السؤال
عمري 16 سنة -الحمد لله- لا أعاني من أي اكتئاب بسبب قربي من الله، ولكن عندي حاجز نفسي غريب تجاه أي أحد، لا أحب التقرب من أحد، ولا الكلام معه في أي شيء شخصي؛ لأن علاقتي بالناس لا تطول بسبب تجارب سابقة، وعندما أتكلم مع أحد حتى لو كنت أحبه يزعل بعدها، فأحس أنه كان من الأفضل عدم الكلام، وخصوصا إذا كان شيئا شخصيا، أخاف من علاقتي مع الناس، وأتخيل نفسي أتكلم معهم بأشياء بيني وبين نفسي.
لو كلمت مدرسا بشيء شخصي على سبيل النصيحة وبدون لمس، أو تعاملنا كأب وبنته، هل هذا حرام؟ أرجو سرعة الرد.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ياسمين حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في إسلام ويب فأهلا وسهلا ومرحبا، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت، وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، أن يغفر ذنبك، وأن يستر عيبك، وأن يتجاوز عن سيئاتك، وأن يجنبك الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن.
وبخصوص ما ورد برسالتك أختي الكريمة الفاضلة، فأنت تعلمين أن الذي خلق كل شيء هو الله فالذي خلق الإنسان هو الله، والذي منحه صفات خاصة هو الله، والصفة التي تتكلمين عنها وهي عدم رغبتك في إفشاء أسرارك لأي أحد، هذه في الواقع صفة حسنة، لأنها تجعلك قوية الشخصية وتجعلك لست ضعيفة أمام الناس، أو تجعلك قادرة على مواجهة أي موقف؛ لأن إفشاء الأسرار غالبا ما يؤدي إلى أن الإنسان يصبح أسيرا لدى الشخص الذي أفضى إليه بسره، خاصة إذا كانت مسائل خاصة جدا تتعلق بالفتاة أو المرأة المسلمة، ولذلك أنا أقول أتمنى ألا تعتبري هذا عيبا، وإنما هو صفة حسنة؛ لأن أقوياء الشخصية عادة عبر التأريخ هم الذين يحتفظون بأسرارهم، ولا يفضون بها إلا في الوقت المناسب أو للشخص المناسب.
أما بعض الناس الذي يتكلمون ويفشون أسرارهم لكل أحد فهؤلاء دائما يكونوا ضعفاء ويكونون عرضة لطعنات قاتلة، وإصابات جارحة ممن أفشوا إليه بأسرارهم؛ لأنك عندما تخرجين بسرك لأحد فقد أصبحت أسيرة له، قد يكون غير أمين فيفشي سرك، فيفسد عليك حياتك، وكم من سر قتل إنسان، أفسد ما بين امرأة وزوجها، وكم من سر أفسد العلاقة ما بين الابن وأبيه، والأخ وأخيه، فأنا أعتبر حقيقة أن عدم إفشاء الأسرار ظاهرة حسنة، ولكن هذا كما ذكرت يكون للأشخاص العاديين الذين لا يهمهم أمرك بدرجة كبيرة.
أما بالنسبة للوالدة فأنا أتمنى أن تكسري الحاجز؛ لأن الوالدة ينبغي أن تجعليها أقرب صديقة لك، وكذلك الوالد يقال له الكلام الذي يتناسب مع دوره كولي أمر للأسرة، والوالدة يقال لها كل شيء؛ لأننا ينبغي في علاقاتنا يا بنيتي أن نعتبر الوالدة هي الصديقة رقم واحد؛ لأن الأم هي أحرص على مصحلتك، وهي التي سوف تنصحك النصيحة المناسبة والموفقة الطيبة، هذه أمور لا بد منها؛ لأن الإنسان مهما كانت قدرته على كتمان سره يحتاج أحيانا إلى إفضاء بعض الأسرار ليستريح، فالسر يكون في نفس الإنسان حمل ثقيل يحتاج من يحمله عنه أو يحمله عنه، فإذا شعرت برغبة إفضاء السر الذي في نفسك فعليك بأمك لماذا؟ لأنها هي الوحيدة التي تحبك أكثر من نفسها، وهي الوحيدة المأمونة التي ستحفظ لك سرك وسوف توجهك التوجيه المناسب.
أما بالنسبة للمدرس، وكان الأمر يتعلق بالجانب النسوي، وبالأشياء الخاصة بالفتاة أنصح أن يكون ذلك لأمك؛ لأن المدرس رجل وأنت شابة وقد يقع في نفسه شيء، وقد يقع في نفسك أنت شيء، وقد يكون أحيانا بعض المدرسين غير أمين، فيستغل هذا السر بإقامة علاقة بينه وبين الفتاة، أو الضغط عليها، أو محاولة ابتزارها، فنحن نقول للمدرس الأمر الذي يتعلق بالأمر العام الذي لو قاله المدرس لم يكن هناك حرج.
أما الأشياء الخاصة فقوليها لأمك، وإذا لم تكن الأم على هذا المستوى قطعا ستكون لأخت مثلا أكبر منك سنا، أستطيع أن أستشيرها أو تكون عبر طرف من الأسرة المعروف عنه رجاحة العقل، وعدم الثرثرة، وعدم إفشاء الأسرار، وقد يكون هذا الكلام مع المشرف الاجتماعي في المدرسة، وقد يكون هذا الكلام لشخصية متخصصة كطبيبة مثلا إذا كان الأمر يتعلق بجانب الطب أو استشاريا نفسيا، المهم أننا نضع السر عند من نصونه، والناس يا بنيتي عادة لا يضعون الثمين إلا عند الأمناء المشهورين بالأمانة، لا يضعونها عند كل أحد، لأن الناس كما تعلمين ليسوا سواء، والسر حقيقة أخطر من المال، وأخطر من الذهب والفضة، وأخطر من أي شيء من عرض الدنيا، فلو ضاع ذلك فمن الممكن أن يعوض، أما السر إذا كان خاصا جدا قد يقضي على الإنسان، فمن السر ما قتل، ومن السر ما فرق بين الأحبة، فأنا أنظر -بارك الله فيك- في طبيعة الأمر، فأبدأ بوالدي أو أخوتي وأخواتي وأخواتي شريطة أن أتخير منهم العاقل الرزين الذي لا يتكلم، ولا يثرثر، وليس من عادته إفشاء أسرار الناس، أو صديقة مخلصة حمية، وقد أحطت بعلاقتي معها أنها لا تفشي سر أحد.
وانتبهي يا ابنتي أن الذي يفشي سر غيرك أمامك قطعا سيفشي سرك أمام غيرك بمعنى أنك لو كنت تتعاملين مع أختك ووجدتيها تتكلم عن بعض صديقاتها بأنها قالت كذا وكذا وأنها كذا فهي لا تصلح لحفظ أسرارك؛ لأنها من الممكن أن تفشيء سرك أمام أحمد من الأسرة، أو غيره، أما من لم تفشه، فهذه تحرصي عليها؛ لأنها مع الزمان عملة نادرة، وهذا وضع طبيعي فلا ينبغي أن تشعري فعلا أو تقلقي من هذا الأمر.
والحمد لله أن الله من عليك على علاقة طيبة معه، وكم أتمنى فعلا أن يكون كل شيء بين يدي الله تبارك وتعالى، فنفشي أسرارنا مع الله، ونشكو همومنا مع الله كما قال الله عن يعقوب إنما أشكو بثي وحزني إلى الله.
وأما عن الحاجز النفسي تجاه الآخرين، فالأصل أن المسلم يحسن الظن بالناس، ولا يتحفظ في التعامل معهم إلا إذا أحس منهم عدم احترام، أو تقدير، أو عدم مراعاة للمشاعر، أو عدم حفظ السر، أو الكلام فيما لا ينفع إلا في المحرمات شرعا، فهنا يكون من حقه ألا يدخل معهم في حوارات قد تجره إلى الحرام، أو تضيع وقته فيما لا يجدي.
مع تمنياتنا لك بالتوفيق والسداد.