السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في البداية: أتقدم إليكم بالتحية والتقدير على كل ما تبذلونه من جهود في هذا الموقع العملاق؛ لخدمة الإسلام والمسلمين.
أطلب منكم التكرم بمساعدتي؛ لإيجاد حل للمشكلة الطويلة التي أمر بها، والتي أرى أنها عددا من المشاكل في مشكلة واحدة، والمتمثلة بالآتي:
أنا شاب أبلغ من العمر 24 سنة، أحافظ على كل الصلوات المفروضة، وحفظت عددا من أجزاء القرآن الكريم، وما زلت أحفظ الأجزاء الباقية، وأعمل في مجال التصميم الإلكتروني والبرمجة.
في بداية هذا العام تم عقد قراني على فتاة تكبرني عمرا بأربع سنين تقريبا، وبالرغم من أن مجتمعنا متشدد في ارتباط الرجل بفتاة تكبره سنا، إلا أنني لا أرى أي مشكلة في ذلك، ولا أعلم لماذا التشدد في هكذا موضوع، وقد اخترت تلك الفتاة من تلقاء نفسي لما أعرفه عنها وعن أهلها من أخلاق وتواضع، حيث إنها أيضا كانت زميلة شقيقتي أثناء الدراسة، ولكن المشكلة ليست هنا، وإنما في أنني منذ عقد القران، صرت أعاني من تدخلات أهلي - وعلى وجه الخصوص والدتي - في شؤوني الخاصة، وبالذات في موضوع الزواج، وهذا ما أدخلني في مشاكل عدة معهم جعلتني أفقد الرغبة في موضوع الزواج، وبالتالي أسعى الآن جاهدا في تأجيل موعد الزفاف إلى أجل غير مسمى، وفي أحيان كثيرة يراودني التفكير بإلغاء الزواج تماما.
فتارة يتدخلون في تحديد المواعيد دون الرجوع إلي كموعد الزفاف مثلا، وهو ما دفعني كثيرا إلى إلغاء مواعيدهم، وجعلتهم يرضخون إلى المواعيد التي أحددها لهم، وتارة يقررون كيف ستكون حياتي مع تلك الفتاة بعد الزواج، وتارة يقررون ماذا ستكون أسماء الأبناء الذين سوف أنجبهم إن شاء الله!
إلا أن أعظم تلك المشاكل: أراها في أن أمي - والتي قدمت الجزء الأكبر من المهر -لديها خصلة يمكن أن نطلق عليها اسم: المنة، أي: التذكير الدائم بأنها هي من أعطى هذا الشيء أو منح ذلك الشيء، رغم أنها تعلم بأن الله - تعالى - قال في محكم التنزيل عن الصدقة التي تعطى للفقراء والمساكين: (قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى) فكيف لو كان الأمر بين الأم وأبناءها؟!
ومن الأشياء تلك التي تذكرني دائما بها: أنها قدمت من مالها الخاص الجزء الأكبر من مهر الفتاة، وأنه يجب أن لا أنسى ذلك أبدا، وفي يوم ما لا بد أن أعيد إليها ما قدمته لي، وأهم شيء: أنه نظير ذلك لا بد أن الفتاة التي سوف أتزوجها يجب أن تساعدها في شؤون المنزل، وكل ذلك على الرغم من أنها تعرف عني أني عزيز النفس، وأكره بشدة تلك الخصلة، وكثيرا ما تقول ذلك أمام كل الناس.
