السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بارك الله فيكم، ونفع بكم.
لا أعلم من أين أبدأ، فمشكلتي هي تراكم سنين عمري كلها، فأختي التي تكبرني بسنتين كانت منذ طفولتي أقرب الناس إلي، حتى أنها كانت أقرب من أمي، وكنت أقضي معها كل وقتي، نلعب سويا، ننام سويا حتى كبرنا على هذا الشيء، فأنا معها أينما ذهبت وحلت، وكنت لا أحتمل فراقها، وكانت كل شيء في حياتي، فكنت أحبها أكثر من نفسي، وأكثر من أي إنسان في هذه الدنيا، وكنت متعلقة بها لدرجة أني مستعدة أن أفعل أي شيء لأجلها - حتى لو كانت معصية - وكانت الآمر الناهي في حياتي، وكنت لا أفعل شيئا حتى آخذ إذنها وتوافق عليه, حتى قبل إخبار والدي، وإن لم أستأذنها فستخاصمني، وبعد الخصام تأتي مذلة الترجي وطلب السماح منها.
أختي كانت تحبني كما وصفت لكم حبي لها تماما، لكنها لم تظهر هذا الحب لي كما أظهرته لها، وكانت تذلني وتعاملني بقسوة، وتغضب مني لأتفه الأشياء، وأركض خلفها لأعتذر حتى لو لم أخطئ، لا تتنازل أبدا، وكبرت وأنا أشعر بالمذلة، وأني مكسورة ومجرد تابعة، لا كلمة لي, ولا رأي لي.
تغير حالي بعد دخولي الجامعة، شعرت أني بدأت أثق بقدراتي التي أظن أنها كانت ميتة، ففي الجامعة كنت شخصية مختلفة تماما عن المنزل، وكنت محل ثقة واستشارة، ويسر الله لي ومن علي بأن الجميع كان يحبني، ووجدت نفسي في ذلك المكان، إلى أن تعرفت إلى رفيقة الدرب.
حياتي مع أختي لم تكن سيئة, لكنها مليئة بالمنكرات - من أغان ومسلسلات ورسوم وأشياء تافهة - وكنت قد تبت عنها عندما دخلت الجامعة, وعندما تخليت عن كل هذه الأشياء يسر الله لي أن وجدت رفيقة دربي، والله إن الله أنعم علي بها، فقد كانت مفتاحا لكثير من الخيرات لي بعد الله، فالتزمنا سويا، وبدأنا في حفظ القرآن سويا، وانتقبنا سويا، والآن نحن نطلب العلم الشرعي سويا بعدما انتهينا من الجامعة.
صديقتي هذه - بعد الله - غيرت حياتي؛ لأننا اجتمعنا على الطاعات, وحب الله, والجنة, والرسول صلى الله عليه وسلم, وأهل الخير والعلماء.
بدأت من هنا مشكلتي الحقيقية مع أختي التي أصبحت تسميني الخائنة والكاذبة؛ لأنها تظن أني تركتها، وأنا لم أتركها, لكني استقللت بذاتي وآرائي وأهدافي، حاولت مرارا وتكرارا أن أسحبها معي إلى هذا الطريق لكنها ترفض، وأختي فظة للغاية، والتعامل معها صعب للغاية، وتقوم بالتجريح دائما والسخرية مني ومن أفكاري، وتغار من صديقتي فوق ما تتصورون، وتقاطعني وتخاصمني لأسباب تافهة للغاية، وتفتعل المشاكل، وتستفزني كثيرا إلى أن انتهى الأمر وطلبت مني أن أتركها لشأنها، والله إني لا أعلم ماذا أفعل، وأستعين باستشارتكم بعد الله.
أختي أتعبتني كثيرا طيلة عمري، فأنا أبلغ 25 عاما، وتخليت عن كثير من مبادئي لأجلها، وفعلت كل ما أستطيع لأرضيها لكن دون فائدة، فهي تريدني أن أكون نسخة طبق الأصل منها، ولا يكون عندي ميول أو طموحات تفصلني عنها، ولا أصدقاء, ولا أي شخص بحياتي سواها، والمصيبة الأكبر أن أختي ليست لها صديقات، فأنا الصديقة الوحيدة في حياتها منذ كنا أطفالا، وأقرب شخص لها، وهي تعاني من الوحدة والقهر والاكتئاب بسببي، وهي غير قادرة أن تتأقلم معي وأنا أسير في طريق طلب العلم الشرعي؛ لأن المبادئ اختلفت، ولوجود صديقتي, بالرغم أنه كان لي صديقات كثر منذ طفولتي، لكن علاقتي بصديقتي هذه أصبحت قوية جدا لأنا نعيش في الطريق إلى الله، والله على ما أقول شهيد.
أعتذر كثيرا للإطالة، لكني أعيش أياما عصيبة، وأسأل الله أن يفرج همي، وهم كل إخوتي المسلمين، فقد فقدت اللذة في الدراسة، وأجلس مع أختي وقتا طويلا لأشعرها أني معها ولم أتركها، وهي تريدني أن أكون كما تحب هي، وألا أخرج عن سيطرتها, وهي تتمنى لي السعادة بطريقتها لا بطريقتي, وأنا أتألم كثيرا من هذا الوضع، فماذا أفعل؟
جزاكم الله خيرا كثيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ إيمان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:
شكرا لك على التواصل معنا والكتابة لموقعنا، والحمد لله على الهداية والاستقامة.
لقد تكلمت بشكل جيد عن تجربة الماضي مع أختك الأكبر، إلا أنها كانت في الماضي، ويفيد أن نتطلع إلى الحاضر والمستقبل, لقد مررت بتجربة صعبة مع أختك، وكنت في الماضي مرتبطة بها جدا، بحيث لا تكادين تستقلين عنها، والآن -ما شاء الله- أنت في المرحلة الجامعية، وأنت في مرحلة الاستقلالية بشخصيتك وحياتك، فلا بأس - بل ربما من المطلوب - أن تختلفي مع أختك، والحرية - كما يقولون - تؤخذ ولا تعطى.
نعم, حاولي التواصل الحسن مع أختك، فالله تعالى يقول في حق الأبوين عندما تختلف الرؤية للأمور - خاصة في الجانب الإيماني والأخلاقي - يقول تعالى: "وصاحبهما في الدنيا معروفا"، فيمكن أن تتحرري من ضغط أختك ومن نظرتها للأمور، إلا أن هذا لا يمنع أن تصاحبيها بالشكل الحسن، وهذه المعاملة الحسنة ستبقي الباب مفتوحا لأختك للالتحاق بك على طريق الهداية والصلاح.
وأنا متأكد أن أختك سيتغير موقفها منك ومن محاولة الضغط عليك والتأثير فيك عندما تراك ملتزمة بالهداية والطريق, ونمط الحياة الذي خططته لنفسك، وستدرك أنك في هذا الموضوع "عنيدة" وأنك غير مستعدة للعودة لنمط الحياة الماضية.
ومن الناحية النفسية - بالرغم أنك ذكرت الكثير من المعاملة السلبية التي تمت من أختك لك - إلا أنه لا شك تربطك بها أيضا لحظات أخرى كثيرة جميلة، خاصة في طفولتكما الأولى، ومن الطبيعي أنك تودين الحفاظ على الصلة بها، ولكن بالشكل الجديد الذي سيعود عليك وعليها بالخير والفلاح.
فاستمري على طريقك، والله موفقك وحافظك.
**************************************
انتهت إجابة الدكتور مأمون مبيض استشاري الطب النفسي.
وتليها إجابة الشيخ الدكتور أحمد الفرجابي مستشار الشؤون الأسرية والتربوية.
**************************************
الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحابته ومن والاه.
نرحب بك -ابنتنا الفاضلة-، ونشكر لك حسن عرض المشكلة، ونهنئك بهذه التوبة والرجوع إلى الله مع هذه الصديقة التي غيرت حياتك للأفضل.
نتمنى أن تصبري على شقيقتك صبرا طويلا, وتجتهدي في سحبها لهذا الوضع الجديد, وأرجو أن لا تيأسي, فإن قلب شقيقتك - وقلب النساء والرجال - بين أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، فأكثري من اللجوء إلى الله تعالى, واعلمي أن للإيمان ثمنا، وللعودة إلى الله تعالى ضريبة، قال تعالى: {الم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين}.
اثبتي على ما أنت عليه من الخير, وتوكلي الله تعالى، واجتهدي في أن تقومي بكل واجباتك تجاه هذه الأخت الشقيقة، فإنه مما يقع به من يدخل في التدين - بكل أسف - أنه يقطع العلاقات مع أهله, ويسيء المعاملة لهم, وإذا كنت جيدة مع أختك قبل الالتزام فينبغي أن تكوني الآن أحسن وأفضل، وإذا كنت مع الأسرة جيدة فينبغي أن تكوني الآن ممتازة معها؛ حتى يحبوا هذا الدين, ويعلموا أنه يغير الأبناء والبنات للأحسن، ونتمنى أن لا تستعجلي في أمر هدايتها، فإن الهداية بيد الله، ولكن عليك أن تثبتي لها حسن المشاعر، وأن تقفي معها إذا احتاجت, وأن تكوني إلى جوارها, وأن تؤازريها وتناصريها، وإذا كنت تفعلين ذلك قبل الالتزام, فإن الالتزام والإسلام يدعوك إلى المزيد من الخدمة, وإدخال السرور والحرص على الوقوف إلى جوارها ومناصرتها.
لا تحاولي ذكر الصديقة أمامها وتذكيرها بمحاسنها؛ حتى لا تثيري غيرتها، فإن هذا معروف بين النساء في مثل هذه الأحوال أنها تغار من الصديقة التي أخذت الأخت الشقيقة، واجتهدي دائما في أن تقدري مشاعرها، فهي تريد لك الخير, ولكن ربما تخطئ الطريق، فأحسني التعامل معها, واجتهدي في النصح لها, ولكن بلطف: باختيار الألفاظ الجميلة, والأوقات المناسبة, فهي المدخل الحسن إلى نفسها، وبأن تذكريها بما فيها من إيجابيات, وتبيني لها أن هذه الإيجابيات التي عندها تحتاج إلى أن تكمل، وتحتاج إلى الالتزام بهذا الدين العظيم، وأظهري لها السعادة والفرح والحضور الذي يجده الإنسان عندما يتمسك بدين الله تعالى, فإن الإنسان لا يجد طعم السعادة الحقة إلا في رحاب الإيمان، فالسعادة هي نفع النفوس المؤمنة بالله، الراضية بقضائه وقدره، المواظبة على شكره وحسن عبادته.
أسأل الله لك التوفيق والسداد, ونبين لك أن وجود الإنسان في جماعة ووجود الإنسان مع الناس له ضريبة, والنجاح ليس في قطع هذا وترك هذا والابتعاد عن هذا, ولكن النجاح في إبقاء المشاعر، فالمؤمنة التي تخالط الناس وتصبر على الأذى خير من التي لا تخالط ولا تصبر.
نسأل الله أن يقر عينك بصلاح وهداية هذه الشقيقة، وأن يلهمك السداد والرشاد, هو ولي ذلك, والقادر عليه.
وبالله التوفيق والسداد.