السؤال
بداية أحب أن أشكركم على موقعكم الرائع، وعلى اهتمامكم، وردكم على الاستشارات المختلفة، ولم أستطع عرض مشكلتي على أحد، ولذلك أتمنى منكم المساعدة.
أنا فتاة عمري 23 سنة، اقترفت أخطاء كثيرة في حق الخالق، وفي حق نفسي وأهلي، عصيت ربي وارتكبت المعاصي، لكن -الحمد لله- أنا تبت إلى الله، لكن بداخلي خوف مستمر من عدم تقبل الله لتوبتي، ومن الفضيحة في يوم من الأيام، حياتي كلها خوف، ولا أستطع حتى النوم، صرت أصلي وأستغفر الله، وأدعو الله كثيرا، لكن التفكير السيئ لا يذهب من ذهني، كل يوم أقوم في ترقب وخوف من فضيحتي، وعدم ستر الله علي، أعيش حالة سيئة من عذاب الضمير ومن الحزن الدائم.
علما أني مغتربة، وبعيدة عن أمي وأصدقائي، ولكن معي جزء من الأهل، لكني أحس بالغربة بعيدا عن والدتي، ولا أدري ماذا أفعل كي أكون مرتاحة البال، وكيف أتخلص من عذاب الضمير، وهل سيقبل الله توبتي أم لا؟
أنا في حيرة شديدة من أمري، ولا أدري ماذا أفعل؟!
أرجو إن تفيدوني.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نون حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه.
بداية نرحب بك ابنتنا الفاضلة، ونبشرك بأن التواب ما سمى نفسه توابا إلا ليتوب علينا، ولا سمى نفسه رحيما إلا ليرحمنا، ولا سمى نفسه غفورا إلا ليغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، بل إن العظيم الرحيم الغفور يفرح بتوبة عبده حين يتوب إليه – سبحانه وتعالى – ولن يعدم الناس من رب يفرح بتوبة الغافلين.
فتوبي إلى الله تبارك وتعالى وأبشري، واعلمي بأن التوبة تجب ما قبلها، وأن التائبة من الذنب كمن لا ذنب لها، بل إن هذه المعصية التي تورث ذلا وانكسارا قد تكون أفضل من طاعة تورث تكبرا وعجبا وافتخارا، فاحمدي الله تبارك وتعالى الذي بصرك وهداك، واعلمي أن الشيطان هو الذي يحزنك بهذا الكلام، لأن الشيطان حزين لتوبتك، يريدك أن تكوني على المعصية، فهذا العدو يحزن إذا تبنا، ويندم إذا استغفرنا، ويبكي إذا سجدنا لربنا، فعاملي هذا العدو بنقيض قصده، وأقبلي على الله تبارك وتعالى، وجددي التوبة كلما حاول أن يجلب إليك اليأس من رحمة الله، واعلمي أن الله تبارك وتعالى غفار، ليس مجرد يغفر، بل غفار – صيغة مبالغة – قال العظيم في كتابه: {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى}.
ومهما كانت المعاصي التي وقع فيها الإنسان إذا تاب منها فإن الله يتوب عليه، والله تبارك وتعالى يقول في أعظم جريمة: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} حتى المشرك إذا تاب، حتى اليهود والنصارى، قال لهم العظيم: {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} وقال: {أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم} فمن الذي أقبل على الله ولم يقبله الله؟! من الذي تاب إلى الله بصدق ولم يتب عليه؟! ومن أتى العظيم يمشي أتاه هرولة، ومن تقرب إليه شبرا تقرب إليه ذراعا، ومن تقرب إليه ذراعا تقرب العظيم إليه باعا، يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها، {والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما * يريد الله أن يخفف عنكم}، فالله أفرح بتوبة عبده إذا تاب، {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات}، {إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم}.
فتعوذي بالله من الشيطان الذي يريد أن يجلب لك اليأس، وتوبي إلى الله تبارك وتعالى، واستري على نفسك، فإن الله يستر عليك، ومهما كان الخطأ الذي وقعت فيه فإنك لست مطالبة -أولا- بأن تخبري أحدا، ولست مطالبة بالاعتراف لأحد، ولست مطالبة بأن تظهري ما حصل لأحد، يكفي أن تتوبي إلى الله، وتحشري نفسك في زمرة الصالحات، وتشهدي المحاضرات، وتشهدي مجامع الأخوات، وتشاركي في حفظ القرآن والآيات، لأنك بهذه الطريقة ستعمرين وقتك بالخير، وسيعوضك هذا الكتاب وهذه العودة إلى الله عن فقد الأهل أو عن فقد الوالدة، التي نسأل الله أن يرزقك رضاها، فاجتهدي في التواصل معها، ونكرر: استري على نفسك، وتعوذي بالله من الشيطان، وعاملي هذا العدو بنقيض قصده، فإن الله قال: {إن الشيطان لكم عدو} أخبرنا بذلك، ما هو المطلوب يا رب؟ {فاتخذوه عدوا} بأن نعامله بنقيض قصده، فلا تقفي طويلا أمام تلك الذكريات السالبة، وأقبلي على الحياة بأمل جديد وبثقة في الله المجيد، استبدلي السيئات بالحسنات، وأكثري من الحسنات، فـ {إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين}.
نسأل الله لك التوفيق والسداد، ونرحب بك في كل وقت في موقعك، ونحن نتشرف بأن نجيب على أمثالك من فتياتنا والشباب الذين هم أغلى ما تملك هذه الأمة بعد توفيق ربنا وتأييده.