السؤال
السلام عليكم ورحمة الله.
ابني يبلغ من العمر 7 سنوات، وهو أكبر أولادي ذكي جدا وممتاز في دروسه، ولكنه ضعيف الشخصية وجبان، وأشعر بأنه غير مرتاح نفسيا فهو دائم الارتباك وفي قلق دائما، وهو غير سعيد وعصبي وعابس أغلب الوقت، يكذب كثيرا ولا تعرف له سرا، لا يحدثنا عما يجري معه مطلقا.
يغار من إخوته ويضربهم، ويقول: إنه يريد أن يعذبهم، إذا غضب من إخوته يضربهم مرات عديدة حتى نصرخ فيه ونضربه، ويظل يبكي ويتردد عليهم يريد ضربهم، ويقول: إنه أقوى منهم ولا يخاف منهم، في نومه ينام مقرفصا نفسه، ويغطي نفسه بالكامل ولا يسترخي إلا بعد حين.
هو مدمن رسوم متحركة وكمبيوتر، حتى أنه عزل نفسه عن العالم الخارجي ولا يريد أن يخرج، حتى أني أطفئ التلفاز والكمبيوتر غصبا عنه، وأخرجه من البيت وهو يبكى ويبقى خارجا، ولا يذهب عند أحد، ينظر إلى الأولاد ولا يجرؤ أن يلعب معهم، ويريدني مني أن أناديهم ليلعبوا معه، وإذا لعب معهم يضرب هذا وذاك، ولا يستطيع الاندماج معهم، وسرعان ما يأتيني يبكي ويشتكي.
أرجوكم ساعدوني فلا يوجد أطباء أو كتب أو ما شابه لمساعدتنا، ولا توجد نواد أو منتزهات، كما أن حالتنا المادية لا تسمح لنا بشراء الألعاب التي تساعده وتلهيه، ماذا أفعل؟! فأنا أصرخ عليه كثيرا ويستفزني لأضربه وأشعر أني أقف عاجزة عن مساعدته.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم عمر حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
في العادة فإن الصفة التي تتعبنا في الطفل وهو صغير قد تكون هي نفسها الصفة التي ستكون وراء نجاحه وتفوقه في قابلات الأيام، فإذا نظرنا مثلا إلى صفة عند الطفل وهي ثقته بنفسه، فنحن لا نهدف إلى تحطيم هذه الثقة وإنما تطويعها لمصلحة الطفل ومصلحة من حوله، وهذا الأمر ينطبق على عناد طفلك، فربما عناده هذا يحميه من تأثير أصدقاء السوء إذا ما دعوه لفعل سلوك غير مقبول، وربما هنا أخشى أكثر على الطفل غير العنيد، والذي يسهل التأثير عليه، إيجابيا أو سلبيا.
وربما الكثير من هذا العناد أيضا هو سلوك لجذب انتباهك وانتباه من حوله، فحاولي التعامل معه كمجرد سلوك لجذب الانتباه، ويمكنك توجيه انتباهك إليه عندما يتجاوب معك ومن دون عناد، وفي ذات الوقت حاولي صرف انتباهك عنه عندما يصل عناده لحد لا ترتاحين له.
فماذا نفعل مع الطفل الذي عنده العناد؟
كل طفل صغير في هذا العمر يحتاج إلى حدود واضحة للسلوك، وأن يعرف وبكل وضوح ما هو مسموح، وما هو غير مسموح، ووضوح هذا الأمر، ومن دون أي التباس أو شك أو تردد، لا يعني أبدا ممارسة العنف أو الضرب معه، وإنما أن يقال له وبهدوء ووضوح: أن تكسير الأشياء بهذا الشكل غير مسموح أبدا، وأن يعلم وهو يستمع إليك، ومن خلال نبرة صوتك ونظرة عينيك في عينيه، ومن دون ابتسام، أنك جادة تماما فيما تقولين له.
ويجب أن نتخذ الإجراءات المطلوبة لضمان أن لا تتاح له فرصة "كسر" كلمتنا، فلا تكون مثلا ظروف خروجه عن تعاليمنا متوفرة له بسهولة، أو أن نبتعد عنه ولمدة طويلة، فتراوده نفسه على عصياننا والقيام بما منعناه منه.
