السؤال
جزاكم الله خيرا - أصحاب الموقع, ومن يجيب عن الاستشارات - وأتمنى أن أجد ما يريح بالي وعقلي.
أنا فتاة في السابعة والعشرين من عمري، وقد تخرجت من الجامعة عام 2009, ولم أجد وظيفة، ولدي أسئلة كثيرة, ولكني الآن أود أن أستشيركم عن استخارة, فقد درست في كلية إنتاج حيواني، وتخرجت منها بدرجة جيد جيدا، ولم أجد عملا في مجالي، ومنذ تخرجي وأمي وكل من يعرفني يقولون لي: واصلي دراساتك العليا، وقد كنت محتارة في اختيار موضوع الماجستير فلم أدرس، وقد استخرت ربي حاليا: هل أدرس الماجستير أم لا؟ ووجدت نفسي أريد الدراسة, لكن المشكلة هي أنني لا أريد أن أواصل في مجال الإنتاج الحيواني, فهو متعب جدا، وقررت أن أغير المجال لدراسة التغذية العلاجية، وبالفعل صليت الاستخارة، وفي اليوم الثاني ذهبت لأسأل عن ماجستير التغذية العلاجية في إحدى الجامعات وقابلتني المسؤولة بجفاء وقالت: إن التسجيل مغلق ولا تعرف متى يبدأ، فأحسست بالإحباط, وبدأت بتفسير استخارتي: أن أترك هذا المجال، ولكني في نفس اليوم ذهبت إلى جامعة للبنات, وسألت وتم استقبالي بطريقة أفضل بكثير, بل تم تشجيعي, ووجدت الرسوم أقل من الجامعة الأخرى التي رفضت استقبالي.
والدراسة في هذه الجامعة تبدأ بعد أربعة أشهر، وكنت أتمنى أن أبدأ الدراسة الآن لشعوري بفراغ شديد بدأت أنحرف معه, وأتوتر, وأفكر في عدم زواجي.
والمشكلة الأخرى أن الماجستير يتطلب ثلاث سنوات، وعندما أتذكر أني تأخرت في دراسة الماجستير أشعر بندم وحزن، وإذا تذكرت تأخر زواجي أبكي وأحس أن الناس تنظر إلي بأنني أدرس لعدم حصولي على زوج، وهذا يؤلمني جدا، علما أن أختي التي تكبرني في العمر لم تتزوج.
لا أريد أن أشتت انتباهكم, وأود التركيز على كيفية فهم الاستخارة والدراسة بعد أربعة أشهر، هل هذا يعني أن أستمر - خاصة أنني في البداية كنت سعيدة – وأنا الآن قلقة؟ وأكثر ما يقلقني أنني أرغب في دراسة هذا المجال بشدة, وأخاف أن تؤثر رغبتي هذه على فهم نتيجة الاستخارة.
آسفة للإطالة، وأتمنى أن تفهموني، وأن أجد النصح لديكم، وأن تستقبلوا استشاراتي القادمة - جزاكم الله خيرا -.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ عبير حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه.
نرحب بك - ابنتنا الفاضلة – ونشكر لك التواصل مع الموقع، ونسأل الله أن يلهمك السداد والرشاد، ونوصيك بمواصلة الدراسة، والاجتهاد في التوجه إلى الله - تبارك وتعالى -، فإن الدراسة ومواصلتها من أهم الأعمال التي ينبغي أن يقوم بها الإنسان، والمجال الذي ملت إليه أيضا فيه فوائد كثيرة وثمار مفيدة - نسأل الله أن ينفع بك بلاده والعباد -.
ما يتعلق بالاستخارة: لا علاقة لما حصل بالاستخارة، ولعل الخير في هذا الذي اختاره الله - تبارك وتعالى - لك، وكون الدراسة تبدأ بعد هذه الأشهر المحدودة، فهذا في عالم الدراسات العليا لا يعد تأخيرا، بل هذا يعد من مظان التوفيق ومظاهر التوفيق من الله - تبارك وتعالى - أن يجد الإنسان الدراسة التي يريدها بعد أشهر معدودة، فاحمدي الله - تبارك وتعالى - على هذه النعمة، واعلمي أن نعم الله مقسمة: فهذه يعطيها عافية, ويحرمها من المال، وهذه يعطيها عافية ومال ويحرمها من الأولاد، وهذه يعطيها شهادة علمية وعافية وأمن وخير ويحرمها أشياء أخرى، والسعيد هو الذي ينظر إلى النعم التي يتقلب فيها، والإنسان عندما يتأمل الدنيا وأهلها يجد كل إنسان يشكو دهره، حتى قال الشاعر: (ليت شعري هذه الدنيا لمن؟) أي أن كل إنسان يشكو غير راض بوضعه، إلا المؤمن فإنه يرضى بقضاء الله وقدره، ويرى سعادته في مواطن الأقدار أو الأكدار.
فاحمدي الله - تبارك وتعالى - على ما أولاك من النعم، وانظري إلى من هو أقل منك في العافية والعلم والفرص والتعليم، ولا تنظري إلى من هم فوقك؛ كي لا تزدري نعمة الله عليك، فإذا نظر الإنسان إلى أهل الأرض فإنه يجد فيهم من حرموا من الشهادات, ومن الزواج, ومن العلم, ومن العافية، فأنت أفضل من هؤلاء جميعا، فاحمدي الله، واعلمي أن الإنسان إذا شكر النعم التي أولاه الله إياها جاءه من الله المزيد، وجاءه من الله الخير الكثير - نسأل الله أن يزيدك من فضله، وأن يزيدك خيرا وتوفيقا -.
وأرجو أن تعلمي أن الإنسان عندما يصلي صلاة الاستخارة – وهي: طلب الدلالة إلى الخير ممن بيده الخير - لا يعني أنه لن تواجهه بعد ذلك صعوبات، ولن يجد عقبات في طريقه، ولكن يعني أنه توجه إلى الله, وفوض أمره إلى الله، وطلب الخير ممن بيده الخير، ولن يندم بعد ذلك على أي نتيجة تحصل؛ لأنه يقول في استخارته: (واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به), وهذه أيضا نعمة كبرى (ثم رضني به), فالإنسان قد ينال الخير ثم لا يرضى به, فيتعب جدا، وقد يفقد الشر ثم لا يرضى بذلك فيتعب جدا؛ ولذلك قال: (ثم رضني به) - نسأل الله أن يقدر لك الخير ثم يرضيك به -.
ونعتقد أن هذا المسعى طيب, وكذا الدراسة، فلا تلتفي لكلام الناس، فإن رضا الناس وكلام الناس غاية لا تدرك, وكلامهم لا ينتهي، والعاقلة تنشد رضوان الله - تبارك وتعالى -، فاستمري على ما أنت عليه من الخير، وواصلي الدراسة، ومن خلال الدراسة ستعرفين فاضلات وصالحات لكل واحدة منهن أخ أو محرم من محارمها يبحث عن الفاضلات صاحبات الطموح العالي - من أمثالك - واعلمي أن لكل أجل كتاب - نسأل الله تبارك وتعالى أن يسهل أمرك، وأن يلهمك السداد والرشاد - وندعوك إلى مواصلة الدراسة، وإلى الرضا بقضاء الله - تبارك وتعالى - وقدره، وإلى تذكر نعم الله عليك، وهي - ولله الحمد - كثيرة، والقيام بشكر هذه النعم، ونوصيك أيضا بالمواظبة على الطاعات، والتوجه إلى رب الأرض والسموات، فإن قلوب العباد بين أصابع الرحمن يقلبها، والخيرات بيده، فسبحان من بيده ملكوت كل شيء, وإليه أمرنا, وعليه توكلنا, وإليه أنبنا, وإليه يرجع الأمر كله.
وندعوك أيضا إلى أن تعيشي بهذه الروح - بثقة في الله العزيز – وأن تستقبلي الحياة بأمل جديد, وبثقة في الله المجيد، وأن تقبلي على تلاوة كتاب الله العزيز الحميد - سبحانه وتعالى -، ونسأل الله أن يقدر لك الخير، وأن يلهمك السداد والرشاد، وأن يسهل أمرك وأمر أخواتك، هو ولي ذلك والقادر عليه.