السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا طالبة جامعية، عمري 19 سنة، تحجبت مؤخرا، وأصبحت أواظب على صلاتي، أتعلم التجويد وأحفظ القرآن -الحمد لله- وكل هذا لم يساعدني على تغيير نفسيتي الكئيبة المتشائمة.
مند أربع سنوات وأنا أعاني من مزاج جدا متقلب، والاكتئاب بشكل متقطع، ووساوس تتفاقم مع مرور الوقت، لي شخصية جدا متميزة، تجعل الناس تسيء فهمي، ليس لي العديد من الصديقات، ولكن -والحمد لله- لي صديقات مخلصات.
أعجز عن تكوين صداقات جديدة، لأني كلي وساوس، ولا أثق في نفسي رغم أن مواهبي كثيرة، أحتقر نفسي كثيرا، وأقوم بجلد الذات بشكل مستمر، بسبب الماضي المرير الذي أعتبره سببا في كل ما يحصل لي.
لا أستطيع أن أنسى تلك الأشياء البشعة التي عشتها في طفولتي ومراهقتي، لا أستطيع! أشعر أنها تلاحقني أينما دهبت، الوساوس تخنقني وساوس في الصلاة والدراسة والبيت والشارع.
ذهني لا يتوقف عن إعادة لحظات من الماضي تقتلني، وتجعلني أغرق في بحر من الحزن والندم والاشمئزاز والحقد، علاقتي بأمي جدا سيئة، ولأمي دور كبير في تعاستي، لا تصاحبني وتحتقرني كثيرا، ولكن -والحمد لله- أبي عكسها تماما.
أبسط الأشياء يمكن أن تعكر مزاجي، حاولت الانتحار مند سنتين، ولم أحاول بعد ذلك، فعلا صحتي النفسية سيئة جدا جدا، ولا أستطيع أن أستشير طبيبا نفسيا أو أن أتناول أدوية مضادة للاكتئاب، لأن عائلتي لن تسمح بدلك.
أحيانا أكون سعيدة وبخير، لكن ذلك لا يدوم بتاتا، أستعين بالله وأقوم بالدعاء، لكن حالتي النفسية جدا معقدة.
ساعدوني أرجوكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Samiha حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
إن التركيز الشديد على الماضي وجراحاته- كما وصفته– هو السبب فيما تعانينه الآن من حزن وكدر وتعاسة – كما وصفتها - الإنسان قد تتكون لديه صور عقلية ودماغية ومعرفية سلبية جدا عن نفسه، وهذه الصور السلبية تشوه أمامه الحاضر، وكذلك المستقبل بصورة بشعة جدا.
هذا النوع من الاكتئاب النفسي اكتئاب يقوم على أسس معرفية، وليست بيولوجية حقيقية، وأعتقد أن هذا هو الذي تعانين منه، وللخروج من هذا النوع من الوسواس يجب أن تضعي الماضي خلف ظهرك تماما، وصفته بالتعاسة، وأنا بالرغم من أنني لم أطلع على الأحداث الحياتية التي مرت بك، لكن أعتقد أن مشاعرك فيها مبالغة ومبالغة كبيرة جدا.
مهما كانت التشوهات والفظائع النفسية السابقة فالأحداث التي تمضي هي خبرات ومعارف وتجارب يستفيد منها الإنسان، وليس من الضروري أبدا أن يرفضها أو يكبتها أو يكتمها أو يضعها في موضع النسيان، هذا ليس ضروريا، وليس ممكنا، لكن إن تركناها على مستوى الوعي نستفيد منها فائدة عظيمة لتجنب الأخطاء، لأخذ المواعظ، للمزيد من الانعتاق الذاتي، لتفتح الذهن، لوضع آليات تساعدنا في أن نعيش حياة طيبة وجيدة ومستقبلا مشرقا وآمنا - إن شاء الله تعالى -.
أعتقد أن هذا هو المنهج الفكري الذي يجب أن تنتهجيه، هذا علاج أساسي يتطلب منك النظر في إعادة رسم صورة ذهنية ومعرفية جديدة عن الماضي وعن نفسك، وأن تستشرفي المستقبل على هذا الأساس.
أنت الآن كما أشاهد منطلقة انطلاقة قوية جدا، الحمد لله نجحت في دراستك الجامعية، تواظبين على صلاتك، بدأت تدارس القرآن بصورة صحيحة، هذه مرتكزات قوية جدا لتدفعك نحو حياة طيبة ومشرقة وآمنة، فلا تتذمري، لا تستعجلي النتائج، التغيير سوف يأتي، والأمل معقود.
تغيير نمط حياتك يكون من خلال حسن إدارة الوقت، وفهم الذات بصورة أفضل، والسعي بعد ذلك لتطويرها وتنميتها، اجتهدي في دراستك، كوني علاقات طيبة، أكثري من الاطلاعات الأكاديمية وغير الأكاديمية، مارسي الرياضة التي تناسب الفتاة المسلمة، ولابد من أن تحسني علاقتك بوالدتك، لا خيار أبدا غير ذلك، أمك هي أمك، وحقها في البر أن تدركيه تماما، ومهما تظاهر بالقسوة والإساءة إليك فأنا لا أشك أبدا في أنها تحبك حبا شديدا، لأن هذا الحب في الأصل هو غريزي وجبلي، فلا تدخلي معها في تنافس ذاتي - كما يعتقد أصحاب المدرسة التحليلية – وأنا لا أظن ذلك أبدا، أي لا أؤمن بعلاج هذه المدرسة بهذه الصورة، وحين تتغير مفاهيمك عن والدتك وتتقدمين نحوها خطوة سوف تتقدم نحوك خطوات.
إذن خلاصة الأمر أنت محتاجة لتغيير معرفي، لأن اكتئابك قائم على أسس معرفية، أسس ذهنية، عسر المزاج ثانوي، الخلل يوجد في طريقة التفكير، ويمكنك أن تطلعي أكثر حول العلاج المعرفي لعلاج الاكتئاب النفسي، هنالك عدة مواضيع تتكلم حول هذا الموضوع، لكن خلاصة الأمر هو ما ذكرته لك.
ليس لك رغبة لاستعمال مضادات الاكتئاب، وهذا نحترمه جدا، ويمكن أن تنظري العلاج السلوكي للاكتئاب: (237889 - 241190 - 262031 - 265121 ).
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وأسأل الله لك التوفيق والسداد.