فكل تلك الأمور جعلتني - كما قلت - أشعر بالملل والفتور من أمر الزواج، رغم أني كنت سابقا أهفو إليه بشدة، وأتمنى حدوثه بأسرع وقت، وحتى الفتاة نفسها تتساءل لماذا لا أتكلم معها أو أسأل عنها؟ رغم أننا قد وصلنا إلى مرحلة متقدمة في أمر الزواج، فمن جهة: فأنا لا أريد أن أسمح لأي أحد كائنا من كان أن يتدخل بشؤوني الخاصة، ومن جهة أخرى أخشى أن تشعر الفتاة بأن زواجي منها هو من أجل أن تكون خادمة في منزلنا، وهو ما يتعارض أصلا مع رؤيتي لموضوع الزواج، وأيضا أخاف أنه إن تم الزواج أن لا أهتم بالفتاة وأعاملها كأنها ليست موجودة أصلا؛ نظرا لأن عوامل إتمام الزواج لم تكن مهيأة بشكل جيد وحسن، وكذلك الأمر الأهم هو: أني أخشى أن يحدث معي كما حدث مع شقيقي الأكبر الذي كانت له تجربة زواج فاشلة، انتهت بالانفصال بعد أن عانى أيضا من التدخلات التي أقامت مشاكل كثيرة بين زوجته والأهل، وكذلك تذكير أمي لأخي بفضلها وجهدها المتواصل في إتمام زواجه.
ختاما: أتمنى منكم مساعدتي في إيجاد حل لهذه المشاكل، وتقديم الرأي والنصح لي حول موضوع الزواج؛ لأني - في الحقيقة - أصبحت أشعر بالانزعاج، والهم، وصرت أعاني من شرود الذهن؛ بسبب التفكير المتواصل بكل ذلك؛ لأن أمي كل ما رأتني تتكلم في موضوع الزواج، وهذا ما جعلني منعزلا عن الأسرة، وجعل الوحدة مفضلة لدي، وأحيانا أتمنى: لو أني أعيش في مكان بعيد عن منزلنا، والأهم من ذلك هو: أن تلك المشاكل أدت إلى تدني إنتاجي على مستوى العمل، رغم أن عملي يتطلب مني التركيز والانتباه والإبداع، وعدم وجود ما يؤثر عليه سلبا؛ ولذلك صرت أخشى أن يتسبب ذلك في ظهور مشاكل وخلافات مع جهة العمل.
أشكركم مجددا، وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ammar حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك - ابننا الكريم - ونشكر لك الثناء على الموقع، ونقول هذا واجب علينا، ونسأل الله أن يعينا على خدمة الشباب والفضلاء من أمثالك الذين هم أمل الأمة، ونسأل الله - تبارك وتعالى - أن يتسع صدرك لمعاملة الوالدة، فإن كبار السن عندهم مثل هذه الصفات، وأرجو أن تحرص على الثناء عليها وشكرها حتى لا تضطر إلى أن تمن عليكم أو تذكركم بواجباتها وبما قامت به.
وفي كل الأحوال نتمنى أن تكون الزوجة عاقلة تتفهم مثل هذه الأمور، فهذه الأمور قد تحدث في بيتي أو بيت جدتي أو بيت والدتي، المهم: أن تأخذ الأمور حجمها المناسب، وألا نعطيها أكبر من حجمها، وأن نركز على إيجابيات هذه الوالدة، ولا بد للزوجة أن تكون عاقلة، وما شاء الله أنت اخترت فتاة كبيرة نتوقع منها العقل والنضج، ومثل هذا الكلام نحتاج أن نفوت مثل هذه الأمور الصغيرة، وإلا فيصعب على الإنسان – رجلا كان أو امرأة – أن يجد شريكا ليس فيه عيب ولا في أمه ولا في أخيه ولا في أخته.
ولذلك أرجو أن تدخل حياتك الزوجية بهذا المعنى الواسع، ونريد أن نقول: الرجل الناضج ينجح في إدارة بيته، وفي الإصلاح بين زوجته وأهله، ويجعل زوجته تحترم أهله، وهو يحترم الزوجة ويقدرها، ويقدر لها صبرها على الأهل - خاصة الوالدة - وهي كبيرة السن.
فينبغي للزوجة من أول يوم أن توقن أن والدتك هي أم لها، وتعاملها على هذا الأساس، وإذا كانت تحتمل من والدتها، فعليها أن تحتمل من والدة زوجها، وهذا معنى مهم جدا، ونتمنى في هذه الزوجة أن تكون بهذا العقل وهذا النضج، ونتمنى منك ألا تتأسى وألا تعاند الأسرة، وأرجو أن تفهم أيضا أن تحديد الزواج أو التدخل في أسماء الأبناء هذا دليل على حبهم واحتفائهم واهتمامهم بك، وهذا كله في عالم الغيب، أنت لماذا تغضب الآن؟ أنت لم تتزوج ليتدخلوا في أسماء الأبناء، وإن اقترحوا بعض الأسماء، عليك أن تظهر الفرح وتقول: (إن شاء الله تعالى سيصير خاطركم إلا طيبا، ونسأل الله أن يسهل الأمر، وأنا حريص على إرضائكم) وعندما يأتي ذلك الوقت سيكون هناك عدد من الخيارات، فأنت لماذا تضغط على نفسك بهذه الطريقة؟!
واعلم أن هؤلاء – يعني هذه الوالدة – دافعها الحرص، وكل والدة لأي إنسان يكون فيها بعض الإشكالات، ولكن ينبغي أن تفهم هذه المشكلة، وتسليط الضوء على الإيجابيات، وعدم التأثر بما يحدث، واعتبار هؤلاء كبارا في السن، والنزول إلى مستوى فهمهم وكلامهم، وهذا كله من الأمور التي ينبغي للشباب المتعلم من أمثالك ومن أمثال زوجتك أن يكونوا ناضجين في التعامل مع مثل هذه الأشياء، وكبار السن طبعا نحن ننظر إلى قصدهم، وليس إلى كلامهم، وليس إلى عملهم، فقصدهم جميل، ونيتهم طيبة، وهم يحبون الأبناء والبنات، ولكن أحيانا يخطؤون الطريق، أحيانا يتصرفون تصرفات ما ينبغي أن نظهر الضيق منها، ولكن ينبغي أن نتفهمها، ونعطيها حجمها.
فنحن نقول: إذا طلبت الوالدة أمرا غير معقول، فالإنسان يقول (يا والدتي إن شاء الله يصير خاطرك طيب) ثم يفعل ما يرضي الله، ثم يفعل الأشياء التي في المستطاع والتي ترضي الله - تبارك وتعالى - أما أن يجادل الوالدة (أنت لا تعرفين، وأنت كبرت، وأنت كذا) فهذا الذي لا ينبغي أن نسير فيه؛ لأنه يفتح عليك أبواب العقوق بكل أسف.
فالإنسان لو أن الوالدة وقفت في منتصف النهار وقالت: (هذه ليست شمس) فلماذا نجادلها، ولماذا لا نكتفي بالابتسامة ونقول (ربما) أو نمضي، يعني لماذا أنت تقف مع كل صغيرة وكبيرة تريد أن تجادلهم فيها، وتريد كذا، وإذا قالت الوالدة (أنا الذي خطبت له وأنا الذي دفعت) ما العيب في هذا؟! هي والدتك، وليست في هذا انتقاص لك، أن يدفع لي الوالد أو تدفع لي الوالدة، لكن أقول: (جزاك الله خيرا، أحسنت، وربيت، وما قصرت، ومعروفك واصل) حتى الزوجة ينبغي أن تقول هذا الكلام، يعني لماذا نحن نتضايق من هذه الأمور التي ربما تكون متأصلة عند الوالد أو الوالدة.
إذن: أنا أريد أن تعطي الأمور حجمها، ولا تؤجل الزواج، بل أرى أن تنصاع للتاريخ الذي اختاروه، وتظهر الفرح؛ لأن هذا نوع من المشاركة، ولا تقف في الأمور الصغيرة معهم؛ لأنها قد تعطل عليك أشياء كبيرة، وقد تدخلك في دائرة صعبة تضطرك إلى أن تعاند، وقد يكون في هذا شيء من العقوق.
أنا أريدك في الأمور العادية أن تمضيها، فماذا يضرك لو أخروا الزواج أو قدموه؟ أو اختاروا تاريخا لزواجك؟ لأن هذه ليست مناسبة لك وحدك، يريدون أن يفرحوا معك، أن يشاركوك الفرحة، فينبغي أن تأخذ الأمور حجمها، ونتمنى أن تتواصل معنا لنقف على التفاصيل، ولا تجعل هذا سببا للتوقف في إتمام هذا المشروع، ونسأل الله أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه.