السؤال
السلام عليكم
أبلغ من العمر 24 سنة, متزوجة ولي طفل واحد, وضعته قبل سبعة أشهر.
وضعي صعب, أعاني من الوسواس القهري بالعقيدة, وتأتيني أفكار عن رب العالمين لا أحب التحدث بها, وعندما تأتيني هذه الأفكار أصاب بالاحباط والقلق, وأرى حياتي تتوقف أمامي, وأبدا بالانعزال والبكاء.
كانت حالتي أسوأ في السنوات الماضية؛ لأني أعاني منذ سبع سنوات من هذه الحالة, وبدأت أصاب بالخفقان والتعرق والقالون وضيق النفس, ولكن كنت أقرأ في موقعكم عن أناس مثلي.
بدأت أقول بأن هذا المرض لا يحاسب الله عليه عباده, فأطمئن, لكن أحيانا تتمكن مني وساوسي فأصاب بالقلق السريع, مع العلم أني تعالجت عند طبيب نفسي بحبوب انفرانيل لمدة أربعة أشهر وتحسنت عليها ثم تركتها.
ألجأ دائما للقرآن, وأقنع نفسي بأنها وساوس, لكن أكره أن تبقى ببالي مثل هذه الأشياء, وأحب أن تطمئنوني لأستمر بالتفاؤل بأني سأشفى منها إن شاء الله؛ لأني أحب ابني وزوجي, واريد أن اكون طبيعية معهم, وأعتني بهم.
وفقكم الله أجيبوني بأسرع وقت.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ الفقيرة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فنسأل الله تعالى أن يغنيك من خيري الدنيا والآخرة.
الوساوس القهرية هي نوع من القلق النفسي، وأتفق معك أنها مزعجة جدا خاصة حينما تكون في أمور الدين, والوساوس معروفة في التاريخ الإنساني، واشتكى أحد الصحابة للرسول -صلى الله عليه وسلم- من هذه الوساوس، قال الصحابي: (لزوال السموات والأرض أحب إلي من أن أتكلم به) كان هذا من الواضح وسواسا قهريا مستحوذا وملحا، يأتي بأفكار شنيعة مثل التي تأتيك، أجابه الرسول -صلى الله عليه وسلم- مطمئنا: (أوجدتموه؟ ذاك صريح الإيمان).
الوساوس يجب أن يدافعها الإنسان ويقتنع بسخفها، ويعرف أن الدخول في تفاصيلها أو محاولة إخضاعها للمنطق أو تشريحها أو تحليلها، هذا يزيد من حدتها ومن شدتها، لذا ورد في الحديث المشهور فيما معناه: (يأتي الشيطان لأحدكم فيقول: من خلق هذا ومن خلق هذا، ومن خلق هذا، حتى يقول: من خلق ربك, فإذا وجد ذلك أحدكم فليقل آمنت بالله، ثم لينته) أو كما قال -صلى الله عليه وسلم-.
إذن الوساوس يجب أن يتم التعامل معها من خلال تحقيرها وتسخيفها والإغلاق عليها وعدم مناقشتها، وصرف الانتباه عنها (مهم) وهذا يكون من خلال استبدال الفكرة الوسواسية بفكرة أخرى، وأن يشغل الإنسان نفسه من خلال حسن إدارة وقته.
الأمر الآخر –وهو مهم جدا– وهو تناول الدواء, والحمد لله تعالى اتضح الآن وبما لا يدع مجالا للشك أن تغيرا في كيمياء الدماغ يحدث وهو الذي يؤدي إلى استمرارية هذه الوساوس، وبعد أن ظهرت الأدوية الحديثة أصبحت نسبة نجاح علاج الوساوس ثمانين بالمائة، حيث كانت قبل ذلك –أي قبل ظهور الأدوية– عشرين بالمائة فقط، وحين نتحدث عن ثمانين بالمائة نسبة نجاح، هذا نجاح عالي جدا بكل المقاييس الطبية.
عقار أنفرانيل الذي تناولته هو من الأدوية الجيدة والممتازة، لكن ربما يكون له بعض الآثار الجانبية، هنالك أدوية قد تكون أفضل منه وأسهل منه، ومنها عقار (فلوكستين) والذي يعرف تجاريا باسم (بروزاك) وهو متوفر في جميع الدول، دواء بسيط جدا، جرعته هي كبسولة واحدة يوميا، يتم تناولها بعد الأكل لمدة أسبوعين، بعد ذلك تجعليها كبسولتين في اليوم، وهذه الجرعة يجب أن تستمري عليها لمدة ستة أشهر.
جرعة الكبسولتين هي الجرعة العلاجية المعقولة للوساوس القهرية، بعد ذلك يجب أن تنتقلي إلى الجرعة الوقائية، وهي أن تتناولي الدواء بجرعة كبسولة واحدة في اليوم لمدة ستة أشهر أخرى، ثم تجعليها كبسولة يوما بعد يوم لمدة شهر، ثم تتوقفي عن تناول الدواء.
هذه المدة العلاجية ليست طويلة أبدا، والأبحاث تشير أن الوساوس يجب أن يتم التعامل معها من خلال المنهجية التي ذكرناها، وأنا على قناعة تامة أنك بتناولك للأدوية ومقاومة هذه الوساوس سلوكيا من خلال ما ذكرناه سوف تعيشين حياة طيبة وسعيدة -إن شاء الله تعالى- مع ابنك وزوجك.
هنالك ملاحظة: إن كنت لا زلت ترضعين الطفل، فاستعمال الدواء قد يكون غير مفضل، ويمكن أن تؤجلي استعمال الدواء قليلا حتى يبلغ الطفل تسعة أشهر من العمر، حيث إن كبد الطفل الصغير بعد هذا العمر يتحمل استقلاب ما يفرز من دواء في الحليب.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وأسأل الله لك التوفيق والسداد.