السؤال
السلام عليكم.
أنا طالبة جامعية، ومنذ المرحلة الثانوية كانت لي صديقة مقربة وحدثت بعض المشاكل فيما بيننا وافترقنا، ولكن سرعان ما تصالحنا وعدنا كما كنا في السابق وأفضل. الآن أصبحت لا تسأل ولا تعيرني أي اهتمام، لا أعرف ماذا حصل؟ دائما ما كنت أنا التي كنت أبدي اهتمامي بها ولا أدعها تطلب شيئا إلا ونفذته لها، حتى وإن لم تطلب أوفر لها كل شي. أحب أن أهديها الهدايا في مناسبة أو من دون مناسبة. ولكن الآن انقطعت علاقتنا ببعض ولم تعد تسأل إن كنت بخير أو على قيد الحياة ولا حتى تلقي السلام علي.
تعرفت على زميلة أخرى كانت معي في المرحلة الثانوية، وبالصدفة اكتشفت أن أمي لها معرفة سابقة بأمها وفرحت كثيرا. أحببتها كأخت لي وصديقة مقربة وعبرت لها عن مشاعري تجاهها وهي كذلك، ولكن مع الأيام سرعان ما تلاشت تلك الفرحة فأصبحت لا تعيرني اهتمامها كثيرا، ولا تقول لي عن مشاكلها، وتخفي الكثير، أحس أن علاقتنا أصبحت باهتة جدا، لا أعرف ماذا يحصل؟ أصبحت أفكر كثيرا، وأخاف أن أكون وحيدة بدون أصدقاء. كنت دائما أقول لتلك الصديقتين: أتمنى أن لا نفترق. وكنت أخاف كثيرا وأهتم لهذا الأمر. يأتيني شعور أنه لا يوجد أصدقاء مدى العمر، لا أعرف هل المشكلة مني أم منهم؟
أرجو أن تنصحوني.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ر.ع.ا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه.
نرحب بك -ابنتنا الفاضلة– ونسأل الله أن يلهمك السداد والصواب، وأن يعينك على الخير، ونشكر لك هذا التواصل مع الموقع، ونحن في خدمة أبنائنا والبنات، الذين نسأل الله تبارك وتعالى أن يثبتهم، وأن يجعل الخير الكثير على أيديهم لأهليهم ولبلدانهم ولأوطانهم ولأمتهم، ونكرر ترحيبنا بك.
لا شك أن الصداقة الناجحة هي ما كانت لله وبالله وفي الله وعلى مراد الله وفي رضوان الله. والصديقة الحقة هي التي تآخي في الله، وتقوم هذه العلاقة على البر والتقوى والتعاون على ما يرضي الله. أما الصداقات التي تقوم على الدنيا فإنها قصيرة كعمر الدنيا، قليلة النفع التي في الدنيا، وتتلاشى مع ضياع أو ذهاب تلك المصالح التي كانت تنشدها الصديقة. وعلى كل حال فإن الإنسان بحاجة إلى صديق، ولكن عليك أن تحسني اختيار الصديقات، كما قال عمر –رضي الله عنه– لولده: (واحذر صديقك إلا الأمين، ولا أمين إلا من خاف الله تبارك وتعالى)، فالمؤمنة ينبغي أن تحرص على ألا تصاحب إلا مؤمنة، ولا تأكل طعامها إلا تقية. هذه معاني جميلة لابد أن نحرص عليها.
وليس هناك داعي للانزعاج، فإن صداقات البنات غالبا محدودة، خاصة في هذه الفئة العمرية، فإنها لا تطول، وأيضا ستفرق بينهن الحياة، ولذلك دائما ما تتزوج إحداهما فيحصل اختلال في هذه الصداقة. لذلك نحن نرفض فكرة أن تكون للفتاة صديقة واحدة، إذا كانت تريد مصادقة الصالحات فهن كثر. فعليها دائما أن يكون لها عدد من الصديقات، وأن يكون لها علاقة جيدة بجميع أخواتها، ولا مانع بعد ذلك من أن تصطفي مجموعة تكون أقرب من الأخريات، ولكن نحن لا نريد للفتاة أن تكون لها صديقة واحدة، تحزن إذا غابت، وتبحث عنها، بل نحن نخشى من هذا النوع أن يتحول إلى تعلق.
لذلك نحن نتمنى أن توسعي الدائرة، فتصادقي أولا الوالد والوالدة وإخوانك ومحارمك، ثم تصادقي الصالحات، ثم تبتسمي لجميع المسلمات، ثم تحبي الخير لجميع الناس. الإنسان يوسع هذه الدائرة، ويوسع دائرة العواطف، ثم بعد ذلك من هذه الدائرة الجميلة التي الصداقة فيها تنطلق من الحب في الله تبارك وتعالى، تصطفي وتختار مجموعة من البنات تكون على ثقة أكبر بهن، وتتوقع أيضا أن يبتعدن عنها أحيانا ويقتربن أحيانا، هذا شيء متوقع –كما قلنا– خاصة في علاقات البنات، وخاصة أيضا في هذه الفئة العمرية التي ربما من معالمها أن الصداقات تكون محدودة بفترات معينة.
كذلك أيضا عندما تصادقي أي صديقة فينبغي أن يكون هناك اعتدال في الحب واعتدال في العلاقة، لأن هذه كما ورد عن علي –رضي الله عنه-: (أحبب حبيبك هونا ما، فعسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما، عسى أن يكون حبيبك يوما ما). فالمسألة تحتاج أن توزن بميزان الشرع. وبعد ذلك الإنسان عليه أن يحمل المشاعر النبيلة، ولن يضره إذا قصر الآخر وتركه الآخر، وعليك أن تقوي صلتك بالله تبارك وتعالى وبكتابه، فإن كتاب الله جليس لا يمل، وصاحب لا يغش، والإنسان ينتفع من الإقبال على كتاب الله والإقبال على الطاعة، فعمري قلبك أولا بحب الله، ثم اشغلي نفسك بحب الرسول -صلى الله عليه وسلم– ثم بحب الصالحين والصالحات في تاريخنا كله، ثم حب والديك وحب إخوانك وأخواتك من هؤلاء. الإنسان إذا شغل نفسه وشغل قلبه بهذه المعاني الشرعية التي تبدأ بحب الله تبارك وتعالى فإنه لن يبالي ببعد الآخرين أو بقربهم، طالما كان الذي بينه وبين الله عامر، وبينه وبين الله توحيد وذكر وإخلاص وإقبال على الله.
نسأل الله لك التوفيق والسداد، ونكرر شكرنا على هذا السؤال.