كيف أتخلص من فقدان الثقة في النفس والعقد النفسية؟

0 443

السؤال

السلام عليكم...

أشكركم على ما تقدمونه لإخوانكم المسلمين.

مشاكلي هي فقدان الثقة في النفس, فلا أثق في نفسي في أبسط الأمور, وقد أثر ذلك على حياتي المهنية لأني طالب, وعندما يسأل الدكتور سؤالا أكون متأكدا من إجابته, ولكني أظل مترددا جدا في الإجابة, وقد أثر ذلك علي, ولا أظهر ما أستطيع فعله وأنا قادر عليه بسبب فقدان الثقة, ويعتبرني الدكتور من الطلاب ضعيفي المستوى.

ويظهر فقدان الثقة جليا في حصص الرياضة, فلا أتفاعل مع زملائي, وأظهر في الملعب مثل الريشة التي تقذفها الرياح في أي اتجاه, ولا أكون عنصرا فاعلا, ولا تأتيني الثقة لركل الكرة, وفي الثانوية لاحظ المرشد فقدان الثقة في النفس, ودعاني إلى مكتبه, وحاول نصحي ومساعدتي, لكن دون فائدة, وحاولت تطبيق العلاج السلوكي, وأشعر أن وسواسا في نفسي يشعرني بأني غير قادر على فعل ذلك, ولن أكون إنسانا ناجحا خصوصا في الجانب الاجتماعي.

وكلما أتحسن تأتي انتكاسة, وأعود كما كنت عليه, فيأتيني الوسواس التشاؤمي السلبي جدا ليحبطني, ويسبب لي الاكتئاب والرهاب والقلق.

أعتقد أن سبب ذلك ما عانيته في صغري من التهميش, والنقد الهادم طوال الوقت من قبل إخوتي بسبب جهلهم, خصوصا في المناسبات الاجتماعية عندما أخطئ بسبب جهلي, فبدلا من أن ينصحوني ويقفوا معي أتلقى هجوما عنيفا منهم, ومن أمثلة ذلك: إنك إنسان غبي, لا تفقه شيئا, ستظل طوال عمرك هكذا, أنت فاشل, من يجلس معك, أنت مجنون, لماذا أنت عائش؟, ونحو ذلك مما أعتقد أنه سبب لي رهابا اجتماعيا, ووساوسا, وقلقا, واكتئابا, وشعرت أني عالة على المجتمع, وترسخ كلامهم في ذهني وعقلي الباطن, بالرغم أني عكس ذلك, وأني إنسان ذو خلق, ولا أستحق هذه الإهانات.

وجعلتني وفاة والدي في سن مبكرة أفشل اجتماعيا بسبب عدم معرفتي بطرق التواصل الصحيح, وما هي الأمور التي تعتبر خطأ, والتي تعتبر صحيحة, وليست لي خبرة في الحياة, وحياتي جميعها عفوية, وأتصرف بحسن نية؛ مما جعلني أقع في مواقف لا أحسد عليها.

وكل تفكيري الآن منصب على المستقبل المجهول, وأتساءل كيف سيكون وضعي إذا استمر الوضع كما هو.

وما عانيته - بفضل الله - لم يؤثر ذلك الأثر الذي تجعل الدنيا تغلق أبوابها في وجهي, ولكني أعاني نفسيا, وأعتبر حالتي بسيطة مقارنة بما وجدته من حالات إخواني في الموقع - عفانا الله وإياهم - ولذلك أطمح في حل لفقدان الثقة التي سببت لي رهابا واكتئابا ووساوسا, والسؤال الأهم: كيف أقي نفسي من "الانتكاسة"؟

الأمر الآخر: عقلي يعمل طوال اليوم, ولا أستطيع إيقافه عن التفكير, وأغلبه تفكير سلبي يعكر مزاجي, ويجعلني في خصام مع أهلي, ولا أطيق التحدث إلى أحد؛ بسبب مشاعر الكره والحزن التي تنتابني, وأصبحت كثير السرحان, وضعيف التركيز, وشارد الذهن, وأشعر بخمول وكسل, وكثرة النوم, فما هي طريقة التعامل والوقاية من الضغوط النفسية والصدمات - الوفاة مثلا -؟ خصوصا للشخصية الحساسة جدا السريعة الغضب.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

فإن الذي يصنع الثقة في النفس هو الإنسان، وهو الذي يبنيها، والذي لاحظته في رسالتك بصورة واضحة جدا أنك استسلمت تماما للأفكار السلبية، ولم تعط نفسك فرصة لأن تقيم نفسك بصورة صحيحة تكتشف بها مصادر القوة.

أيها الفاضل الكريم: أريدك أن تضع السياق القرآني أمام ناظريك، وهو: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} فهذا أمر حاسم جدا, فتدبر، وتفكر، وتأمل، واعرف أن الله تعالى قد استودع فيك الطاقة, والخبرة والمعرفة, والعقل الذي من خلاله تكون ناجحا وفاعلا, وواثقا بنفسك.

ثانيا: المشاعر السلبية تقود صاحبها إلى خيارات سلبية في الحياة، والمشاعر السلبية تأتي كثيرا من مصطلحات متداولة في المجتمع (الاكتئاب – عدم الثقة في النفس – ضعف الشخصية) فهذه مفاهيم موجودة يلتقطها البعض, ويركزون عليها كثيرا, ويبدؤون في إيجاد الأعذار لأنفسهم, وهكذا تبدأ عدم الفعالية.

ثالثا: الخوف من الفشل يؤدي إلى الفشل، والذين فشلوا كانوا قريبين جدا من النجاح، لكنهم لم يستمروا في محاولاتهم.

رابعا: الإنسان كتلة من المشاعر والطاقات والمقدرات، فله إيجابيات وله سلبيات، وهذا ينطبق على جميع البشر، وبعض الناس تتغلب عليهم سلبياتهم - حتى إن لم تكن حقيقة -.

وبعض الناس قد يقدرون إيجابياتهم - حتى إن كانت قليلة - ومن خلال ذلك ينطلقون، وأنا أريدك أن ترتكز على هذا المبدأ، فهذا مبدأ علاجي صحيح جدا.

خامسا نحن نقدر - في علوم النفس والسلوك - التنشئة والتربية والكلام عما مضى, ولا نتجاهلها أبدا، لكن في ذات الوقت الخارطة السلبية التي يبنيها الإنسان من خلال تذكره وتفكره في ماضيه لا تفيده أبدا، فالمفترض أن تنظر إلى الماضي كخبرة وكعبرة، وما مررت به من ظروف فهنالك من مروا بأصعب من ذلك, واستطاعوا أن يقيموا ذواتهم.

سادسا: خطوة عملية يجب أن تتخذها، وهي أن تحدد السلبيات التي تتحدث عنها عن نفسك وشخصيتك، وأن تبحث عن الإيجابيات – وهي كثيرة وموجودة – والإيجابيات سوف تكتشفها إذا كنت منصفا مع نفسك, وقيمتها تقييما صحيحا موضوعيا.

لا تلتفت إلى الأفكار المشوهة التي تستحوذ عليك، فأنت لديك ميزات إيجابية كثيرة جدا: أولها: أنك وجدت في هذه الأمة المحمدية العظيمة, ثانيا: أنت شاب صغير في السن, ثالثا: لديك أسرة, رابعا: حباك الله بعقل عظيم وجسد قوي، وهذا يجب أن تستفيد منه، فابن على هذه الأسس.

سابعا: يجب أن تضع أهدافا في الحياة، وتسعى لهذا الهدف، وتأخذ بالأسباب وتتوكل على الله.

ثامنا: عليك بالصحبة الطيبة النقية التي تتخذ منها القدوة الصالحة، فإن الصاحب ساحب، والمرء على دين خليله, فلينظر أحدكم من يخالل.

تاسعا: عليك ببر الوالدين، فهو يفتح عليك خيرا كثيرا.

عاشرا: التزم بالبرامج اليومية, واجعل الصلوات الخمس ركيزة لك لأن تدير من خلالها وقتك, (ماذا أفعل بعد الصلاة؟ ماذا أفعل قبل الصلاة؟) وهكذا، وتذكر أن الواجبات أكثر من الأوقات.

إحدى عشرة: الرياضة مهمة جدا في حياة الإنسان، فهي تزيل الكسل والتوتر والقلق.

هذا ما أود أن أنصحك به، وهذه هي طريقة التعامل والوقاية من الضغوط النفسية والصدمات – كالوفاة - فالوفيات تحدث في الحياة، وما هو أقسى من الوفيات يحدث في الحياة، والإنسان حباه الله تعالى القدرة على التطبع، والنظر للأمور بواقعية وحكمة وكياسة, وهو الذي يقي الإنسان من الصدمات.

كن معبرا عن ذاتك، ولا تحتقن، وهذا يخلصك من الحساسية، فلا تظلم نفسك أبدا، بل انظر إليها كما هي بإيجابية, ووفها حقها.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا, وبالله التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات