السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مشكلتي كالآتي: لدي صديقة يتيمة، ومنذ صغرها تعرضت للتحرش الجنسي من قبل زوج أختها، صديقتي هذه تعرفت عليها في الجامعة، وكنت لا أرفض لها طلبا لأنها يتيمة، وكنت أساعدها ماديا، رغم أني ماديا لست أفضل من حالها.
كنت أشاركها همومها، ولا أبخل عليها بشيء ابتغاء وجه الله، ولكنها استغلت هذا كثيرا، وأصبحت طلباتها كثيرة، وتلح بالطلب، إلى أن تحصل على مرادها!
أصبحت أتضايق من هذا، ولكنني أتذكر قول الله تعالى (وأما اليتيم فلا تقهر) وأتحمل، وكانت اتصالاتها تحرجني أمام الأهل، فكانت تتصل في كل وقت وبلا كلل أو ملل! تطور الأمر وأصبحت تستخدم ميزة (كلميني على حسابك).
كنت أسمع توبيخا من الأهل، ونظرات شماتة، ولكن تحملت أيضا، وتطلب مني أن أخرج من الجامعة لأحضر لها أغراضها، ولا تخرج معي رغم أننا صديقات، ومن الواجب عليها أن تذهب معي، ففي النهاية هذه أغراضها وكتبها.
كانت مزاجية الطباع تأتي يوما وهي سعيدة واليوم الآخر غضباء، ولا تطيق لي كلمة، تعبت كثيرا من مزاجيتها واستغلالها، فأنا أحببتها كأخت لي ولم أرد يوما أن أضايقها لأنني أخاف الله تعالى، وقالت لي يوما: إنه لا يوجد أحد عمل معها ما عملت لها، ولكن في يوم من الأيام طلبت مني غرضا ما، وقلت لها: نذهب سويا فرفضت، وأصرت أن أذهب أنا وأحضره لها، وقالت لي: إنني نذلة! وإنها عملت لي خيرا كثيرا، وأنا نذلة! ومن يومها قررت قطع علاقتي بها، لأنني رغم ما أفعله لها فهي ترى أنني لم أقدم أي شيء لها، وأنا والله لا أنتظر شكرا منها، وما فعلته لوجه الله تعالى، فاتصلت عليها وأخبرتها بما في قلبي، وقلت لها بيننا السلام لله فقط، فقالت: من الأفضل أن لا يكون بيننا حتى السلام!
سؤالي: إخواني الأفاضل، هل أنا أخطأت بحقها؟ وهل أعتبر قهرتها؟ لأنني والله قد تحملت منها الكثير، والإنسان طاقة محدودة، وأنا لم أعد أحتمل تصرفاتها أكثر من هذا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ زهور حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه .
بداية نرحب بك ابنتنا في الموقع، ونسأل الله أن يكتب أجرك، وأن يكثر من أمثالك، وهنيئا لهذه الروح التي حملتك على الإحسان إلى تلك الفتاة التي كانت يتيمة، وقمت بالواجب وزيادة، فنسأل الله لك التوفيق والسداد، ونتمنى أيضا الدوام على السلام والكلام معها والعلاقات العادية، لأنك تسعين للأفضل، ونحن نريد دائما أن تكوني الأفضل.
أيضا النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول في المتهاجرين (وخيرهم الذي يبدأ بالسلام) فكوني أنت الأفضل، ولأنك صبرت عليها كثيرا، فلا تتوقفي عن الإحسان إليها، ومعاملتها، ولو بالحد الأدنى من المعاملة، ولا يضرك الكلام الذي ذكرته والذي قالته، وأنت -ولله الحمد- لم تقصري، فلك الأجر والثواب عند الله تعالى- وإذا كان الإنسان يعمل لله فإنه لا يبالي بردود الأفعال، لأنه يبتغي الأجر والثواب من الله تعالى.
هذا في الحقيقة اختبار لك -والحمد لله- يبدو أنك سوف تنجحين بإذن الله في الاختبار، والنجاح في الاختبار هو أن تستمري على المعاملة الحسنة، ولكن دون تنازل عن بعض الثوابت، ينبغي أن تكون هي التي تحمل أغراضها وهي التي تذهب إلى حيث تريد، ولا تقصري في السلام والكلام والنصح لها، ومعاونتها في أي وقت، إذا وجدت أي فرصة لسعادتها.
أما أن تأخذ هذا عادة، وأن تغضب إذا لم تأتي لها بأغراضها وهي في سنك، وتريد أن تتعبي أنت وترتاح هي، فهذا ما لا نرضاه؛ لأن هذا ليس فيه مصلحة، ويؤسفنا جدا أن الأيتام دائما ينالوا جرعات زائدة من الدلال والدلع في مجتمعاتنا، وهذا لا يعود على اليتم بالفائدة، ولا يعود علينا كمجتمع بالفائدة، بل ينبغي أن يتحمل المسئولية، ونعامله كما نعامل إخواننا الصغار (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).
إذن لا تبالي بالكلام الذي قالته، وإذا قالت حتى السلام ما أريده فأنت كوني مصرة على مجرد السلام، واعطيها السلام، واسألي عنها إذا غابت، وتفقدي أحوالها، وإن كان بدرجة أقل مما كنت عليه، ولكن هذا هو المطلب الشرعي، لأننا ما نريد أن تهدمي ما قمت ببنائه، ومن المحافظة عليها والتشجيع والمضي بها إلى الأمام، حتى وصلت إلى هذه الدرجة، وأنت ممن أحسن إلى اليتيم وليس ممن ينطبق عليه أنه قهر اليتيم.
نسأل الله لك التوفيق والسداد.