السؤال
أنا فتاة أبلغ من العمر 20 سنة، وأدرس بكلية الشريعة, ومن أسرة ملتزمة وبيئة محافظة, وأحمد الله تعالى على هذا الجو الذي أعيش فيه في ظل الفتن الكثيرة, ولكن - يا حضرة المشايخ - قد أكون سريعة التردد على بعض فتن الدنيا.
منذ شهر تقريبا كنت على الفيس بوك، وتحدث معي شاب, وبعد اليوم الثالث علم والدي بالأمر، فحرمني من الجوال والإنترنت, وبعد دوامي في الجامعة طلب مني هذا الشاب رقم والدي، وكنا خلال 3 أيام نتحدث عن بيئاتنا وظروفنا، فأعجب بي لكوني فتاة ملتزمة, وأعطيته رقم الوالد, فاعتذر هذا الشاب من والدي عما بدر منه، وطلب منه السماح, وأبدى له رغبته في الارتباط بي بالحلال، وأنه على استعداد لأي عقاب، وطلب من والدي أن يعامله كابن له، وأنا - يا حضرة المشايخ - يعلم الله أني لا أريد أن أغضب ربي، وأريد أن أرتبط به بالحلال.
هذا الشاب يبلغ من العمر 28 عاما، وهو من أسرة ملتزمة من بلاد الشام، وأنا من مصر, وكلانا من أسرة سلفية, وأعطاني رقم أمه وأخته بسوريا، وتحدثت معهم رغم الحرب هناك، ووجدت منهم الود والترحيب, وقالت لي أمه: أنا لا أبحث عن الجمال والمال, بل عن الدين والأخلاق.
يا حضرة المشايخ، هذا الشاب بدأ بالالتزام, ويريدني لأنني ملتزمة، وأهلي وأهله كذلك, ونحن - يشهد الله - لا نريد إلا الستر والعفاف, وكله فيما يرضي ربنا وأهلنا, وتحدثت مع أبي وهو حائر قليلا، وقال لي: اسألي المشايخ وأهل العلم, وكل ما يقولونه سأنفذه، وسيتبع ما تقولون له؛ لأنه قال: أنا لا أريد إلا تطبيق الشرع، ولا يهمني العادات والتقاليد, فالدين فوق كل شيء, علما أن هذا الشاب مقيم في السعودية، ويعمل براتب جيد، وأنا في قطر، وإذا حصل نصيب سيأتي لخطبتي، وهو على تواصل مع الوالد.
يا حضرة المشايخ: والله إني أريد الستر والعفاف، فالفتن حولي من كل جانب - خصوصا جامعتي - وكل شيء حولي مليء بالفتن، ويشهد الله أني أريد أن أستر نفسي, فبماذا تنصحونني وتنصحون والدي؟
جزاكم الله عني وعن المسلمين كل خير، وأرجو أن تردوا علي في أسرع وقت, فأنا في حيرة لا يعلم بها إلا الله, وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رقية شلبي حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:
الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحابته ومن والاه.
بداية: نرحب بك - ابنتنا الفاضلة - ونرحب بوالدك, ونشكر له هذا التفهم لمشاعر ابنته، وهذا الحرص على الخير.
نريد أن نقول: بما أن هذا الشاب اعتذر وتواصل مع الوالد بهذا الوضوح، وأخبركم عن أهله, وتواصلتم مع أسرته, فهذا يدل على أنه جاد, وعلى أن فيه خيرا، ولم يبق بعد هذا إلا أن نطلب من الشاب أن يأتي لينظر النظرة الشرعية، فإذا حصل بعد النظرة الشرعية الوفاق والرضى والقبول والتفاهم بعد ذلك فنقول: لم ير للمتحابين مثل النكاح, وما حصل من الخطأ في البداية لا يمنع من تصحيح الوضع, ولا يمنع من العودة إلى الطريق الصحيح؛ فلذلك نتمنى أن تتوبي ويتوب من ذلك الموقف الذي حصل، وعلينا الآن أن نعالج هذا الخطأ بأن يكمل هذا المشوار بطريقة صحيحة.
نتمنى أن يتواصل معه الوالد بمزيد من الأسئلة، وأن يتيح له الفرصة ليسأل عنكم، ولتسألوا عنه وتتعرفوا إليه، فالشرع لا يمنع هذه العلاقة، ولعل الله أراد خيرا بهذا؛ لأننا فعلا في زمان الفتن، وفي هذا الزمان لا بد للإنسان أن يحمي فيه نفسه، وأن يحمي فيه فتاته، وأن نحمي شبابنا مما يتعرضون له من مغريات ومخاطر كبيرة, والعبرة الآن بجدية الشاب, والعبرة الآن كذلك بالارتياح الذي يحصل لك وله بعد النظرة الشرعية، والإسلام لا يعرف هذه الحدود بين الدول -والحمد لله- فالفرق بين أهلنا في الشام وأهلنا في مصر ليس كبيرا، كما أن المسافة بين السعودية وقطر ليست كبيرة، والعبرة في حصول هذا التوافق، والحب لا يعرف حدود الجنسيات ولا حدود الدول، ولا ألوان الجوازات، ولا ألوان البطاقات الشخصية؛ لأن الحب هو تلاقي الأرواح، فالأرواح جنود مجندة: ما تعارف منها ائتلف, وما تناكر منها اختلف.
لكننا - كما قلنا - نشترط أن يأتي الشاب - وهي خطوة ثانية - ليقابل أهلك الأحباب, ويتعرف إليهم ويتعرفوا إليه، ويتاح له أن ينظر إليك النظرة الشرعية المباشرة، وليس عن طريق الصورة ولا غيره لأنها لا تعطي الحقيقة, ولا مانع أن يكلمك ويتحاور معك في حضور محرم من محارمك، فإذا استمر الارتياح، واستمر هذا القبول من الطرفين فعند ذلك نقول: لم ير للمتحابين مثل النكاح.
نكرر شكرنا للوالد الذي أحال الأمر لأهل الشرع، ونحن نقول: إن هذا والد يريد لك الخير، وحق لك أن تقبلي رأسه، وأن تكوني نعم النموذج للفتاة المسلمة, وأرجو أن نستغفر جميعا من الأخطاء والتجاوزات والتقصير الذي حصل، ونبشر أنفسنا وأبناءنا والبنات بأن الله غفار، بل هو القائل: {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى}.
فنسأل الله أن يديم عليك النعم، ولو كنت مكان الوالد لتقدمت الخطوة الثانية لأتعرف إلى الشاب, وأطلب منه الحضور، وأسأل عنه ويسأل عنا، وبعد ذلك تتم النظرة الشرعية, والأمر لك وله لأن الشريعة دائما تجعل أمر الزواج للفتاة وللفتى، ودور الآباء والأولياء والآخرين هو دور إرشادي توجيهي, فإذا حصل واكتشفنا أن هناك نقصا في الدين فعند ذلك نتدخل، وأما إذا كان صاحب دين وكانت متدينة, فإن بقية الأمور متروكة للفتاة وللفتى.
أرجو أن يكمل والدك هذا المشوار الذي نشكره عليه، ويتواصل مع الشاب, وإذا كان فيه خير وجاء إلى البيوت من أبوابها، وأرادك على كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم فنسأل الله أن يتم لكم هذا الأمر، وأن يقدر لك وله الخير حيث كان، ثم يرضيكم به.
وبالله التوفيق والسداد.