ما نصائحكم لتقوية العزيمة والصبر ورفع معنويات الشخصية الحساسة؟

0 537

السؤال

ترددت كثيرا وأنا أكتب لكم مشكلتي, ولكن من خلال ما شاهدته من مساعدتكم للكثير تشجعت.

أنا منذ ست سنوات كنت أعاني من مشكلة الخجل - الخجل الشديد فقط - ثم ظهرت لي مشاكل نفسية أخرى سنة تلو أخرى, ومنذ سنتين بدأ الخوف يسيطر على حياتي, فصرت أخاف من كل شيء: أخاف من الناس, وأخاف من الأماكن المرتفعة, وأخاف أن أدخل في مشاجرة أو مشادة كلامية, وأخاف من نظرات الناس, وأخاف من قيادة السيارة, ولم تكن لدي بعض هذه المخاوف في الصغر, ولكن مخاوفي في الحياة زادت الآن.

أنا خجول جدا, فأنا أخجل أن آكل أمام الناس, وأخجل أن أتسوق أمام الناس, أو أن أحلق شعري, وأشعر أن الناس يراقبوني, وأخجل من أهلي ومن أصدقائي, ولا أستطيع أن أطلب خدمة أو مساعدة إلا من أبي وأمي, ومن الصعب أن أطلب شيئا من إخوتي, ومن المستحيل أن أطلب شيئا من أصدقائي أو أقاربي؛ إلى أن أصبحت منعزلا ووحيدا, وأصبح عدد أصدقائي لا يتجاوز الخمسة, ولا أستطيع أن أعتمد عليهم, ولا تجمعني بأقاربي أي علاقة - مجرد سلام فقط - وأصبحت قاطعا للرحم, انطوائيا, لا أذهب للمناسبات والأفراح - ولا حتى العزاء - ودائما أكذب لكي لا أذهب لمثل هذه المناسبات, مثل أن أدعي أني مريض أو مشغول.

بسبب قلة اختلاطي بالناس أصبحت جاهلا لكثير من أمور الحياة, ولا أحسن التصرف في كثير من الأمور, ولا أدري ماذا أفعل في بعض المشاكل.

كنت في الصغر أتكلم بطلاقة لسان, وكنت جريئا, - بشهادة أهلي ومعلمي وزملائي - ولكني الآن لا أستطيع أن أتحدث مع الناس, ولا أن أعبر عما في داخلي, ولا أن أجيب عن أسئلة الناس, وأتلعثم في الكلام.

شخصيتي ضعيفة جدا, ولم يعد لي رأي خاص بي, وأصبحت متناقضا ومترددا جدا, وأتبع آراء الناس وكلامهم, ودائما أضع نفسي في مقارنات مع الآخرين.
أصبحت قلقا متوترا طول الوقت, وتفكيري لا يتوقف أبدا, فأقلق من المستقبل, وأقلق من أشياء تافهة, فإن كان عندي موعد عند طبيب الأسنان في اليوم التالي فإني أفكر يومي كله في هذا الموعد, وأفكر لصلاة الجمعة من يوم الخميس, وأقلق إذا حدثت مشكلة لأحد أصدقائي, أو أحد أفراد عائلتي, فإن كان صديقي يعاني من مشكلة في الدراسة أو كان أحد عائلتي مريضا فإني أقلق بشكل كبير, ولا أرتاح أبدا, وأتأثر كثيرا حين أسمع خبر وفاة, أو حادث سير خطير, أو كارثة طبيعية - حريق, أو زلزال -.


أنا حساس بشكل غير معقول, وأضيق إذا تعرضت للسب أو الغلط, وأغضب من أبسط الكلمات, وأتحطم - حتى لو كانت على سبيل المزاح - ولكن لا يظهر علي ذلك, وإذا تعرضت لمثل هذه المواقف فأظل ليلي أفكر فيها, ولا أنام, ولا أنساها لأيام.

لم تعد لدي ذكريات جميلة, فكل ما أتذكره من الماضي هو الأشياء السيئة التي حدثت, وخيالي واسع, ودائما أتهرب من الواقع بالخيال, فقد أصبح متعتي الوحيدة في الحياة, إلا أنني لم أعد أسيطر على خيالي, فأنا الآن أتخيل أشياء سيئة سلبية, فأتخيل – مثلا - أني في مشاجرة مع شخص, وأتخيل أني تعرضت للطعن أو الضرب, وأحيانا أتخيل أني أتناول المخدرات - والعياذ بالله -.

أنا طيب جدا, ومتسامح - صحيح أن هذه الأخلاق من تعاليم ديننا الإسلامي, إلا أنها أثرت على حياتي؛ فأنا متسامح وطيب جدا - لدرجة أنني أصبحت ضعيفا, وأتخلى عن حقوقي, وأسامح في مواقف من المفترض ألا أسامح فيها, وأبكي حين أرى مريضا أو فقيرا, وأبكي في مواقف من المفترض ألا يبكي فيها الرجال.

أجلت دراستي لمدة سنة بسبب هذه المشاكل, ويعلم الله أنني لم أكتب لكم هنا إلا بعد أن ضاقت علي الدنيا, ولم أعد أطيق الحياة, ولكن أملي في الله كبير ثم فيكم, والعذر إن لم أكتب بشكل مرتب, فهذه أول مرة أشكو فيها حالتي.

أنا - بإذن الله - مقبل على تحقيق أهداف من أهداف حياتي, وأحلام كنت أحلم بها, ولكنها تحتاج إلى قوة عزيمة وإصرار, فما نصائحكم لتقوية العزيمة والصبر؟

أحب أن أخبركم أني لا أستطيع زيارة طبيب نفسي في الوقت الحالي, فهل هناك أدوية مفيدة لحالتي؟ وإذا كانت هناك أدوية, فأتمنى ألا تسبب زيادة الوزن؛ فأنا أعمل الآن على تخفيف وزني.

أعاهد الله ثم أعاهد نفسي وأعاهدكم أن ألتزم بنصائحكم قدر الإمكان - جزاكم الله خيرا -.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سعيد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

فالذي تعاني منه ناتج من سمات وصفات قد تكون ملازمة للشخصية – كما ذكرت وتفضلت – فأنت تتميز بشخصية مرهفة حساسة، وربما تكون قلقة أيضا، ولديك بعض السمات الوسواسية، وهذه كلها تجعل الإنسان قلقا, ويحاسب نفسه كثيرا، وتكون المنظومة القيمية منضبطة جدا؛ مما تجعل الإنسان يتحسس من الأمور البسيطة، ويكون في تسابق مع نفسه، وقد يعظم الصغائر بشكل مزعج جدا.

كل هذه السمات ينتج عنها قطعا شيء من الرهبة، واهتزاز الثقة بالنفس، وخوف الفشل، وأعتقد أن هذا هو الذي تعاني منه.

فإذن أنت مطالب بأن تصحح مفاهيمك، فلديك مقدرات، ولديك إمكانات، ووصفت نفسك أنك طيب ومتسامح، وهذه ميزة عظيمة ورصيد كبير يجب أن تنطلق من خلاله.

أعتقد أن تنظيم وقتك بصورة أفضل سيكون له عائد إيجابي عليك، وحاول دائما أن تقبل الناس كما هم، لا كما تريد، وحاول أن تكون رفقتك من الصالحين الطيبين النافعين، والإنسان في مثل حالتك هذه يحتاج لمن يأخذ بيده من أجل الدفع الإيجابي المفيد.

أكثر من اطلاعاتك، خاصة الاطلاعات غير الأكاديمية، فالمعرفة أيضا سلاح قوي لإعداد الإنسان, والمساهمة في نضجه الفكري والاجتماعي.

بر الوالدين له أهمية عظيمة في تعافي النفس, وبناء الطمأنينة فيها.

نصيحة مهمة: حاول أن تعبر عما بذاتك، فالكتمان - حتى للأشياء البسيطة - يؤدي إلى احتقانات داخلية، وأنا أعرف أن شخصيتك الحساسة واللطيفة لا تحاول أن تؤذي الآخرين، وربما تكثر من التحمل والتحامل على نفسك، لكن هذا له عائد سلبي عليك، فحاول أن تعبر عن ذاتك أولا بأول؛ لأن التنفيس والتفريغ النفسي مهم، والرياضة لها دور إيجابي جدا في هذا السياق.

بالنسبة للعلاج الدوائي: أعتقد أن عقار (سيرترالين) سيكون جيدا بالنسبة لك، والسيرترالين يسمى تجاريا (زولفت) لكن يعاب عليه أنه قد يؤدي إلى زيادة في الوزن، وأنت حذر من هذه الناحية، فيمكن أن نجرب الخيار الثاني, وهو عقار (بروزاك) - والذي يعرف باسم (فلوكستين) - فهو أيضا جيد، لكن ليس بفعالية الزولفت في علاج الرهاب الاجتماعي والخوف، لكنه قطعا سوف يحسن من مزاجك كثيرا, ويقلل من الحساسية والوسوسة، وأعتقد أننا إذا وصلنا إلى جرعة كبسولتين في اليوم من البروزاك فهذا أيضا سوف يحتوي مخاوفك الاجتماعية، فابدأ على بركة الله بتناول الفلوكستين بجرعة كبسولة واحدة في اليوم، وتناوله بعد الأكل، واستمر على هذه الجرعة لمدة شهر، ثم بعد ذلك اجعلها كبسولتين في اليوم، وهذه الجرعة استمر عليها لمدة ثلاثة أشهر، ثم خفضها إلى كبسولة واحدة في اليوم لمدة ثلاثة أشهر، ثم اجعلها كبسولة يوما بعد يوم لمدة شهر آخر، ثم توقف عن تناول هذا الدواء.

بارك الله فيك، وأسأل الله لك التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات