
عندما كنت في أولى ثانوي كان الصف الأول لا يكاد يفارقني، وتكبيرة الإحرام لا تكاد تفوتني، وكنت دائما قارئا للقرآن ذاكرا لربي.
كنت عندما أخوض معارك مع شهوتي كان النصر حليفي دائما، لكن أنا أحدثكم الآن وأنا في ثالث ثانوي، تغيرت حالتي تدريجيا إلى أن أصبحت لا أشهد الصف الأول إلا مرة في الشهر, وقد تمر شهور ولم أشهد الصف الأول, ويوميا أصلي في الجماعة الثانية، أو أني أصلي في الصفوف الأخيرة, وأصبحت لا أقوم إلا إذا أقيمت الصلاة، وأحيانا في الركعة الثانية.
أصبحت قليلا ما أقرأ القرآن، جاهدت نفسي وقرأته, قرأته مسرعا بلا تدبر أو خشوع، وأغلقه مسرعا هارعا إلى ملذات الدنيا.
مرات أتهرب من التحفيظ لا أهرع له, وغير ذلك كله معاركي ضد الشهوة التي نادرا ما أنتصر فيها، قبل سنة وصلت بي الحال إلى المقاطع الخليعة والعادة السرية, لكني تركتها ليس خوفا من الله! -وهنا الطامة الكبرى- لكن لأن أبي كاد أن يكتشفني, فكلما أردت أن أرجع لها أخاف أن يعلم بي أبي فأرجع, وأكاد أجزم لو لم يوجد أبي لما توقفت، وإن غفل عني أخاف أن أرجع.
المشكلة أن أصدقائي في المدرسة يظننوني ليس كذلك، وأنا لا أريد أن يكون لي صورة في الناس بينما إذا خلوت تغيرت, لا أريد أن أكون منافقا.
أسترشدكم بحالتي، ويعلم الله أني ما تركت صلاة حضر فيها قلبي إلا وقد دعوت الله أن يهديني.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبدالرزاق الصومالي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه.
بداية نرحب بك ابننا الكريم، ونسأل الله أن يردك إلى الحق والصواب، ونشكر لك (حقيقة) هذه الاستشارة التي تدل على مشاعر نبيلة ورغبة في الخير، وشعورا بالتقصير، ونعتقد أن هذه هي البداية الأولى والصحيحة لتصحيح المسار في السير إلى الله تبارك وتعالى، ونسأل الله أن يبارك في هذا الأب، وأن يعينك وإياه على الخير، وننصحك بأن تجعل مراقبتك لله، وخوفك من الله تبارك وتعالى؛ لأن الإنسان إذا ارتبط بالله الذي لا تخفى عليه خافية؛ فإن هذا خير عون للإنسان على الثبات وعلى السداد، والسير على الطريق الذي يرضي الله تبارك وتعالى، أما إذا راقب الناس فالناس قدراتهم محدودة، والناس لا ينفعون الإنسان، بل قد يضروه، ولكن المهم هو أن يتابع الإنسان طاعة الله، وأن يراقب ربه في السر والعلن.
أرجو أن تبتعد عن المعاصي، وتقبل على كتاب الله تبارك وتعالى، واعلم أن الحلاوة التي كنت تجدها ستجد أعظم منها إذا تبت ورجعت إلى الله تبارك وتعالى، كما أرجو أن تبحث عن أسباب هذا التردي، هل هناك أصدقاء جدد؟ هل هناك أشياء جعلتك تبتعد رويدا رويدا؟ إذا كانت هناك أسباب ينبغي أن تذكرها، ثم تتفادى هذه البيئة، فإن الإنسان مطالب أن يتوب، ومما يعينه على الثبات على التوبة مفارقة رفقة المعصية وبيئة المعصية، والتخلص من ذكريات المعصية التي قد تكون إيميالات، وقد تكون مواقع مشبوهة، وقد تكون أرقاما، وعليك ألا تذهب للفراش إلا عندما تكون متهيئا للنوم، وعليك أن تراقب الله تبارك وتعالى، وعليك ألا تجلس في الفراش أو ترقد في الفراش بعد أن تستيقظ، وعليك أيضا أن تغض بصرك عن النظر إلى النساء؛ لأن هذه أشياء معينة للإنسان على الثبات والخير.
كما أرجو ألا تكون وحدك، لأن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، واحشر نفسك في زمرة الصالحين، واقترب من هذا الوالد الذي فيه خير، وكن عونا له على كل أمر يرضي الله تبارك وتعالى، واحرص دائما على أن تجتهد في تحصيل الحسنات الماحية، وحذاري أن يوصلك الشيطان إلى اليأس، فإن الله ما سمى نفسه غفورا إلا ليغفر لنا، وأنت -ولله الحمد- عائد وتائب إلى الله تبارك وتعالى، وعليك أن تستمر في الطاعات حتى لو كنت تترك المعاصي لأجل الوالد، لكن مع تذكير النفس، مع مراقبة الله ستأخذ الصورة وضعها الصحيح، ولا يخفى عليك أن أسوأ الناس هم أهل ذنوب الخلوات، الذين إذا خلو بمعاصي الله انتهكوها، فنحذرك أن تكون منهم.
أما إحسان الظن بك فعليك أن تستمر على حسن الظن، فإن المؤمن إذا أحسن الناس به الظن ارتفع بمستوى حسن ظنهم، يعني لا يأتي الشيطان فيقول لك (أنت كذا وتخدع الناس) لا، إذا قال الناس (فلان طيب) فكن طيبا، إذا قالوا (إنسان مصل) فحافظ على الصلاة، إذا قالوا (فلان يقوم الليل) فقم الليل، هذا المعنى الإيجابي في كلام الناس، والمعنى السلبي الذي يريده الشيطان هو أن يذكرك بأنك حقير وناقص وعاص (وكذا) حتى تصل إلى اليأس، فعامل هذا العدو بنقيض قصده، واعلم أن الشيطان همه أن يحزن الذين آمنوا، وأن هذا الشيطان يسعد بمعصيتنا، لكنه يحزن بتوبتنا، ويندم على استغفارنا، ويبكي على سجودنا لله رب العالمين، فنعامله بنقيض قصده، خاصة بعد أن أخبرنا الخالق العليم بأن الشيطان لنا عدو، ثم قال بعد ذلك: {فاتخذوه عدوا} ليس مجرد معرفة، لكن لابد من برنامج تخالف فيه الشيطان وتطيع فيه الرحمن، وبهذا وحده تتحقق العداوة للشيطان.
نسأل الله أن يثبتك وأن يلهمك السداد والرشاد، ونعتقد أن هذا السؤال يدل على أنك تحمل نفسا لوامة فيها الخير، فنمي جوانب الخير في نفسك، ونسأل الله لك التوفيق والسداد.