وأفضل من المنع عن العمل السلبي الذي يزعجك، هو أن تشجعيه على القيام ببعض الأعمال البديلة عما لا تريدينه أن يفعلها، أي أن نملأ وقته بما هو مفيد ومسل فلا يحتاج للمزيد من الإثارة عن طريق مخالفة كلماتنا والخروج من البيت.
وسأشرح هنا شيئا أساسيا يمكن أن يكون نقطة تحول في طريقة تربيتك لطفلك: إن من أكثر أسباب السلوك المتعب عند الأطفال، وربما كثير مما ذكرته في سؤالك عن سلوك طفلك ينطبق عليه هذا، هو الرغبة في جذب الانتباه لنفسه، ومن المعروف أن الطفل يحتاج لانتباه من حوله كما يحتاج للهواء والطعام والماء، وإذا لم يحصل الطفل هذا الانتباه على سلوكه الحسن، فإنه سيخترع طرقا سلوكية كثيرة لجذب هذا الانتباه، والغالب أن يكون عن طريق السلوكيات السلبية.
ولماذا السلوكيات السلبية؟ ببساطة لأننا، نحن الآباء والأمهات، لا ننتبه للسوك الإيجابي، وكما قال أحدهم: "عندما أحسن العمل، لا أحد ينتبه، وعندما أسيء العمل، لا أحد ينسى".
وقد ذكرت مثلا أن طفلك "يستحيل أن يطيعك في أمر ما" ولا أعتقد هذا بهذا التعميم والإطلاق، فلا بد وأنه سمع كلامك مرة، وعلى قلة هذه المرات فعليك هنا أن تلاحظي هذه المرات القليلة ولو كانت نادرة، وتعززيه عليها، بالرغم من المرات الكثيرة التي لا يطيعك فيها.
وما يمكن أن تفعليه مع طفلك، عدة أمور منها:
1- أن تلاحظي أي سلوك إيجابي يقوم به طفلك، وأن تـشعريه بأنك قد لاحظت هذا السلوك الإيجابي، ومن ثم تشكريه عليه.
2- أن تحاولي تجاهل بعض السلوك السلبي الذي يمكن أن يقوم به طفلك، إلا السلوك الذي يعرض فيه نفسه أو غيره للخطر، فعندها من الواجب عدم تجاهل الأمر، وإنما العمل على تحقيق سلامة الطفل والآخرين مباشرة.
ولا شك أن مما يعينك كثيرا جدا أن تكوني أنت في حالة من الراحة والاسترخاء عن طريق القيام ببعض الهوايات المفيدة: كالرياضة وغيرها، وكما ذكرت في سؤالك "أن تسيطري على نفسك".
كثيرا ما تأتيني الأمهات مثلك ممن تحب أبناءها كثيرا إلا أنها تغضب بسرعة وتعصب عليهم، وقد تضربهم أحيانا إلا أنها سرعان ما تندم وربما تعتذر، إلا أن هذا يتكرر معها مرات ومرات.
أسأل هذه الأم عادة سؤالا واحدا: ما هي هواياتك واهتماماتك؟ فتقول "أنا كل اهتمامي أولادي، أنا متفانية في رعايتهم...".
وهذا يفسر سبب عصبيتها؛ لأنه ليس عندها اهتمام كبير في رعاية نفسها، والتخفيف عما في نفسها بالطرق الصحية والطبيعية، فهي تفرغ ما في نفسها من خلال نوبات العصبية والغضب هذه.
الأفضل أن يكون للأم في اليوم أو الأسبوع عدة ساعات تمارس فيها هواية من الهويات: كتعلم اللغات، أو الرسم، أو الرياضة، أو تعلم الكمبيوتر، أو تصفيف الزهور، المهم أن يكون عملا ما غير أولادها، وعملا ترتاح له وهو لها وليس لغيرها، فهذا مما يخفف عما في نفسها من القلق والمشاعر السلبية، فإذا عادت إلى أطفالها عادت وهي نشيطة مرتاحة مطمئنة، فإن أفضل ما يأخذه الطفل من أمه هو هدوئها واطمئنانها، والأطفال وكما تعلمين من تجربتك يحتاجون للصبر الكثير.
فهيا استرخي واستمتعي بوقت خاص لك، مما ينعكس إيجابيا على ابنك، حفظه الله.