السؤال
السلام عليكم
ابني يبلغ من العمر 5 سنوات، وأخوه يبلغ سنة وثلاثة أشهر، هذا الفصل الدراسي لا يرغب في الذهاب إلى المدرسة نهائيا، ويذهب كل يوم باكيا بالرغم من أنه لم يكن كذلك في الفصل الدراسي الأول، فقد تغيرت المعلمة -بريطانية- وتحاول أن تكون جادة معهم ليعتمدوا على أنفسهم، وأصبح عصبيا جدا ويبكي كثيرا، ويتبول ليلا ونهارا ويتبرز نهارا، وشهيته للأكل قلت جدا، وهو لم يكن كذلك، وعندما تكلمت معه كان يرد علي كل مرة بإجابة مختلفة، فمرة يقول: كلنا لا نحب المعلمة. لماذا؟ لأنها تعاقبنا، ومرة: لأنها تعمل طوال الوقت وأنا أريد أن ألعب، وأخيرا قال: أنا أريد أن أبقى معك، عندها قلت له: أنا أحبك وأنتظرك حتى تأتي، وسألته: هل تريد أن تكون مثل أبيك؟ قال: نعم، قلت: إذن يجب أن تتعلم، ومرة أخرى قال: ما رأيك أن تعملي عندي بالمدرسة؟ قلت: هذه فكرة جميلة لكن أخوك صغير، جاء بعد يومين يقول: هناك فصل للأطفال الصغار يمكن أن تتركي فيه أخي فهم ينامون هناك.
الآن لا أدري هل المشكلة عندي أم ماذا؟ أرجو الإفادة، لأنه يحزنني كثيرا، أشعر أني لم أجعله يعتمد على نفسه بالقدر الكافي، هذه الفترة لا أركز في ذلك؛ لأني أرى أنه يشعر بغيرة شديدة من أخيه الصغير، فهو يضربه كثيرا ويقلده، علما أننا تركناه وهو بعمر سنتين ونصف أنا ووالده لأداء فريضة الحج لمدة 16 يوما، ومن بعدها أصبح ملتصق بنا جدا وهادئ جدا، وأخذ فترة حتى عاد لطبيعته.
آسفة للإطالة عليكم، وأشكركم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نهى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
ما يحدث لابنك وتعلقه بك هو صورة مثالية جدا نشاهدها كثيرا لدى الأبناء الذين ينتمون إلى أسر جيدة ومستقرة، ولكن تحدث بعض الإشكاليات التربوية لسبب ما، يكون الطفل متعلقا بالبيت وبأمانه، ولا يريد أن يفارق الأم، ومثل هؤلاء الأطفال ليس لديهم مشكلة مع المدرسة، ولا يكره المدرسة كراهية جادة أو كراهية مؤصلة، إنما تدور في ذهنه المقارنة ما بين الذهاب إلى المدرسة والبقاء في البيت، فيحس بأمان البيت أكثر من المدرسة.
إذن الإشكالية الأساسية هي إشكالية تعلق وخوف الطفل من الفراق، وبالنسبة لموضوع غيرته من أخيه الأصغر هي ظاهرة منطقية حقيقة، حيث إنه -أي ابنك الأكبر- في مخيلته أن أخيه الأصغر هو الذي شغلك عنه وجعلك لا تستطيعين الذهاب معه إلى المدرسة، فأصبح هذا الابن الصغير يشكل عائقا وحاجزا بينك وبين ابنك الأكبر حسب ما يعتقد -حفظهما الله-.
أعتقد أن الأمر يمكن احتواؤه، هذه التصرفات من ابنك لابد أنها قد اكتسبت خلال مدة ليست بالقصيرة، يعني أن الاكتساب لهذا السلوك هو تدرجي، وفقده -إن شاء الله- أيضا سوف يكون تدرجيا.
أولا: حاولي أن تتجاهلي طفلك وتصبري عليه بقدر المستطاع، إذا كان هذا ممكنا، بل لابد أن يكون ممكنا.
ثانيا: انتهجي معه أسلوب التحفيز، وطريقة النجوم طريقة فاعلة جدا، وتعرفها الأمهات تماما، فأرجو أن تطبقيها معه بدقة وبحذافيرها.
ثالثا -وهي أيضا مهمة-: أعطي لابنك بعض المهام خاصة المهام الخاصة به، دعيه يتعلم كيف يرتب ملابسه داخل خزانة الملابس، أن يرتب فراشه في الصباح مثلا، أرجو ألا تعتقدي بأن هذه الأمور فوق طاقة الطفل، أبدا، هي أمور في متناوله وفي طيف مقدراته، وهي ذات فائدة تربوية كبيرة.
بالنسبة لموضوع أن الطفل أصبح يتبرز نهارا، فأعتقد أنك تقصدين أنه يتبرز لا إراديا، هذا دليل قاطع على عدم استقراره النفسي، فأرجو أن تبحثي دائما عن الطرق التي تطمئنه، ولا تنتقديه حول هذه النقطة، لكن دربيه أن يذهب إلى الحمام حتى وإن لم تكن له حاجة، دعيه مثلا يذهب كل ست ساعات، هذا يعوده ويدربه، -وإن شاء الله تعالى- تلقائيا تتوقف عملية التبرز اللاإرادي.
من المهم جدا أن تلاعبي طفلك وحاولي أن تنزلي إلى مستواه العمري، فالأم خير من يلاعب ابنها، ويا حبذا لو شارك والده أيضا في هذا الموضوع، الألعاب ذات القيمة التربوية مهمة وجيدة ومفيدة جدا للأطفال، أريدك أن تلاعبي طفلك في أوقات الفراغ، مثلا حاولي أن تستفيدي من الألعاب ذات القيمة التعليمية، أعطيه أمثلة ونماذج حول كيف أن الطفل يذهب إلى المدرسة، ثم بعد ذلك يحضر ليضع حقيبته في غرفته ويرتب سريره وشيء من هذا القبيل.
بقي أن أقول لك: يجب أن تتأكدي أيضا أن صبرك لم ينفد، فكثير من الأمهات ونسبة لعدم تحملهن لأبنائهن، بسبب عسر المزاج الذي قد يحدث في بعض الأحيان تجدين أنهن يساهمن في مشكلة أبنائهن دون أن يشعرن بذلك، فكوني صبورة -أيتها الفاضلة الكريمة- وتحملي حتى وإن صرخ الطفل أو احتج بأي أسلوب فيجب أن تتجاهلي ذلك، لأن المبادئ الرئيسية هي: التحفيز الإيجابي، والتجاهل لما هو سلبي وتجاهل التوبيخ لأنه أكثر سلبية، هذه هي المبادئ العامة التي أرى أنها سوف تفيد ابنك.
أرجع مرة أخرى لمبدأ تحفيز الطفل، أرجو أن يطبق بدقة، وأرجو أن يكون مبدأ الثواب والعقاب واضح جدا لدى الطفل، وقطعا يكون التركيز أكثر على الثواب.
إذا كان بالإمكان أعتقد أنه يمكن أن تذهبي مع الطفل للمدرسة، وتظلي معه لمدة ساعة فقط، في الأسبوع الأول اذهبي يوميا، في الأسبوع الثاني اذهبي يوما بعد يوم، وفي الأسبوع الثالث اذهبي معه لمرتين فقط، وفي ذات الوقت يجب أن تكون هنالك معلمة معينة تقوم بدور الأمومة حياله بقدر المستطاع.
وأيضا هذا الطفل لو جعلناه يركز على أصدقائه داخل الفصل أو داخل المدرسة، الأطفال لديهم قدرة شديدة جدا على بناء صداقات مع أقرانهم، ودائما نذكره بصديقه الرمز –أي الصديق المثالي بالنسبة له– وأنه يذهب إلى المدرسة، وأنه كذا وكذا، هذه هي الوسائل التي تساعد الطفل، وهي مطلوبة منك ومن والده كذلك.
وبالنسبة لعلاقته مع أخيه: أعتقد أنها سوف تتحسن، دعيه يشارك قليلا في شؤون أخيه، مثلا أن يحضر له غيار ملابسه، يساعد في تحضير الطعام أو الشراب لأخيه ويعطيه له، وشيء من هذا القبيل، هذا يروض عقل هذا الطفل بسهولة شديدة، ويجعله -إن شاء الله تعالى– يتواكب ويتواءم.
هذه كلها تبني لدى الطفل -إن شاء الله تعالى– قناعات مختلفة، وتجعله يعتمد على نفسه بالقدر الكافي.
بالنسبة لموضوع أنه ترك قبل ذلك حين كان عمره عامين ونصف، وذهبت أنت ووالده لأداء فريضة الحج وتأثره بذلك، الطفل في ذلك العمر يحتج احتجاجا وقتيا، وبعد ذلك وفي فترة قريبة يتواءم جدا، وحتى الاحتجاج الوقتي قد لا يظهر إذا وجد البديل التربوي المناسب، لكن الأمور تختلف تماما بعد عمر الرابعة.
فلا تنزعجي -أيتها الفاضلة الكريمة-، الطفل لديه قلق الفراق، ومن خلال موازنات تربوية بسيطة، وشيء من الصبر والتحمل من جانبكما -إن شاء الله تعالى- سوف تكون أمور هذا الطفل وأموركم طيبة.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا.