السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا تخرجت من الجامعة –والحمد لله- ودرست دراسة عادية بعيدة عن العلوم الدينية وأريد أن أتعلم الدين الإسلامي، أريد تعلم العلم الشرعي كما يجب، وغرضي هو أن أتعلم الدين لأفيد نفسي -وإن شاء الله- عندما يكون عندي أولاد أستطيع أن أعلمهم، ولكن لا أعلم كيف! بحثت في إمكانية التعلم عن بعد أو التعليم المفتوح في جامعة الأزهر و لكن لم أصل لشيء. أتمنى أن أتعلم عن طريق الأزهر الشريف، ولكني تعلمت تعليما عاما "ثانوية عامة " وليست أزهرية.
هل يمكن أن أتعلم ذاتيا إن لم تتح الفرصة في أن أتعلم عن طريق جامعة مضمونة؟ فأنا أخاف أن أتعلم من أشخاص لا أثق بهم، و أنا لا أثق إلا بالأزهر الشريف. وكيف أبدأ في تعلم العلم الشرعي وأنا لا أعلم أي شيء فيه؟ قرأت في استشارات سابقة عن هذا الموضوع ووجدت كلاما لم أفهمه مثل: المتون والشروح ولم أفهم شيئا.
وما المدة الكافية لتعلم العلم الشرعي؟ هل هي أربع سنوات كما يتعلمونه في الجامعة؟ وهل قراءتي في موقعكم المحترم كافية لتعليمي؟
أرجو أن تفيدوني، وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ منى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يكثر من أمثالك، وأن يعينك على طلب العلم الشرعي، وأن ينفعك به، وأن يجعلك من الداعيات إليه على بصيرة، إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد برسالتك، فأولا: نبارك لك تخرجك من الجامعة، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقك وأن يزيدك رشدا وسدادا، وثانيا: نثني عليك أيضا في رغبتك في تعلم العلوم الشرعية، لأن العلم الشرعي (حقيقة) – ابنتي منى – طلبه فرض عين على كل مسلم ومسلمة، إلا أنه مع الأسف الشديد انكب الناس وعكفوا على علوم الدنيا وتركوا علوم الدين، فلا هم حققوا تميزا في الدنيا، ولا أصبحوا من أولياء الله الصالحين، فكونك قد شرح الله صدرك للرغبة في طلب العلم الشرعي، هذا من علامات محبة الله تبارك وتعالى لك ورضاه عنك، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم– قال: (من يرد الله به خيرا يفقه في الدين)، فهذه من علامات الخيرية التي أكرمك الله تبارك وتعالى بها.
وأما عن طريقة تعلم العلم الشرعي فأنت -كما لا يخفى عليك– أن العلم بالتعلم وأن الحلم بالتحلم، فينبغي على الإنسان أن يسلك أسباب التعلم كما تفعلين أنت الآن، ولا يكفي في العلم الشرعي مجرد مطالعة الكتب أو الدخول إلى المواقع كما ذكرت، وإنما أنصح بضرورة تلقي هذا العلم على يد فئة مختصة أو جماعة متميزة، لأن العلم الشرعي ليس كغيره من العلوم الأخرى، وإنما جانب التربية فيه وجانب الروح والمعنى فيه أهم من ظواهر النصوص، لأن غالب الذين قرؤوا الكتب قراءة مجردة دون الرجوع إلى العلماء كان مصيرهم إلى الابتداع، بل وبعضهم –والعياذ بالله– قد حمل أفكارا شركية، وأصبح خطره عظيما، وجرت هذه الطريقة ويلات على الأمة ما زلنا نعاني من آثارها إلى يومنا هذا.
أما تلقي العلم على يد العلماء والدعاة وطلبة العلم فهذا طريق مأمون -بإذن الله تعالى– خاصة إذا كانت هذه الجامعات جامعات كبيرة، ويعرف عنها أن فيها علماء ودعاة كبارا يشرحون هذه المناهج لطلاب العلم، -ولله الحمد والمنة- لديكم في مصر مؤسسات بديلة عن الأزهر، فإن الأزهر كما تعلمين مدرسة نظامية والدراسة فيه نظامية، ولابد فيها من اتباع قيود معينة من الصعب التخلص منها، أما هناك –على سبيل المثال– جماعة أنصار السنة المحمدية، وكذلك هناك الجمعية الشرعية، هذه جماعات وسط، ولها قبول أكبر من الأزهر بمراحل في مصر وغيرها، وفيها دعاة وعلماء كبار من الأزهر ومن غيره، فيها معاهد تسمى بـ (إعداد الدعاة) وأنا أعتقد أن كل فرع من فروع أنصار السنة والجمعية الشرعية لها معاهد (إعداد دعاة) في كل محافظات مصر، بل أحيانا في المحافظة الواحدة أكثر من معهد، فأنت تستطيعين أن تتواصلي مع هذه الجماعات، وسوف تجدين -بإذن الله تعالى– معاهد (إعداد الدعاة والداعيات) هناك مناهج رائعة جدا، وهناك دكاترة كبار وعلماء من المتخصصين المتميزين على مستوى الساحة الإسلامية، هم الذين يقومون بشرح هذه العلوم، حتى تتأهلي على يد العلماء المتخصصين.
والعلم الشرعي حقيقة ليس له سن معينة وليس له زمن معين، فكما قال الإمام أحمد –عليه رحمة الله تعالى- : (من المحبرة إلى المقبرة) يعني سنظل نطلب العلم حتى نموت، وابن المبارك -رحمه الله- يقول: (لا يزال الرجل عالما ما طلب العلم، فإذا قال إني عالم فقد جهل) فإذن العلم الشرعي لا ولن يتوقف الإنسان عن طلبه حتى يلقى الله تعالى.
ولذلك أقول: ابدئي بهذه المعاهد وسوف تجدين خيرا كثيرا. هذه المؤسسات الدعوية فيها أيضا أنشطة دعوية أخرى، فهناك محاضرات تعقد في داخل مساجد جماعة أنصار السنة على مستوى مصر كاملة، وكذلك الجمعية الشرعية، يتم استقدام عدد من كبار الدعاة والعلماء لإلقاء محاضرات وندوات لتثقيف المسلمين من خلال مساجد هذه الجماعات الطيبة المباركة.
فأنا أرى أن الأمر سهل ميسور -بإذن الله تعالى–، إلا أن هذا لا يمنع من قراءة بعض الكتب البسيطة التي كتبت بأسلوب سهل وميسر من الممكن أن يقرأها الإنسان، وإذا أشكل عليه شيء وضع تحته خطا ثم سأل أهل العلم الذين يسمع عنهم أو يتواصل معهم، وسوف يشرحون له ذلك.
وأيضا عندنا هنا في موقعنا -بفضل الله تعالى– عرض رائع للعلم الشرعي، ومحاور متعددة ومتميزة وكافية –بفضل الله تعالى– لإعطاء المسلم جرعة طيبة وكافية لتصحيح عقيدته وعبادته، إلا أن هذا لا يمنع أو ينفي أن طلب العلم على يد المعلمين والعلماء أفضل بكثير من طلبه بطريقة مباشرة دون وجود هؤلاء العلماء.
فعليك بالدعاء والإلحاح على الله تعالى أن يمن الله عليك بطلب العلم الشرعي، وأن ييسر لك طلب العلم الشرعي، وأن يوفقك لوجود جماعة أو معهد قريب من محل إقامتك تستطيعين أن تنخرطي فيه بلا مشقة، لأن بعض المعاهد قد تكون بعيدة وتحتاج إلى مواصلات وسفر، وهذا أمر قد يكون فيه مشقة، ولكن بعضها قريب، فأسأل الله أن يكون بجواركم معهد من معاهد إعداد الدعاة قريب، تستطيعين من خلاله أن توجدي لنفسك بيئة طيبة، لأنك ستعيشين وسط أخوات صالحات لديهن الرغبة التي لديك، وأنت تعلمين أن وجود الطالبة بين الطالبات يمثل نوعا من الحافز ونوعا من الحرص على الندية والتميز، وبذلك يكون هناك نوع من التفوق -إن شاء الله وبإذن الله تعالى-.
ومن الممكن أيضا الاستعانة ببعض العلماء في ترشيح بعض الكتب أو الكتيبات التي تتناسب مع مستواك، لأنه حتى أصف لك كتبا لابد أن أعرف مستواك، وهذا قد يكون متعذرا من خلال هذه الرسالة، ولكن -إن شاء الله تعالى– لو سألت بعض العلماء المتميزين لديكم في الساحة –خاصة إخواننا في الجمعية الشرعية أو أنصار السنة أو الجماعات السلفية– فسوف تجدين لديهم -إن شاء الله تعالى– التوجيه السليم والجواب الصالح والتوجيه الراشد.
أسأل الله لك التوفيق والسداد، وأسأل الله تبارك وتعالى أن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يوفقك لطاعته ورضاه.
هذا وبالله التوفيق.