مشكلتي أني أغار على أمي وهي لا تهتم بي

0 527

السؤال

السلام عليكم

مشكلتي التي أعاني منها منذ الصغر هي غيرتي على أمي، أنا الابنة الكبرى ومنذ صغري متعلقة بأمي ولكن لا أجد منها الاهتمام كسائر الأمهات، أعلم أنها حنونة بطبع قلب الأم ولكنها لا تفصح عن مشاعرها، وبعد أن كبرت كنت أتمنى أن أجلس معها وأتحدث إليها ولكنها كانت منشغلة بصديقاتها ولا تفسح لي المجال، وعندما أتحدث تقول: أنت ثرثارة جدا.

حاولت كسب قلبها بسائر الطرق, أحاول وأضغط على نفسي قدر الإمكان من أجل أن لا تعمل في المنزل وأرضيها. بعد أن سكنا منزلا آخر تعرفت على جارتنا فأصبحت معها ليلا ونهارا سواء على الهاتف أو في المنزل، وجارتنا صغيرة بعمر 27، أرى اهتمام أمي العجيب بها دون أن تهتم بي وأشعر بغيرة شديدة، كيف لها أن تكسب قلب أمي في مدة قصيرة وأنا طوال السنين أحاول ولم أستطع؟ تعبت من التفكير جدا والشيطان بوساوسه استحل عقلي أيضا رغم أني أحاول قدر الإمكان أن لا أفسح له المجال. نفسيتي أصبحت سيئة وأنا بطبعي كتومة جدا.

أرجو وجود حل.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أ.ج حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه.

نرحب بك -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونسأل الله لك التوفيق والسداد، ونشكر لك هذا السؤال الذي يدل على أنك عاقلة وناضجة.

نبشرك بأن الوالدة تحبك جدا وتهتم بك، لكن هذا -بكل أسف- إشكال موجود عند الآباء والأمهات إلا من رحم ربك وقليل ما هم، فإن معظم الآباء والأمهات لا يجيدون إظهار المشاعر، لكن المشاعر موجودة وبلا شك هي كبيرة، لكنهم يفشلون في إظهارها، ويفشلون في إعلانها، ولا تظهر إلا في صورة هدية أو في صورة خدمة أو في صورة مجهود يبذله الوالد –أو الوالدة– من أجل راحة أبنائه. والأبناء في حاجة إلى التعبير المباشر، بحاجة أن يشموا هذا الحب، وأن يذوقوا طعمه، وأن يلمسوه بأيديهم، وأن يسمعوه بأذانهم، وهذا الخلل ليس عندك وحدك في البيت، ولكن معظم البيوت –بكل أسف– فيها هذا.

ليت الأمهات وليت الآباء أدركوا أن حاجة أبنائنا هي الشعور بالحب، إلى سماع الحب، إلى أن يشاهدوا هذا الحب يمشي بين أيديهم، هذه حاجة أساسية، فالشاب (الولد) يحتاج في اليوم أقل شيء أن يسمع (نحبك يا صالح) ثلاث مرات، وبعضهم قال: (ضع أمامها صفرا لتكون ثلاثين مرة) والفتاة تحتاج خمس مرات، وبعضهم قال: (ضع أمامها صفرا لتكون خمسين مرة). أنا أتكلم عن التعبير المباشر، وإظهار المشاعر من الأمور المهمة وهدي النبي -عليه الصلاة والسلام– الذي قال لمعاذ: (والله إني لأحبك، فلا تنس أن تقول دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك).

نتمنى أن يدرك الآباء والأمهات حاجة أبنائهم إلى العواطف المعلنة الواضحة، وهي حاجة لا تقل عن حاجة الأبناء إلى الطعام والشراب، فنتمنى أن تلبى هذه المشاعر.

لكن نطمئن –ابنتنا- إذا كنا على يقين من أن المشاعر موجودة ومن أن الحب موجود، وأن الإشكال فقط في العجز عن التعبير الصحيح الواضح عن هذا الحب، فإن الأمر يهون طالما وجد الحب. والحب موجود ولكنه يظهر –بكل أسف– عندما تمرض الفتاة، عندما ترسب، عندما تأتيها مواقف سالبة، فإنها تجد هذه الأم تتعب وتسهر وتبكي وتتأثر، وهذا دليل على حب عميق لأولادها، لكنها لا تعبر عن هذا.

نرجو أن تعلمي –وأنت ولله الحمد عاقلة– أن عدم نجاح الوالدة في التعبير لا يعني عدم وجود مشاعر الحب، فاقتربي من الوالدة وأحسني إليها، واعلمي أن هذه الصديقة التي دخلت إليها عرفت المفاتيح إلى شخصيتها، فأسمعتها ما تحب وتفادت ما يغضبها، وأيضا لكونها في الخارج داخلة معها، فإن هذا الوجود الجزئي يجعلها دائما لا ترى من جارتها إلا الصفات الجميلة، وتتعامل معها دون تشويش. بخلاف التعامل مع الأبناء، فإن الأم أحيانا تتعامل مع بنتها وتتذكر بالأمس رفضت كلامها وأنها قبل أسبوع خالفت رأيها وأنها قبل يومين خاصمت شقيقها، هذه الأشياء تجعل الصورة مشوشة. ولكن ينبغي أن ندرك أن الحب موجود، وأن هذه المشاعر موجودة، فلا تغتمي ولا تهتمي أكثر من المطلوب في هذه المسألة، لأننا نؤكد للمرة المليون أنها تحبك وأنها تريد لك الخير، وستعرفين هذا في مواقف كثيرة.

نحن نتمنى أن يصل الآباء والأمهات إلى وعي ودرجة يعرفون معها حاجة الأبناء إلى إعلان المشاعر النبيلة تجاههم، وإلى أن يكون العطف على الأبناء، والشفقة عليهم، وإعلان الحب لهم، هذا من وسائل نجاحهم وفلاحهم، بل ينبغي أن يكون هذا الإعلان متساويا ومعتدلا، فلا نفرق بين فاطمة وعائشة، ولا بين صالح وآمنة، وإنما أن نعامل الجميع على أنهم أبناء لنا كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفها.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه، ونبشرك بأنك على خير، وأن الوالدة تحبك، ولا تلتفتي إلى كلامها، فإن هذا نوع من المداعبة لما تقول (ثرثارة) وكذا.

أيضا حاولي أن تتكلمي بالكلام الذي يرضيها، بالكلام الذي يعجبها، حاولي أن تثني عليها وأن تمدحيها، وأن تشكريها على معروفها وإحسانها، وأن تعلني لها عن مشاعرك، حاولي أن تجربي حتى تعتاد الوالدة وإن كانت سلبية في البداية، لكن بالاستمرار يعتاد الناس على هذا الأمر. وهذا من الأهمية بمكان، فعلينا أن نعلن مشاعرنا تجاه من نحب، وإذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم– أمر الإنسان إذا أحب أخاه في الله أن يخبره، فجاء الرجل وأخبره وقال: (إني أحبك في الله)، فقال له الثاني: (أحبك الله الذي أحببتنا فيه). فإعلان المشاعر له أثر كبير، ونحن لا نستفيد من المشاعر المكبوتة المخفية التي لا تظهر إلا إذا مرض الإنسان أو مات الإنسان نظهر حبنا له بدموعنا وعميق تأثرنا، بل ينبغي أن نظهر هذا الاهتمام بأبنائنا وبمن حولنا في سائر أحوالنا، خاصة في محيط الأسرة والمحارم بالنسبة للفتاة، وبعد ذلك إذا تزوجت ينبغي أن تجتهد في أن تظهر مشاعرها النبيلة الواضحة لزوجها – وكذلك الزوج –.

نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات