السؤال
السلام عليكم.
لقد كنت متزوجا لمدة سنتين من امرأة مصابة باضطراب ثنائي القطب، وكنا سعيدين جدا, ونحب بعضنا، وقد مرضت خلال السنتين ثلاث مرات، رغم مواظبتها على تناول الأدوية - خصوصا ديباكين 500 كرونو - وقد تحملتها في المرتين الأوليين، لكن النوبة الثالثة جاءتها صعبة جدا، وأصبحت خلالها تشتمني وتطالبني بإرجاع أموالها التي أخدتها منها، رغم أنني لم آخذ منها شيئا، وكانت تنتقدني بشدة لدى كل من تقابله من أفراد عائلتي وعائلتها وزميلاتها في العمل، وفوق كل هذا أصبحت تطالبني بالطلاق، ولم أعد أتحمل هذا الأمر، وأصبحت لا أئتمنها على مالي، ولا على عرضي، فطلقتها، وبعد مرور النوبة أصبحت تلومني على الطلاق، وتقول لي: إنها لم تكن في وعيها حين طلبته مني.
مر على كل هذا حوالي أربعة أشهر، وأنا الآن أحاول بناء حياتي من جديد، إلا أنني أفكر فيها كثيرا، وأشفق عليها، ولا أستطيع نسيانها، وهي تتصل بي بين الفينة والأخرى، وتطلب مني أن نبقى أصدقاء، وأنا لا أنوي الرجوع إليها، فبماذا تنصحونني?
أريد أيضا أن أعرف حقيقة هذا المرض، فأصحابه يظهر أنهم أناس عاديون، لكنهم يبررون أفعالهم المنحرفة بأنهم لم يكونوا في وعيهم خلال النوبة، فهل هذا صحيح?
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ إبراهيم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه.
نسأل الله أن يسهل أمرك، وأن يلهمك السداد والرشاد، ونتمنى أن تسمع الإجابة الطيبة, ولكننا في كل الأحوال ندعو الرجال إلى الصبر على زوجاتهم, والمرأة إذا غضبت تخرج أشياء تندم عليها, وتنكر الإحسان, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئا, قالت: ما رأيت منك خيرا قط) ولكننا ينبغي أن نفهم أن المرأة عندما تقول: "ما فعلت لي كذا وكذا" أنها تقصد اللحظة الحالية, وإلا ففي تجربتنا عندما نسأل المرأة: اذكري الإيجابيات: من الذي بنى لكم البيت؟ من الذي فعل كذا؟ فتقول: زوجي, زوجي, زوجي, فيحتار الإنسان, ثم بعد ذلك قد تقول: هو يفعل ... وتذكر إيجابيات كبيرة جدا، ولكننا - معشر الرجال - بكل أسف لا نفهم هذا الجانب, فنعطي الأمور أكبر من حجمها - كأنما رجل يتكلم - فهذه خصلة موجودة في المرأة, ونحن نتمنى أن لا تبتعد عن هذه الزوجة, وإن كان من حقك أن تتزوج غيرها, ولكن الإنسان لو صبر في مثل هذه الأحوال - خاصة بعد أن تسمع رأي الأطباء المختصين في هذا المرض - والإنسان يؤجر على صبره في كل الأحوال، وقد يدخل الإنسان الجنة بصبره على زوجته, وبإحسانه إليها, خاصة أنك قلت: مرت فترة كانت فيها طيبة, فينبغي أن تتواصل مع الأطباء, ونعتقد أنه ليس على المريض حرج, وهي معذورة في حال مرضها.
نسأل الله تعالى أن يسهل أمرك, وأن يلهمك السداد والرشاد، ونتمنى أن تتواصل معنا مستقبلا حتى نعيش معك التفاصيل, ونتعاون في الوصول إلى الأمر الذي فيه المصلحة.
_________________
انتهت إجابة الشيخ الدكتور/ أحمد الفرجابي، مستشار الشؤون الأسرية والتربوية، وتليها إجابة الدكتور/ محمد عبد العليم، استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان:
أنا طبيب نفسي - وإن شاء الله تعالى- أساهم تكملة لما ذكره الأخ الدكتور أحمد الفرجابي، نسأل الله تعالى أن يعود ذلك بالنفع عليك وعلى أسرتك.
الاضطراب الوجداني ثنائي القطب هو مرض نفسي معروف، وهو يتفاوت في حدته وفي شدته، وهنالك معايير تشخيصية لهذا المرض، وهنالك آليات للعلاج، والمرض بصفة عامة من الأمراض التي تستجيب للعلاج بصورة جيدة, وممتازة في بعض الأحيان.
المشكلة الأساسية والخطأ الذي يقع فيه الكثير من مرضى اضطراب الوجداني ثنائي القطبية -وكذلك ذويهم– هو عدم مواصلة العلاج, خاصة حين يكونون في فترة مستقرة، بمعنى أن المزاج متوازن ولا توجد ارتفاعات، أي لا توجد هواجس أو انشراح، وكذلك لا يوجد اكتئاب نفسي، فهذه النقطة مهمة جدا؛ لأننا نحرص دائما على ترتيب أمر الوقاية من الاضطراب الوجداني ثنائي القطبية؛ حتى لا يقع المريض في انتكاسة؛ لأن الانتكاسات في بعض الأحيان تكون شديدة، وتكون لها عواقب وخيمة جدا - كما ذكرت وتفضلت – فمن الواضح أن زوجتك الفاضلة كانت في نوبة هوسية انشراحية، وكل ما ذكرته لك حقيقة, وأعتقد أن كل ما قامت به من أفعال كانت تحت وطأة وتأثير القصد المرضي؛ فلا يعتد بها.
بالنسبة لسؤالك أنك تريد أن تعرف حقيقة المرض، وهل يظهر أن أصحابه أناس عاديون, لكنهم يبررون أفعالهم المنحرفة بأنهم لم يكونوا في وعيهم خلال النوبة؟
معظم مرضى الاضطرابات الوجدانية ثنائي القطبية هم أناس عاديون, بل تجدهم من أصحاب المقدرات والذكاء المرتفع في بعض الأحيان, والمرض مآله أفضل في النساء مما عليه الحال في الرجال، وعدم وجود تاريخ أسري للمرض أيضا يعتبر من المؤشرات الإيجابية جدا.
بالنسبة لتبرير أفعالهم المنحرفة: كلمة المنحرفة يجب أن نكون حذرين حيالها، فهؤلاء المرضى فعلا قد يخرجون عن الضوابط الاجتماعية، فتجد المرأة يكثر كلامها، وتكون جريئة جدا، وبعض النساء يقمن بوضع زينة أكثر مما يجب، وحتى الملابس قد لا تكون منضبطة في الفترة المرضية, وهكذا, وإذا قصدت بالأعمال أو الأفعال المنحرفة ما ذكرته لك فهذا يحدث، ومن الأشياء الخطيرة جدا المصاحبة للاضطراب الوجداني ثنائي القطبية هو الإسراف في الصرف؛ لذا دائما نكون محتاطين من أجل صيانة والحرص على ممتلكات هؤلاء المرضى.
الذي أراه أن زوجتك يمكن أن تعالج، ولم أقم بتقييمها: هل حالتها اضطراب وجداني ثنائي القطبية من الدرجة الأولى؟ فهنالك درجات, وهنالك مراحل، لكن بصفة عامة هذا المرض يمكن علاجه، وعلاجه بصورة ممتازة جدا، والمرضى الذين لا يحافظون على أدويتهم يمكن إعطاؤهم نوعا من الإبر، وهذه الحقن تعطى كل أسبوعين أو ثلاثة أو أربعة، بجانب بعض الحبوب بالطبع، وهؤلاء المرضى يمكن أن يعيشون حياتهم بصورة طبيعية جدا.
المهم هو أن تتناول زوجتك مثبتا للمزاج – الدبكين أو غيره – وكما ذكرت لك: إن لم تكن حريصة على أن تتناول العلاج الوقائي فيمكن أن تعطى لها الإبر، ولا بد أن تكون هنالك مراجعة للطبيب، وهؤلاء المرضى قد يعيشون دون انتكاسات، ولدي مرضى أتتهم انتكاسة وانتكاستان، وبعد ذلك عاشوا حياتهم طبيعية، وهنالك مرضى قد تأتيهم الانتكاسات مرتين أو ثلاثة، لكن هؤلاء معظمهم غير حريصين على تناول علاجهم.
فاحرص - أخي الفاضل – على الإصلاح {إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما} وأن تقف بجانب زوجتك السابقة في وقت الضعف، أي: في وقت المرض، فهذا فيه - إن شاء الله تعالى – أجر عظيم لك.
أعتقد أنها إنسانة طيبة كونها تتواصل معك، وأمر إرجاعها متروك لك، ومن جانبي كنت أتمنى أن تكون مثل هذه المريضة تحت إشرافي؛ لأننا نؤمن تماما أن الأسر يجب أن يحافظ عليها، كما أن مرضها يمكن أن يعالج، وأنا على ثقة أنك - إن شاء الله تعالى - سوف تجد الطبيب الذي يعتني بأمرها, ويوجهها, ويتابعها, ويحرص على علاجها.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونشكرك على التواصل مع إسلام ويب.