السؤال
السلام عليكم.
أنا أم لثلاثة أولاد وبنت، وأنا كبيرة في السن، فعمري الآن 73 سنة، المشكلة أنني لم أكن أعامل أولادي بالعدل والمساواة، فقد كنت أفضل الأولاد على البنت، كانت البنت دائما تشتكي منهم، وتطلب مني حمايتها، ولكني أهملتها كثيرا، وظلمتها، ولم أدافع عنها، تزوجت، وذهبت إلى بيت زوجها.
أما الأولاد الثلاثة: فقد كنت أحب الكبير، وأفضله على البقية، وكان المصروف المخصص للثلاثة يذهب دائما لجيب الكبير، وأحيانا الثاني يحصل على القليل، أما الثالث أحس بأني ظلمته كثيرا، فقد كان دائما يشتكي من تعرضه للإهانة والضرب من قبل إخوته الكبار، ولم أكن أدافع عنه أبدا، وكان يحاول أن يدافع عن أخته، فكان يضرب - مسكين هذا الولد، فقد تعذب كثيرا في حياته - ولقد ضرب من قبل إخوته حتى وهو كبير ومتخرج من الجامعة، لأنني ركزت على الأول والثاني، ودلعتهم.
وكنت حتى وقت الغداء أوزع الأكل على الإخوة الكبار، وبعد ذلك أفكر أحيانا في الأخ الصغير والأخت الصغيرة، فكانوا لا يحصلون على شيء من الأكل، كما أن أباهم صرف على الأخوين الكبيرين فقط، وأدخلهم في جامعات خاصة، أما الولد الصغير فلم يحصل حتى على مكان يدرس فيه، ولكن - الحمد لله - تخرج من الجامعة، وحضر الماجستير، وحصل على وظيفة ممتازة.
لقد كان الإخوة يجلسون ويتفرجون على الأفلام في الليل، مما كان يسبب له الإزعاج وقت النوم، ومع ذلك كنت أتركهم على راحتهم، ولا أتدخل، وكانوا أيضا يحضرون الأفلام المخصصة للكبار، ويشاهدوها أمام أختهم الصغيرة المسكينة.
سؤالي الآن: هل أنا ظالمة ولم أؤد واجبي كأم؟ وهل أستحق العقوق؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ شهد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فنرحب بك - أختنا الفاضلة - في الموقع، ونسأل الله أن يلهمك الصواب، ونشكر لك هذه الروح الذي دفعتك للسؤال، ونعتقد أنه حصل خطأ نتفق عليه، وأنت على علم به.
ولكن - الحمد الله - الذي مد لك في العمر، وأتاح لك فرصة التوبة والرجوع إلى الله، وتصحيح هذا الخطأ الذي حصل، ونتمنى الآن أن تشعريهم بالعدل، وأن تعوضي ابنتك وولدك عما فقدوه، وأن تكثري لهم من الدعاء، وأن تحمدي لهم نجاحهم، والتجارب المريرة التي مروا بها، وأن تجتهدي لهم في الإحسان لهم، والدعاء لهم، وكذلك في الدعاء لإخوتهم الكبار، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يغفر لك التقصير، فإن الولد وعمله في ميزان أبيه وأمه.
والأم لها المنزلة الرفيعة، فحاولي إذا جاء هذا الصغير أن تستسمحي منه، وأن تعلني حبك له، وأنك حريصة له بالدعاء دائما، وتظهري له الفرح بنجاحه ووظيفته المتميزة، وتعوضيه عن بعض ما فقده، وإذا جاء الأخوة الكبار، فاطلبي منهم أن يحسنوا إلى الأخ، وأن يحسنوا إلى الأخت، وأن يبالغوا في إكرامهم والإحسان إليهم، حتى تعوضوهم ما حصل، وليس من الضروري أن تذكري الصغار بالمعاناة القديمة، فإن ذكروها فاعتذري لهم، وهنئيهم على النجاح الذي حققوه، وبيني لهم أنك تريدين مصلحتهم، وأنك لم تكوني تعرفي مثل هذه الأمور.
والكبار عليهم أيضا أن يحسنوا إلى الأخ والأخت، فإن صلة الرحم ينبغي أن تكون موجودة، وأعتقد أن فرصة العمر كونك موجودة بينهم الآن، فهذا يتيح لك فرصة في إصلاح كثير من الفساد الذي حصل، وفي استدراك الكثير من الخلل والتقصير الذي حصل منك.
وأعتقد أن الأبناء من السهل أن ترضيهم الوالدة بدعائها وبملاطفتها، فإن هذا الدعاء هو المهم، فإن فازوا برضاك، وفازوا بالدعاء الصالح، وفازوا بالتشجيع، فإن ذلك سينسيهم جراحاتهم وآلامهم في الطفولة.
فتداركي نفسك بالتوبة والرجوع إلى الله تبارك وتعالى، والندم على ما حصل، وسؤال الله لهم التوفيق، وشجعيهم على النجاح في الحياة، فإنهم إلى الآن بحاجة إلى تشجيع الوالدة، وإلى دعاء الوالدة، وإلى حب الوالدة، فعوضي لهم ما فقدوه الآن، حتى تغمريهم بالحب والاهتمام، وأكثري لهم من الدعاء، وفي هذه الحالة ستخرجين من حقهم، وأعلني رضاك عنهم في الدنيا والآخرة، حتى يسعدوا بهذا الرضا منك.
وكذلك حاولي أن تلطفي بينهم وبين إخوانهم؛ بأن تطلبي من الكبار أن يحسنوا إلى إخوانهم الصغار، وعليهم أن يعلموا أن هذا لون من البر، فإذا أحسن الكبير بأخيه الصغير؛ فهذا نوع من البر للوالد والوالدة، ونوع من الواجب الشرعي الذي ينبغي أن يقوموا به.
فالشريعة تأمر الكبير بأن يعطف على الصغير، وأن يوقر الصغير الكبير، ويعرف له قدره.
ونحمد الله تبارك وتعالى الذي أعانك على الخير، والذي جعلك تشعرين بهذا الشعور، وأن تدركي الخلل، وتعالجي ما حصل.
ونسأل الله لك التوفيق.