السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أولا: جزاكم الله عنا خير الجزاء، ففد كنتم لي ولغيري دوما عونا على الخير.
ثانيا: حتى لا أطيل عليكم:
عمري 21 سنة، مشكلتي تكمن أني أشعر أني لم أقدم أي شيء ذا قيمة في حياتي، لم أقدم لديني ولا لمجتمعي أي شيء يذكروني به بعد وفاتي، قابلت أشخاصا كثيرين جدا بحياتي، دائما أشعر بجوارهم أني صغيرة جدا، بل أكاد أكون غير موجود بجوارهم, فهم مثقفون جدا على قدر كبير من العلم بقضايا الأمة بكل تفاصيلها, مثلا لديهم علم شرعي, حافظون للقرآن, لغتهم جزلة وقوية، منهم كثير أصغر مني، أشعر عندها باحتقار نفسي، والله حتى أني لا أطيقها أحيانا إلى الآن، لم أعلم فعلا ما هو هدفي الحقيقي أو أني أعلمه جيدا، ولكني لا أعرف كيفية الوصول إليه.
في مجال تخصص دراستي، أنا لا أحبه، ولا أفكر جديا في العمل به بعد التخرج، ولكني دائما أنا على يقين أن الله أدخلني هذا المجال لحكمة ما، هو وحده يعلمها، كيف لي أن أثبت ذاتي؟ كيف لي أن أكون قدوة حسنة لمن حولي يحتذى بها؟
كيف لي أن أقدم قيمة تذكر بعد مماتي فيتذكروني بها؟
كيف لي أن أتوقف عن جلد ذاتي التي أتعبتها معي؟
كيف لي أن أبدأ، وأنا أشعر أن كل من حولي في سباق، وأصبحوا على القمة، وأنا لازلت في الأسفل تشغلني أمور الدنيا؟
من فضلكم أجيبوني، ولا تحيلوني لفتوى أخرى.
جزاكم الله خيرا، وأعتذر عن الإطالة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ شيماء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك في موقعك، وكم يسعدنا اتصالك بنا دائما في أي وقت، وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا أن يبارك فيك وأن يثبتك على الحق، وأن يشرح صدرك إلى الذي هو خير، وأن يوفقك إلى عمل تخدمين به دينك وتعاني به على أمر دنياك، كما نسأله تبارك وتعالى أن يجعلك من المتميزات المتفوقات في مجال دراستك، وأن يمن عليك بصلاح الدين والدنيا معا.
وبخصوص ما ورد برسالتك ابنتي الكريمة الفاضلة شيماء فأولا: أنا في قمة السعادة لشعورك بمدى الخطورة السلبية في حياتك وحياة المسلمين من حولك، وأنا أعتقد أن مجرد هذا الشعور وإحساسك بأن هناك قدرا كبيرا من التقصير من قبلك في خدمة دينك أو تحقيق أهداف كبرى يدل على أنك بدأت تضع قدمك على أول الطريق الصحيح، لأن أول خطوة لحل أي مشكلة إنما هو الإحساس بوجود المشكلة، وها أنت قد من الله تبارك وتعالى عليك وأكرمك بالإحساس فعلا بمعرفة وجود هذا التقصير، وهذا النقص وهذا الضعف، وهذه أول خطوات الخير بإذن الله تعالى.
فأنا أحمد الله تعالى أن شرح صدرك لذلك، وأشعرك فعلا بفداحة ما أنت عليه وضعف ما قمت به لخدمة دينك ودنياك.
النقطة الثانية: يا ابنتي، وهي مجرد الشعور بالتقصير ليس كاف لتغيير الواقع، فكون المريض يشعر ويعلم بأنه مريض، ويعرف خطورة مرضه، ولا يعالج ولا يأخذ مع ذلك بأسباب العلاج، فهذا العلم لا قيمة له إذن ولا وزن، وأنت تعلمين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان من دعائه: ( اللهم أني أسألك علما نافعا، وأعوذ بك من علم لا ينفع)، فحتى تتحول الفكرة التي تزعجك الآن إلى مشروع عمل رائع، لا بد أن تبدئي الخطوة الأولى في عملية التغير، وأن تبدئي -بارك الله فيك- بمشروع من الممكن أن تستمري فيه؛ لأنك لو وضعت أمامك هدفا كبيرا قد يتعذر عليك تنفيذه، وقد تصابين مرة أخرى بالإحباط واليأس، وعدم القدرة على إنجاز شيء، والشعور بالتفاهة والنقص، أما لو وضعت أمامك هدفا معقولا، وأنا لا أقول صغيرا فلا توجد هنالك أهداف صغيرة، وإنما هدف في مستواك، في إمكاناتك وقدراتك ستستطيعين أن تقومي بتنفيذه، وإن كان بسيطا في حد ذاته إلا أنه بداية الخير.
على سبيل المثال ما رأيك الآن في مشروع حفظ القرآن الكريم، ولو بمعدل كل يوم آية أو آيتين أو ثلاث آيات، هذا مشروع سهل وميسور؛ لأنه لن يأخذ منك وقتا طويلا، وفي نفس الوقت لا يحتاج منك إلى أشياء خارجية كل الذي يحتاجه هو إعادة ترتيب أوراقك من جديد في حياتك، بمعنى أن تدخلي في برنامجك اليومي ساعة للقرآن الكريم، أو نصف ساعة للقرآن الكريم يوميا، وأن تحددي لها موعدا، وأن تحافظي على هذا الموعد بكل ما عندك من قوة حتى يصبح لك عادة.
كل يوم تحفظين آيتين، أو ثلاث أو أربع حسب ظروف وإمكاناتك على أن يكون ذلك على يد إنسان متمكن بمعنى أنك لا تبدئي بنفسك ما دمت لا تعرفين أحكام التجويد، أما إذا كنت تعرفين أحكام التجويد، فأرى أن تتوكلي على الله وأن تبدئي أول ما تقرئي رسالتي هذه، وتقولين بإذن الله تعالى أنا عازمة على أن أحفظ كل يوم أربع أو خمس آيات من القرآن الكريم، وتبدئين بذلك.
كما أنصحك حتى يتيسر لك تحقيق هذا الهدف، أن تبدئي بقصار السور، وقصار الآيات أيضا فأنك تجدين سورة مكونة من ثلاثين آية، وهي عبارة عن صفحة واحدة، فلا تبدئي بالسورة الكبيرة حتى أيضا لا تصابي بنوع من الملل، أو الإحباط نتيجة عدم قدرتك على حفظ تلك الآيات، أو هذه السور وإنما ابدئي بالسورة القصيرة خطوة خطوة، ولا تتعجلي حتى لو وجدت لديك فرصة أن تحفظي صفحة من القرآن، فأنا أنصح بعدم ذلك إنما أريد شيئا مرتبا ثابتا دائما؛ لأنك مع استمرار المشروع سوف تأتيك لحظات تجدين بأن هنالك آية واحدة يصعب عليك حفظها.
إذن أبدئي -بارك الله فيك- ببداية سهلة وبداية خطوة خطوة، ولا تشقي على نفسك، وستشعري بأنك بفضل الله تعالى في نهاية الأسبوع أصبح عندك خمسين آية، أو ستين آية جديدة لم تكن محفوظة لديك، وفي نهاية الشهر أصبح عندك مائة وخمسون آيات معناه عندك مجموعة سور، وهذه الطريقة أعتقد أن هذا المشروع من السهل يستطيع أن يرقى بنفسك؛ لأنك ستشعرين أنك بدأت تنجزين شيئا، وفي نفس الوقت تحفظين شيئا من هذا، والله عز وجل يمن عليك، ويمكن بعد ستة أشهر، يصبح عندك مثلا ستة أجزاء من القرآن الكريم.
من الممكن أن تبدئي هذا المشروع مع غيرك أنت بمعنى أن تبدئي أنت بتحفيظ آخر؛ أيضا حتى تنقلي الخير للغير، وبذلك تتركين بصمة في الحياة؛ لأن الله لو من عليك وقمت بتحفيظ أي أخت، مثلا من أخواتك أو والدتك أو صديقة من صديقاتك، وليكن بعض سور القرآن، وتظل هذه معها، ويظل هذا مشروع استثماري رائع بالنسبة لك بعد رحيلك، وبهذه الطريقة سوف تتركين بصمة حتى، وإن كانت متواضعة أفضل من أن لا تتركي شيئا.
كذلك أيضا إذا كان لديك قدر من الوقت أن تحرصي على ممارسة بعض المهارات، كمهارة الدعوة إلى الله، احضري الدروس والمحاضرات، وأن تقرئي بعض الكتب إذا كان عندك فن الدعوة، وحاولي أن تمارسي دعوة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع أخواتك في حدود نطاقك الضيق المحدود؛ لأنك إذا كنت سبب في هداية أخت بمعنى أنها كانت غير محجبة، فتحجبت أو كانت تاركة الصلاة، فصلت، أو كانت لها علاقات مع بعض الشباب الغير منضبط، وأعتقد أنك بذلك سوف تحققين بصمة بهذه المشاريع الأولية.
وسوف تنجحين في تحقيق مشاريع كبرى بإذن الله تعالى، وفق ظروفك وإمكاناتك، ابدئي وتوكلي الله تعالى، وأسأل الله أن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يأخذ بناصيتك إلى الخير على أن لا يكون ذلك على حساب مستواك الدراسي؛ لأنك أن قدر الله، ولم توفقي في دراستك سوف تكرهين كل المشاريع وتعودين إلى نقطة الصفر، وبذلك لن تستفيدي، ولن نستفيد شيئا.
وهذا وبالله التوفيق والسداد.