اكتئاب ما بعد الولادة... أعراضه وعلاجه

0 521

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

فإلى كل القائمين على هذا الموقع المتميز كلمات الشكر والتقدير, سائلا الله أن يحفظكم ويرعاكم.

موضوعي: أصيبت عمتي قبل عامين بذهان وأعطيت علاجا واحدا فقط, لا أذكر اسمه, وتم تخفيض الجرعات بشكل تدريجي, مع العلم بأن الجرعة الأساسية لم تتجاوز (5) مج أو (10) مج, لا أذكر جيدا، وشفيت تماما وعادت إلى حياتها بشكل رائع وممتاز, وتم وقف الدواء بشكل كامل بأمر من الطبيب بعد مرور سنة كاملة.

قبل شهر تقريبا ولدت عمتي طفلتها الأولى (أول ولادة بعملية قيصرية) وكانت في أسبوعها الأول رائعة, وفي الأسبوع الثاني بدأت بنوبات بكاء وصداع شديد في مقدمة الرأس, وأرق وضيق وحزن وكآبة وعدم اهتمام بطفلتها إلا بشكل بسيط, وبقلة تركيز ونسيان وتعب.

في الأسبوع الثالث ظهرت عليها بعض الأعراض الذهانية, وتصرفات غريبة, كخروجها من البيت بدافع التنظيف والمبالغة في إزلة الأوساخ من خزانتها, ورمي أشياء مهمة, والإطالة في دورة المياه -أعزكم الله- والاستماع إلى الأغاني والأشعار, مع أنها ملتزمة جدا, وتغير في نظرات عينيها (شاردة).

إلا أن تلك التصرفات الذهانية تأتي خفيفة إلى متوسطة, وأيضا نظرتها المتشائمة للأمور, وتذكر أحداثا قديمة جدا وحزينة وتافهة, وأيضا غيرت في هيئة ملبسها قليلا, وهذه الأعراض سريعة وقصيرة المدة, ومع هذا فإن الجانب الإدراكي لديها جيد، وتجيب وتتحدث بشكل ممتاز وذكي غالبا، ولم تصل إلى درجة الهلوسة كأن ترى أو تسمع شيئا غير موجود في الواقع.

ذهبنا بها إلى عيادة نفسية, وشخصها الطبيب باكتئاب ما بعد الولادة, وصرف لها الطبيب علاجين: الأول مضاد للذهان (ريسربال) 2 مج مساء, وآخر ليلا (4 مج) يوميا, ومضاد للاكتئاب (seroxast 12.5mg) يوميا في الصباح.

وبعد أسبوع من تناول العلاج تحسنت تحسنا كبيرا في كل شيء, لكن ما زال اهتمامها متقطعا بابنتها وقليلا, ولا نستطيع أن نعتمد عليها كاملا في رعاية ابنتها، وتقريبا اختفت الأعراض الذهانية بشكل كبير جدا, ورأى الطبيب عندما لاحظ تحسنها الكبير بعد أسبوع بتخفيض جرعتي الريسربال إلى جرعة فقط يوميا 2 مج.

- س1: ما التشخيص الدقيق لحالتها؟ هل هو اكتئاب ما بعد الولادة؟ أم ذهان؟ أم اكتئاب ذهاني؟

- س2: هل الأدوية مناسبة لحالتها؟ وهل تدرج الطبيب في الأدوية مناسبا؟

- س3: متى تشفى تماما؟ وكم يستغرق علاجها بشكل كامل لانتهاء تناول الأدوية؟

- س4: حاليا لا نرى أي أعراض ذهانية, ولا أعراض اكتئابية, وقد تحسن نومها كثيرا, ولها أسبوع ونصف منذ أخذ العلاج, فهل تعتبر حالتها متوسطة أم بسيطة؟

- س5: هل يوجد مضاد أو علاج يمنع حدوث المرض في المستقبل؟ كأن يتناول المريض مضادا حيويا وينتهي منه ويفيده هذا في المستقبل؟

أرجو التعليق على الحالة المرضية, وسامحوني على الإطالة, وهذا في ميزان حسناتكم, ولا أملك لكم إلا الشكر والدعاء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عمر 1999 حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فأشكرك -أخي الكريم الفاضل– على ثلاثة أمور:

أولا: على ثقتك في إسلام ويب، وثانيا على اهتمامك بأمر عمتك، وثالثا: على وصفك الدقيق والرائع لحالتها.

أيها الفاضل الكريم: الذي حدث لعمتك هو اضطراب ما بعد الولادة، وقد أحسنت في وصفه -كما ذكرت لك– معظم هذه الحالات تكون مختلطة، بمعنى أنك تجد جوانب اكتئابية، وفي بعض الأحيان تجد جوانب انشراحية، وقد تكون هنالك مكونات ذهانية، وحتى وسواسية وقلقية وانفعالية (وهكذا).

إذن هنالك كوكتيل من الأعراض النفسية يصيب معظم النساء اللواتي لديهن الاستعداد للأمراض النفسية فيما بعد فترة الولادة، وقد لوحظ أنه بعد ثلاثة إلى أربعة أسابيع من ظهور المرض تأخذ الحالة منحى معينا، إما أن تكون اكتئابا ذهانيا –وهذا هو الأغلب– أو تكون اضطرابا هوسيا، أو اضطراب الفصام أو ما يشبه الفصام، يعني أن الأمر ينجلي بعد فترة، لكن قطعا ليس من الحكمة بالنسبة للطبيب أن ينتظر حتى يتأكد من التشخيص.

فالذي لاحظته أن حالة عمتك هي حالة مختلطة تسمى (Polymorphic) وهذه الحالات تستجيب بصورة فاعلة جدا للعلاجات الدوائية، وفي بعض الأحيان نضطر بأن نعطي جلسات كهربائية، لأنها سريعة وفعالة جدا، والجلسات الكهربائية تعطى خاصة إذا كانت الأم لديها مشاعر سلبية حيال طفلها، لكن الحمد لله تعالى أمر عمتك قد تحسن جدا بتناول الرزبريادال والزيروكسات، وحتى ما تبقى من أعراض وهي عدم قدرتها الكاملة على العناية بالطفلة، أعتقد أن ذلك سوف يتحسن.

هنالك نقطة مهمة جدا لا بد أن ندركها، وهي أن عمتك لديها تاريخ مرضي سابق، حدثت لها نوبة قبل الولادة، ولا شك أن الولادة هي مثير نفسي كبير، لذا أتتها هذه النوبة, وهذا يقودنا -أيها الفاضل الكريم– أن عمتك تحتاج (حقيقة) أن تكون تحت الرعاية الطبية النفسية، والذي أراه أن حالتها غالبا تكون من نوع ما يعرف بالفصام الاكتئابي، أعراض فصامية مع أعراض اكتئابية.

كلامي هذا بالطبع افتراضي بعض الشيء، لأني لم أفحصها ولم أراقبها، لكن غالبا هذه هي الصورة التي سوف تنتهي عليها، لكن هذا النوع من الأمراض يعتبر خفيفا، آثاره ومآلاته ممتازة جدا، لكن ينصح بتناول العلاج لفترة طويلة نسبيا.

أرى أن عمتك يجب أن تتناول الدواء لمدة عام على الأقل، وذلك استنادا على أنها لديها تاريخ مرضي سابق.

إذن هذا هو التشخيص الدقيق لحالتها حسب ما أراه، هو خليط –وهذا معروف– والأدوية مناسبة جدا بالدليل أنها قد استفادت منها، وهل تدرج الطبيب في الأدوية مناسب؟ أعتقد أنه مناسب جدا، وإن كنت أرى أن استمرارها على الرزبريادون لفترة أطول قد يكون أفيد، لكن قطعا الزميل الذي قام بفحصها يجب أن نأخذ برأيه وتقديره للأمور.

بالنسبة للتحسن الذي طرأ على حالتها: هذه بشارة كبيرة، ودليل على حسن الاستجابة، لكن بعد أن تنتهي من الجرعة العلاجية أرى من الضروري أن تنتقل إلى جرعة وقائية.

هل حالتها متوسطة أم بسيطة؟ .. حالتها بسيطة وبسيطة جدا إذا التزمت بالعلاج.

هل يوجد مضاد أو علاج يمنع حدوث المرض في المستقبل؟ .. نعم، قطعا الاستمرار لفترة طويلة على الجرعات الوقائية يقلص بل يمنع حدوث الانتكاسات -إن شاء الله تعالى-.

التعليق: هذه الحالة معروفة، ومن الأشياء الجيدة أن عمتك لها إيجابيات كثيرة، فمن الواضح أن شخصيتها متزنة الأبعاد، وأن درجة نضوجها النفسي عال، لدرجة أنها كانت تعاني من المرض لكن تظهر بصورة ممتازة جدا، وهذا نسميه بالازدواجية في التوجه، وهي حالة لا تتأتى إلا لأصحاب المهارات والمقدرات المعرفية العالية، لأن وطأة هذا المرض شديدة جدا، لكن الذي لديه دفاعات نفسية مهاراتية يقاوم المرض.

الاستمرار على الجرعات الوقائية أعتقد أنه أمر جيد، ويجب ألا تعامل كمريضة أبدا، هي مقتدرة، ويمكن أن تعيش حياة طبيعية جدا.

الدواء الذي أعطي لها أولا أعتقد أنه (زبركسا) والذي يعرف علميا باسم (أولانزبين) أنت ذكرت أنه أعطي لها بجرعة خمسة أو عشرة مليجراما، هذا دواء مشهور جدا ومعروف لعلاج الحالات الذهانية.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات