أسئلةٌ مهمةٌ حول الاكتئاب الوجداني ثنائي القطبية.

0 384

السؤال

الدكتور محمد عبد العليم، حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أجدد شكري وامتناني لكم، ولموقع إسلام ويب، لتقديمكم هذه الخدمة التي أنقذت وتنقذ حياة أناس كثيرين، وتأخذهم نحو الأفضل.

لدي عدة أسئلة عامة بخصوص الاضطراب الوجداني ثنائي القطبية.
أنا مصاب به مذ كان عمري 13 عاما، والآن عمري 23 عاما، تستطيع القول بأني والمرض كبرنا سويا، فمررت بكل ما يمكن المرور به من مراحل الاضطراب.

(1) تبلورت لدي قناعة بأن العلاج بشقيه مضادات الاكتئاب ومثبتات المزاج، عديم القيمة وخدعة كبيرة؛ على الأقل بالنسبة لي وللحالات المماثلة، لقد لاحظت بعد 10 سنوات من التعايش مع المرض، بأن هناك مرحلة معينة من الاضطراب - وتحديدا بدايات قطب الاكتئاب- يجب أن تمر كما هي، ويرفض حينها الجسم أية علاجات.

على مدى السنوات الماضية كانت انتكاساتي –وهنا أقصد حدوث قطب الاكتئاب– جميعها تبدأ بنوبات هلع حادة تستمر لأسبوعين أو ثلاثة، ثم يحدث اكتئاب جسيم لا أستطيع معه حتى أن أغسل وجهي صباحا! بعدها بثلاثة أشهر يبدأ الاكتئاب بالاختفاء تدريجيا، وفي مرحلة ما من التحسن، تستطيع الأدوية العمل، هذا ما قصدته بعديمة النفع.

ما يحدث معي هو فشل جميع الأدوية في التغلب على الاكتئاب، ونجاحها فقط حين تكون حالتي في قطب الهوس -أو عهد الهوس- حينها تستطيع الأدوية العمل، وانتشالي من نكسات الاكتئاب العرضية بسرعة، لأن الجسم يميل في تلك الفترة بالأساس لزيادة بعض السيالات العصبية، فتجد الأدوية بيئة خصبة للعمل، بعكس فترة قطب الاكتئاب.

ما وصلت إليه هو أن كل هذه الأدوية تعالج بعض الأعراض الثانوية للاكتئاب تحديدا، وليس العرض الأساسي وهو الاكتئاب بحد ذاته واسوداد المزاج، كل ما كان يفعله مضاد الاكتئاب هو إعطائي بعض الطاقة للتحرك والقيام بالأعمال الضرورية، وكذا مثبتات المزاج، كانت تعطيني سيطرة أكبر على النفس، وفي كلتا الحالتين يبقى الاكتئاب مسيطرا.

(2) إذا ما افترضنا أن الأدوية تقوم بعملها، والشخص مستمر على العلاج مذ سنتين، وحدثت انتكاسة، فكيف سيكون استمراره على العلاج من جديد؟ لو كانت المثبتات مثلا تستطيع السيطرة على المرض لنجحت في اتقاء الانتكاسة، فكيف ستعالجها من جديد؟

(3) إلحاقا بالسؤال الأول، هل هناك مرضى لا يستجيبون للعلاج وآخرون يستجيبون؟ ما هي آلية عمل "أو عدم عمل" علاج معين على تحسين مزاج المريض؟ هذا إن كانت هناك آلية عمل أساسا.

(4) أنا الآن أعيش على أمل -رغم أن الله ابتلاني، وابتلى من هم مثلي- بإصابة في مركز الأمل، آمل أن يتم إيجاد علاج حقيقي لهذا المرض الذي تستحيل به الحياة، نعم تستحيل، ولست أتكلم الآن من منطلق المكتئب، فحالتي تتحسن، لكنك تفضل الاحتراق على أن يلسعك أحدهم بالجمر كل برهة من الزمن!

أسألكم وأجيبوني بصدق، هل هناك أبحاث تشير إلى حلول حقيقية وجديدة للمرض؟ خصوصا أن آلية حدوث المرض، وآلية علاجه، غير مؤكدة، وغير مثبتة.

أعتذر عن الإطالة، لكني أعتقد بأنها أسئلة جوهرية ستفيد كثيرا من المصابين.

تقبلوا احترامي وامتناني، ودمتم سالمين.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سالم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

أشكرك كثيرا على ثقتك في إسلام ويب، وعلى أسئلتك الصريحة والواضحة، والتي بالفعل أراها قيمة علمية كبيرة.

بالنسبة لسؤالك الأول: أقول لك أن هنالك عددا من الناس الذين يعانون من الاكتئاب الوجداني ثنائي القطبية لا يستجيبون للعلاج بصورة جيدة، هذه حقيقة متفق عليها، وأتفق معك تماما أن القطب الهوسي أو الانشراحي يسهل التحكم فيه بعكس القطب الاكتئابي، وهنالك حقيقة أخرى: القطب الهوسي يسبب الأذى للأهل، والقطب الاكتئابي يسبب الأذى لصاحبه، لكن هذا لا يعني أبدا أنه لا داعي لاستعمال الأدوية، لا، الأدوية تمنع التدهور، ولا شك في ذلك، على الأقل هذه حقيقة مثبتة نستطيع أن نعتد بها.

والفئات التي لا تستجيب للعلاج من وجهة نظري هي قليلة نسبيا، وقناعاتي كما ذكرت لك هي أن الدواء يمنع الانتكاسات على الأقل، حتى وإن لم تكن له فعالية علاجية، وحين أقصد أنه يمنع الانتكاسات لا أعني قطعها بالبتة، لكن أعني أنها دون علاج أو دون أدوية ربما تكون أشد.

وحقيقة أخرى، وهي من الخطأ أن نقول أن علاج الاضطراب الوجداني يعتمد فقط على الأدوية، فالعلاج النفسي المعرفي لا يقل فعالية من الأدوية إذا طبق تحت يد شخص محترف ومهني ولديه الصبر والتأني في إيصال العلاج لمريضه، ودراسات كثيرة جدا أشارت إلى أن أفضل أنواع العلاج للاضطراب الوجداني من النوع الاكتئابي -والذي تحدثنا- عنه هو الدواء زائد العلاج المعرفي، ولا شك في ذلك.

سؤالك الثاني: إذا كان الإنسان مستمرا على علاجه وحصلت انتكاسة؟ هنا لا بد أن يكون التدخل مبكرا من قبل الطبيب والمريض، لماذا حدثت هذه الانتكاسة؟ هل نسبة لظروف حياتية معينة؟ لضغوطات نفسية؟ هل لأن العلاج غير مجد؟ هل لأن العلاج ليس متوافقا جينيا مع المريض؟ هل هذه الأدوية تأكل بعضها البعض؟ هناك أسئلة كثيرة يجب أن تتم الإجابة عليها، ونضعها في الاعتبار، وكثيرا ما نعدل هذه الأدوية حين تكون هنالك مؤشرات أولى للانتكاسة، وأعتقد أن هذا هو المهم والضروري جدا، لأن التدخل المبكر هو عامل النجاح الرئيسي في جميع العلاجات.

فإذن، أي انتكاسة تحدث يجب أن يكون هنالك تدخل مبكرا، وللطبيب والمريض الحق في الاتفاق على آلية معينة، وإدخال أدوية أخرى، لا أعني بهدف التجربة، لكن بهدف انتشال الشخص من هذه الانتكاسة، وبعض الأدوية قد تعالج الحالة لكنها لا تمنع الانتكاسة، وبعضها يمنع الانتكاسة مثل (الليثيوم) مثلا، وقد لا يعالج الحالة أصلا إذا كانت الحادة حادة.

سؤالك الثالث: هل هناك مرضى لا يستجيبون للعلاج وآخرون يستجيبون؟ نعم. الاستجابة ليست مطلقة، الاستجابة نسبية، هذه حقيقة، 30% من المرضى استجاباتهم رائعة، و40% من المرضى استجاباتهم متوسطة وجيدة، وحوالي 30% استجاباتهم ضعيفة جدا للعلاج، وأي مريض لا يستجيب يجب أن يتم مراجعة التشخيص، وهل هو يتناول الدواء أم لا؟ هل هنالك ظروف أخرى تساعد في عدم الاستجابة؟ والشيء الآخر والمهم هو ضرورة إدخال العلاج المعرفي الحرفي بصورة صحيحة.

بالنسبة لماذا أن بعض المرضى لا يستجيبون؟ النظرية السائدة: إذا كان المريض يأخذ علاجه، وكان العلاج بجرعة صحيحة، ومنضبطا، وتم إضافة الخيارات –هنالك خيارات، الخيار الأول، والثاني، والثالث، والرابع– (علاج الاضطراب الوجداني ثنائي القطبية ليس علاجا واحدا) إذا استنفذ المريض كل هذا، فهذا يعني أنه يفتقد التوافق الجيني مع الأدوية التي لم يستجيب لها.

سؤالك الرابع: نعم الإنسان يجب أن يعيش على الأمل والرجاء، وأنا أعتقد أن العلم لم يتوقف، وهنالك أبحاث علمية بيولوجية كبيرة جدا لمعرفة حقيقة هذه الحالات، وشركات الأدوية في تنافس مستمر، تريد بالفعل أن تحسن أحوال الناس، وفي ذات الوقت تريد أن تحقق أرباحا هائلة، لأن أي اختراع علمي في هذا المجال سيكون الفعل حدثا مدويا وكبيرا.

يجب أن يعيش الإنسان على الأمل، يجب أن يعيش على الرجاء، حين أنظر خلفي للعشرين أو الثلاثين سنة الماضية، أجد أن تقدما كبيرا ومهولا قد حدث في مجال الصحة النفسية وعلوم السلوك، وبالكثير مما يتعلق بكيمياء الدماغ، وكذلك الأدوية التي تستعمل لعلاج الكثير من الاضطرابات النفسية، خاصة الاضطراب الوجداني ثنائي القطبية، فأنا أرى أن هنالك ضوءا في النفق، بل هو ضوء ساطع إن شاء الله تعالى.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا.

مواد ذات صلة

الاستشارات