السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أريد الجواب من طبيب نفسي، وشيخ ينصحني في أمر ديني.
سأبدأ القصة: منذ كنت صغيرة، وأنا أسمع كلمات أثرت على نفسيتي، حيث إني فتاة، ولي أخوات أكثر جمالا مني، وقد كانوا يشعروني بهذا، خاصة أمي وخالاتي، مع أني جميلة، لكن جمالي ليس كجمالهن، ومن ذلك الوقت وأنا أعاني من هذه الكلمات، حتى تطورت حالتي إلى ضعف الشخصية، وأشعر أني لم أستطع أن أتجاوز هذه المشكلة، حتى أنها زادت بعد أن أنجبت فتاة جميلة، ومن رآها نظر إلي وقال: لا تشبهك، بل تشبه أخواتك.
أما الدراسة: فقد كنت متفوقة، ودراستي جيدة، ولكن أهلي كانوا السبب في تراجعي في الدراسة، فأمي كلما رأتني أدرس تقول: أنت كثيرة الدراسة، ولكنك لست ذكية؛ حتى كرهت الدراسة، وتراجعت في دراستي.
أما مشاكل العائلة: فكانت كثيرة، هكذا كانت طفولتي.
أما في الثانوية: فقد ابتليت بالوسوسة بشأن الطهارة، وعانيت كثيرا منها، وشغلتني عن الدراسة، وعن الشهادة الثانوية، فكان مجموعي أقل مما كنت أطمح، فلم أدخل الجامعة التي أريد.
أما أهلي: فقد زادوا معاناتي بشأن الوسوسة؛ حتى أصبحت سخرية أهل البيت، وصرت أشعر بالذل بين إخوتي، حتى يسر الله لي ودرست الفقه، وتعلمت، وتخلصت من الوسوسة - ولله الحمد - بعد ذلك: خطبني شخص فلم أشعر بالراحة معه، وفسخت العقد بعد عشرة أيام فقط، وهنا بدأت قصة جديدة مع أمي وأهلي، وبقيت سنتين أعاني وحدي قسوة أمي، وسوء أخلاق إخوتي، وسوء حظي، فحاولت أن أساعد نفسي، وأن أجد عملا، ولكن دون جدوى، وكانت الأبواب مقفلة في وجهي.
زادت معاناتي، فأنا فتاة طموحة، كنت أحلم بأفضل من هذا، ولكن الظروف كانت قاسية، وبدأت أشعر بالتعب والاستسلام، وتراجعت عبادتي، واحترت في أمري، بعد ذلك تقدم لخطبتي شخص، وتم العقد، ولكني لم أشعر بالفرحة التي تفرحها الفتيات عند الزواج، فالذي مررت به ترك أثرا كبيرا في نفسي، وتزوجت، وكان زوجي نعم الزوج، ولكني لم أكن سعيدة بزوجي كثيرا؛ لأني كنت أطمح بزوج أفضل، وشعرت أني قبلت به لأتخلص من أهلي فقط، ولكن مع الزمن اكتشفت أن الله قد أكرمني به، فهو ذو أخلاق فاضلة، وقد الله عوضني به عن الماضي، فأحببته وتعلقت به كثيرا.
حاولت بعد أن أحسست بالاستقرار أن أعود إلى الإكثار من العبادة بعد أن اقتصرت عبادتي على أداء الفرائض، ولكني لم أستطع!
وبعد مرور سنتين من زواجي حدثت الثورة - فأنا من سوريا - وتركنا المنزل لسوء الأوضاع الأمنية، وبعد ثلاثة أشهر تفاجأت باتصال من زوجي يخبرني أن الأمن قد اعتقله، ومنذ ذلك الوقت وأنا لا أعرف عنه شيئا، وقد مضى على اختفائه خمسة أشهر - ولا حول ولا قوة إلا بالله، وقد مرت علي هذه الفترة بصعوبة شديدة.
أشعر أني متعبة، ولا أكاد أنتهي من مصيبة حتى تبدأ قصة جديدة، لم أعد أعرف كيف أتصرف؟ وأشعر بالضعف، فهل هذا من غضب الله أم أن الدنيا هكذا؟ لم أعد أعرف! فأنا لست سيئة إلى هذا الحد حتى أعاني كل هذا.
عندما أتذكر تفاصيل حياتي أحزن حزنا شديدا، وخوفي على زوجي أتعبني، فأنا أصلي وأدعو الله أن يفرج عني ويرحمني، فأنا في كرب الماضي والحاضر، وأشعر بالضيق والعسر، ولكني سأصبر، فلا يوجد أمامي إلا الصبر، حتى لا أجمع عذابا في الدنيا وعذابا في الآخرة.
أعذروني فقد أطلت، ولكني أريد حلا وعونا، فقد حاولت أن أتجاوز هذه الأزمات وحدي، ولكني احترت، ولم أستطع أن أتخلص من عقدة الطفولة، خاصة الشكل، والدراسة، وما مررت به، وما حدث مع زوجي.
زاد همي، فأفيدوني - جزاكم الله خيرا - وادعو لي عسى الله أن يرفع عني ما أنا فيه، وانصحوني بكلمات تقويني.
وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ منى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإن طفولتك جيدة، وأنا لا أشك في ذلك، وما وقع لك من توترات وقلق وحساسية حول مستوى جمالك، ومقارنة ذلك بجمال أخواتك، فأعتقد أنه نتاج لحساسية شخصيتك، وهذه الحساسية القلقية هي التي دفعتك نحو الوساوس، والوساوس هي في الأصل قلق نفسي - لا شك في ذلك - وأعتقد أن الوسوسة هي التي أدخلتك في نوع من الحلقة المغلقة، فأصبحت تأتيك هذه الهواجس مرة هنا ومرة هناك، واستحوذ عليك موضوع الجمال وشكلك، ودخلت في هذه المقارنات، بالرغم من أنها أمور عادية، وأعتقد أن تفاعلك لا بأس به، وأن يقارن الإنسان، أو أن يتغير الإنسان بعض الشيء، أو أن يوسوس الإنسان لدرجة معقولة، فهذا غير مرفوض؛ لأن الوساوس نفسها تحسن من انضباط الإنسان، وترفع مستواه التدقيقي، ومستواه الالتزامي، فالوسواس مطلوب هنا، لكنه إن زاد على النطاق فلا شك أنه سلبي.
الذي أريد أن أصل إليه هو أن تنظري لطفولتك كخبرة وكتجربة فيها الكثير جدا من الإيجابيات، وفيها الكثير من العبر، وهذا أمر جيد ومفيد.
أنت - والحمد لله, وبفضل من الله تعالى – استطعت أن تتخطي كل العقبات التي ذكرتها، وهي من وجهة نظري لم تكن عقبات شديدة أو ضخمة، لكن حساسيتك، وطريقة تأويلك للأمور والنظر إليها هي التي جعلتك تنظرين لهذه الأمور - التي أقول: إنها شبه عادية - مضخمة ومجسمة جدا.
بعد ذلك: أنعم الله عليك بنعمة العلم، ورزقت بالزوج الصالح - نسأل الله تعالى أن يحفظه، وأن يفك أسره - وهكذا صارت الحياة، وهكذا استمرت الحياة.
لا تبدي أي امتعاض، فالإنسان يجب أن يقبل بالابتلاءات، وابتلاءاتك - إن شاء الله تعالى – بسيطة بالنسبة لابتلاءات الآخرين، والمسلم المؤمن لا يجب أن ينظر لما يقع عليه من ابتلاءات كعقوبة - هذا ليس صحيحا - فخير القرون - صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم - أصابهم ما أصابهم، أصابهم العنت والشدة، والرسول - صلى الله عليه وسلم - معهم وبينهم، لكنهم تعلموا الصبر، وعرفوا قدر رسالتهم، وهذه هي كياسة المؤمن.
فيا أيتها الفاضلة الكريمة: لا تنظري أبدا إلى إخفاقات الدنيا ومآسيها وآلامها كاختبار لعقيدتك، فقد تكون هي اختبار بالفعل، لكن ليس معناها ألا نحسن الظن بالله، بل إيماننا قوي، وإيمانك قوي، فسيري على طريق الخير، وسلي الله تعالى أن يفرج الكرب، قال تعالى: {ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطؤون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين * ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون}، بمعنى: أنه لا يصيب الإنسان تعب ولا حزن ولا هم ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه - إن الله لا يضيع أجر المؤمنين -.
أما موضوع زوجك واختفائه: فهذا لا شك أنه أمر مؤلم، وأعتقد أن تفاعلك مع هذا الأمر تفاعل إنساني، فلا بد أن تحزني، ولا بد أن تتأثري، ونحن هنا لم نفقد أزواجا ونتحسر على ما يحدث في سوريا، لكننا نؤمن أن نصر الله قريب, وأن فرج الله آت، وما ذلك على الله بعزيز، وما ذلك ببعيد.
عليك بالدعاء، وعليك بالتجلد، وعليك بالصبر، وأود أن أقول - من الناحية النفسية السيكولوجية السلوكية -: إنه حين تقع المصائب على عدد كبير من الناس، فهذا يخفف على المستوى الشخصي للإنسان وأسرته.
من الغرائب العجيبة جدا أن الحروب تقلل من مستوى الانتحار في كثير من الدول، فدراسة مستفيضة أجريت أيام الحرب الإيرلندية أثبتت أن مستوى الانتحار قد انخفض تماما أيام الحرب.
إذن: وقوع المصيبة على الجميع يعطي نوعا من التعاضد الداخلي، والشعور بقيمة معينة تجعل الإنسان أكثر تصميما وإصرارا على الحياة.
فيا أيتها الفاضلة الكريمة: أنا أتعاطف معك في موضوع زوجك -أسأل الله تعالى أن يفك قيده، وأن يفك أسره, ويفرج كربتكم -.
في مثل هذه الظروف: أنا أشجع جدا أن تتناولي أحد مضادات الاكتئاب وتحسين المزاج، وهذا لا يعني أنك ضعيفة أو هشة، لكن صبر الإنسان له حدود، وهنالك دواء يعرف تجاريا باسم (بروزاك) - واسمه العلمي (فلوكستين) - من أفضل الأدوية، ولا مانع من أن تتناوليه بجرعة حبة واحدة في اليوم لمدة ستة أشهر، ثم تتوقفي عن تناوله، واجتهدي في جوانب حياتك الأخرى، ولا تعطلي حياتك أبدا، واستمري، وكافحي، وسوف تنتصرين - إن شاء الله تعالى -.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهت إجابة الدكتور: محمد عبد العليم، استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان.
وتليها إجابة الشيخ: أحمد الفودعي، مستشار الشؤون الأسرية والتربوية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نحن نتفهم - أيتها البنت العزيزة - ما تعيشينه من آلام وغصص، ولكننا في الوقت ذاته على يقين بأن الذي قدره الله سبحانه وتعالى عليك وعلى غيرك من أبناء سوريا - وعلى كثير من المسلمين - إنما هو خير كله، فإن الله سبحانه وتعالى لطيف بعباده، وهو سبحانه وتعالى البر الرحيم، كما سمى نفسه في كتابه، ولا يستلزم هذا المكروه الذي نزل بكم أن يكون الله سبحانه وتعالى كارها لكم أو مريدا عقابكم، فإن البلاء يشتد على أهل الإيمان والصلاح أكثر من غيرهم، كما جاءت بذلك النصوص الشرعية، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل)، وقال - عليه الصلاة والسلام -: (إن الله إذا أحب قوما ابتلاهم).
والبلاء - أيتها البنت العزيزة - مكفر للذنوب، ماح للسيئات، يتطهر به الإنسان من ذنوبه، فيلقى الله تعالى وليس عليه ذنب أو خطيئة، وحين ندرك هذه الحقائق ونوقن بها يقينا جازما، فإننا سنسر ونرضى، ونسعد مع ما يصيبنا وينزل بنا من بلاء ومكروه، فإن الدنيا عن قريب ستفنى، وسينتقل كل واحد منا إلى جزائه وما أعد الله له، وهناك يفرح الصابرون ويغبطهم الناس، ويتمنى المعافى أنه أصيب، وأن جسمه قرض بالمقاريض، كما جاءت بذلك الآثار.
فنحن أولا: نعزيك ونعزي كل من كان في مثل حالتك، ونذكرك بالصبر والاحتساب، وأن المؤمن العاقل لا يجمع على نفسه مصيبتين: البلاء في الدنيا, وفوات الثواب في الآخرة، فاصبري واحتسبي، واعلمي أن الله سبحانه وتعالى أرحم بك من نفسك، وأقدر على تحقيق ما يصلحك، فالجئي إليه، وسليه سبحانه وتعالى بصدق واضطرار أن يفرج عنك وعن زوجك وعن المسلمين، وتيقني أن الله عز وجل لن ينقلك إلا إلى خير.
وأما ما مضى من عمرك فقد أفادك الدكتور محمد – جزاه الله خيرا – أن طفولتك كانت جيدة، وأنه ليس فيها ما يدعو إلى الحزن أو القلق، وكوني على ثقة من أن الله - سبحانه وتعالى - سييسر لك الخير بإذنه ومشيئته.
نسأل الله - سبحانه وتعالى - بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يتولاكم، وأن يفرج كروبكم، إنه جواد كريم.