كرهت الحياة لأن أسرتي لا تعينني على الاستقامة.. فماذا أفعل؟

0 727

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة أعاني من تقلبات نفسية حادة، كنت من الغافلات التي تستمع للأغاني, أكلم الرجال في المواقع الاجتماعية, لا ألبس الحجاب, ولا أقرأ القرآن، ولكني أصلي.

الحمد لله الذي هداني للحجاب منذ 5 سنين، والحجاب الشرعي منذ سنة، والنقاب منذ الصيف الماضي، وعاهدت ربي ونفسي على الالتزام، وترك كل ما يغضب الله -ولله الحمد- الذي هداني لذلك وثبتني، ولكن المشكلة أني وجدت نفسي أعارض والدي وأهلي بشدة في طريقة لباسي، وصلاتي، وتصرفاتي، وأقابل منكرات كثيرة تنغص علي حياتي، وتكدر نفسيتي بشكل دائم، فانقطعت شهيتي للأكل، وأصبحت كثيرة البكاء، والتفكير، وأفضل دائما الانطواء على نفسي، ونقص وزني بشكل كبير، فقد كنت ممتلئة نوعا ما، وفي أقل من سنتين أصبحت عظام جسمي ووجنتي بارزة، حتى أن الدورة الشهرية أصبحت تتأخر لأكثر من 5 أيام، كل هذا لأني أرى عائلتي غارقة في المنكرات، فأختي أكبر مني لا تلتزم بالحجاب، وتستمع للأغاني، وتشاهد المسلسلات والقنوات الماجنة، وأخي أصغر مني بسنتين تارك للصلاة قرأت رسائلة في إحدى المواقع الالكترونية صدفة بدون علمه، وكانت صدمتي التي جعلتني أنفر منه دائما، وأكره حتى النظر لوجهه.

رسائلة مع بنات فاجرات واضح فيها بأنه على علاقات محرمة معهن، إلي جانب الكلام البذيء الذي قرأته، وكلما تأخر في العودة إلى المنزل أفكر بأنه كان مع إحداهن.

ثم أبي الذي يستمع دائما إلى قنوات الغناء والطرب، ولا يقرأ القرآن إلا مرة في السنة، وأمي صلاتها ليست صحيحة؛ لأنها أمية، وهي كذلك تتعطر قبل الخروج من المنزل، وتؤمن بالأولياء الصالحين، بقي أخي الصغير عمره 15 سنة الذي يصلي الفجر والمغرب فقط، وربما نسيهم في بعض الأحيان، وقد اتخذ من أخيه قدوة في الاستماع للأغاني، ومشاهدة الأفلام الخليعة والهوس بكرة القدم.

حاولت نصحهم وهذه ردة فعلهم، أختي الكبرى تغضب وترفض الاستماع، أو تستهزئ بي، أبي اتهمني بالمغالاة في الدين، أمي لا تقتنع لأنها لا تفهمني، أخي الصغير يقتنع، ولكن سرعان ما يعود إلى ما كان عليه، أخي الذي يصغرني بسنتين ردة فعله كانت صدمة لي أثرت على حياتي بشكل سلبي، فعندما نصحته بترك الأفلام الخليعة والإباحية غضب؛ لأني عرفت بأمرها وقمت بإتلاف بعضها، فضربني واتهمني بالنفاق وادعاء التدين، ثم أصبح يلفق التهم لي أمام والدتي، ويقول بأني على علاقة بأحدهم، وما أقوم به من نصائح إنما هو أسلوب للتغطية على تصرفاتي، وحاول مرتين قتلي لولا أمي وأختي كانت إحداهما بسكين.

أنا لا أنكر فضلهم علي، وأنا أحبهم أكثر من نفسي مهما كانت ردة فعلهم، فعندما يختلف الموضوع عن الدين نصبح كعائلة رائعة، ولكن حالهم أصبح يبكي الحجر، وأتصور في كل يوم حجم الذنوب التي تنزل على عاتق كل منهم، كلما قرأت آية عن العذاب أتصور أحدهم أو نفسي في النار.

لم أعد أشعر بطعم النوم، ولا يحلو لي شيء، وأصبحت أكلم نفسي كثيرا، وأتصور بأن لي عائلة أخرى أكثر تدينا وقربا لله تشجعني على الطاعات، فمثلا أبقى في غرفتي لساعات ربما لا أخرج إلا لأتوضأ وأصلي، لا أقوم بشيء سوى أن أكلم نفسي متخيلة بذلك بأني أكلم أبي أو أتناقش مع أختي أو أخي أو حتى صديقاتي في حوار أدير دفته كما يحلو لي، وأحس بأني غبت عن الدنيا تماما، لا أشعر بالوقت، ولا بأي شيء آخر إي أن تمر الساعات على هذا الحال.

لا أعرف ما حكم ذلك في الشرع؟ ولكني أشعر براحة كبيرة لذلك، إلى جانب كثرة النوم في النهار حتى لا أرى ولا أسمع منكرا، والاستيقاظ والسهر في الليل عندما ينامون، وفي بعض الأحيان أنام عن الصلاة.

صحيح أني أقرأ وردا يوميا من القرآن، وأحافظ على الأذكار، وأذكر الله كثيرا، ولكن هذه الطريقة فقط هي التي تشعرني بالراحة.

وما يخيفني أكثر هو تكاسلي عن الطاعات كلما رأيت أحدهم يتكاسل عنها، فأصبحت أؤخر صلاة الفجر؛ لأني الوحيدة في المنزل التي تصلي الفجر قبل الشروق، ولا أجد من يوقضني.

في بعض الأحيان تركت قيام الليل؛ لأنه لا أحد منهم يستيقظ للقيام، ولم أرهم في حياتي يصلونه.

تركت صيام النوافل؛ لأنه لا أحد يصوم غير شهر رمضان، تركت الصدقة، وفي بعض الأحيان أنسى قراءة الورد اليومي؛ لأنه لا أحد يذكرني بذلك، ولم أر أحدا منهم يمسك المصحف إلا في شهر رمضان، في حياتي صليت 4 مرات فقط في المسجد، لأنهم يرفضون ذهابي إلى المسجد.

أشعر بأني في طريقي للعودة إلى ما كنت عليه سابقا، وهذا ما أخشاه بسبب كثرة المنكرات التي تحيط بي، حتى أني تركت زيارة أقاربي؛ لأنهم يفرضون علي مصافحة أزواج خالاتي وأبناءهم من الرجال، ويغضبون إذا امتنعت، هذا عدى الجلسات المختلطة.

ماذا أفعل؟ كيف أتصرف معهم؟ وكيف السبيل للراحة النفسية؟ أشعر بأني في دوامة من المنكرات، ولم يعد لي جهد لمواجهتها، وأخشى ما أخشاه أن أستسلم لهم وأصبح منهم وربما أفوقهم في المنكرات، أشعر بأن هذه المنكرات أقوى مني أصبحت تتغلغل بداخلي دون إرادة مني، حتى أني أصبحت أغني بعض الأغاني التي أسمعها في البيت دون أن أشعر، وأفكر في الكلام مع الرجال على الانترنت، وأقول ما المانع في ذلك أو ما المانع في مصافحة أبناء خالتي إلى غير ذلك من الأفكار الشيطانية؟ لا أريد الاستسلام لهذا فما العمل؟

أرجوكم أرشدوني إلى طريق النجاة، فوالله الذي لا إله إلا هو، لقد أصبحت أتمنى أن يعجل الله في المنية، لأني أراها السبيل الوحيد للراحة من كل هذا.

جزاكم الله عنا كل خير، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مسلمة لله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت، وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يثبتك على الحق، وأن يزيدك صلاحا وتقى وهدى واستقامة، وأن يمدك بمدد من لدنه وتأييد من عنده، وأن يربط على قلبك كما ربط على قلب أم موسى عليه السلام.

كما نسأله تبارك وتعالى أن يجنبك الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يعينك على صدق الالتزام بشرعه، وحسن الظن به، وصدق التوكل عليه.

وبخصوص ما ورد برسالتك – ابنتي الكريمة الفاضلة – فالذي أراه أني أتمثل فيك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء) فالحالة التي وردت برسالتك والتي تعيشينها داخل بيتك مع أقرب الناس إليك تمثل صورة واضحة حقيقة للغربة التي بينها رسول الله - صلى الله عليه وسلم – وفي نفس الوقت أيضا كأن هناك شعاع الأمل يبزغ في الأفق البعيد من أن النصر سيكون لك - بإذن الله تعالى – وأنك ستكونين قادرة على قيادة هذه الأسرة إذا أحسنت ترتيب أولوياتك، وإذا أحسنت الظن بربك ومولاك، وقاومت عوامل الإحباط واليأس والقنوط الذي بدأ يتسرب إلى قلبك.

ابنتي الفاضلة (مسلمة): أنت تعلمين أن الله تبارك وتعالى أخبرنا بقوله: {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور} وقوله جل جلاله: {وكان حقا علينا ننج المؤمنين} وقوله تباركت أسماؤه: {وكان حقا علينا نصر المؤمنين} ولقد قال سبحانه وتعالى أيضا: {ولينصرن الله من ينصره} وقال كذلك: {يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}.

فثقي وتأكدي من أن الله جل جلاله لا يتخلى عن أوليائه أبدا، شريطة أن يكون أولياؤه على علاقة حسنة معه، وهذا ما أخبرنا بقوله جل جلاله في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني) وكذلك أيضا قوله جل جلاله فيما ورد في الحديث القدسي: (من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه).

فعليك أن تعلمي أن هذا الوضع الذي أنت فيه إنما هو وضع المفروض أن يفرض عليك التحدي، وأن يفرض عليك الثبات على الدين والاعتزاز به، وأن يفرض عليك عدم الاستسلام، لأنك قد وصفت هذا الواقع المرير بأدق وصف وأنصع عبارة، فأنت تعلمين الخطر الذي يحدق بأهلك، فكونك تقولين أنك تخافين أن تكوني مثلهم، هذا أمر ينبغي أن تصرفيه عن بالك نهائيا.

إن الله اصطفاك من بين هذه الأسرة، واختارك من بينهم لتكوني ولية من أوليائه، فهل معقول بعد هذا الاختيار والاصطفاء وبعد هذا الإكرام والإحسان تقولين أنك سترجعين إلى ما هم عليه؟ أو أنك تخافين أن تصلي إليه، فهذا هاجس ينبغي أن تطارديه بكل قوة، وأن تعلمي أنك على الحق، وأن الله لن يكون لك إلا إذا كنت له.

ولذلك عليك – بارك الله فيك – أن تطاردي الأفكار السلبية التي بدأت تسيطر على نفسك، كلما جاءت هذه الأفكار حاولي التخلص منها بكل ما أوتيت من قوة، وحاولي دائما ألا تسمحي لهذه الأفكار السلبية أن تسيطر على عقلك، كلما بدأت تطل برأسك وتدخل في محيط تفكيرك استعيذي بالله تعالى، واتفلي على يسارك ثلاثا، وغيري الوضع الذي أنت فيه، بمعنى أن تخرجي من الغرفة، أو تشغلي نفسك بشيء آخر، وأن تقاومي، وأن تقولي بصوت عالي: (أنا مؤمنة، محبة لله، ولن أتخلى عن ذلك أبدا).

ينبغي عليك أن ترتبي أولوياتك، إن هذا التفكير الذي يأخذ منك وقتا طويلا، هذا يسمى بالخيال، والخيال منه ما هو صحيح ومنه ما هو مرضي.

أنت تستريحين للخيال؛ لأنك تحققين فيه ما لا تستطيعين أن تحققيه في الواقع، ولكن أرى أن هذا الخيال الذي أنت فيه ينبغي أيضا أن تقللي منه، لأنه يضيع وقتك بغير فائدة، ويضيع عمرك بغير ثمرة.

عليك بالمحافظة على الأذكار بانتظام، والاجتهاد في المحافظة على كل أعمال الدين، ولا تستسلمي، ولا تقولي بأنه (لا يوجد هناك أحد يقوم الليل فأنا لن أقوم) أو تقولي بأنه: (لا يوجد أحد يصوم فأنا لا أصوم) هذا خطأ، لأن الله تبارك وتعالى أمرنا بأن نتأسى بالصالحين والأولياء الكبار، ولم يأمرنا أن نتأسى بأصحاب الغفلة من المساكين أو الجهلة، أو الذين لا يقيمون لله وزنا.

ابنتي مسلمة: أيسرك أن تكوني من أهل النار؟ قطعا ستقولين (لا) أيسرك أن تكوني من أهل الجنة؟ قطعا ستقولين (نعم). إن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: (ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة) فثقي وتأكدي من أن هذا التخاذل الذي بدأ يتسرب إلى نفسك إن وقعت فيه، فلعلك أن تسقطي من عين الله، فلا يبالي الله تعالى بك بعد ذلك؛ لأن الله غني عن العالمين، فلا تنفعه طاعة طائع، ولا تضره معصية عاص.

فحاولي مقاومة هذه الأفكار، واجتهدي في إلزام نفسك بالبرنامج الشرعي، وحافظي على دينك، والتزمي بما أنت عليه، ولا تنظري أبدا وراءك، ولا تنظري لهؤلاء، وإنما عليك بالدعاء لهم أن يهديهم الله وأن يصلحهم، وإياك أن تتراجعي؛ لأنك لو تراجعت فقد فقدت هذا التميز الذي أكرمك الله تبارك وتعالى به، بل لعلك قد تقعين في معاص عظمى، والله تبارك وتعالى لم ولن يحفظك من هذه المعاصي إلا بالدعوة، والدعاء مع البكاء، والتضرع إليه سبحانه، والتزام شرعه، لأن الله يغار على أوليائه من أن يقعوا فيما يغضبه.

فعليك – يا بنيتي – أن تحافظي على مستواك الإيماني، وألا تتخاذلي، ولا تسمحي لهذه الأفكار السلبية أن تؤثر على عقلك أو تصرفاتك، وأبشري بفرج من الله قريب، وأسأل الله لك التثبيت والسداد والهداية والرشاد، إنه جواد كريم.

وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات