السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
زوجي هو الأخ الأكبر لإخوته، توفي والده فتفرغ للعمل لإعالتهم، وتكفل بعلاج والدته وزواج أخته، واشترى سيارة أجرة يعمل عليها سائقا لتدر دخلا له ولأخيه معا، ومحلا آخر خاصا بأخيه لمستلزمات المحمول، كل هذا وهو يعمل بالخارج ويرسل كل دخله لأخيه.
ثم خطبني، وطالت الخطبة؛ لأن أخاه كان يطالبه كل فترة بأموال إضافية بحجة تعثر أعماله، وعاد من سفره لنتزوج زواجا بسيطا لضيق ذات اليد، ففوجئ أن أخاه وزوج أخته كانوا يقومون بالحصول على قروض من البنوك بضمان السيارة، وباع أخوه السيارة فلم يجد لا أموالا ولا سيارة، فغضب بشدة، وحاولت معه كثيرا حتى هدأ، وعادت العلاقة، وما لبثوا أن طلبوا منه أموالا مرة أخرى، رغم علمهم بتعثره، وقد توقف فترة عن العمل.
ولقد سافر مرة أخرى، ورفض أن يكلم إخوته، ويقول: إنهم لا يريدون صلة الدم ولكن صلة المال. أعرف أنه معذور، ولكني أخاف عليه من الذنب، حاولت مع أخته أن تتقرب منه، فوجدت منها قسوة آلمتني خاصة أننا أقارب، وأنا أيضا أشعر أني أريد أن أبتعد عنهم، لكني أخاف من الذنب، فماذا أفعل؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ جين حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فنرحب بك في الموقع، ونشكر لك هذه المشاعر النبيلة، وهنيئا لك هذا الحرص على صلة الرحم، وصلة الرحم سبب للبركة في الرزق، وسبب لمغفرة الذنب، وسبب لسعة الرزق والأجل، كما جاء عن النبي -عليه صلاة الله والسلام-، وهي سبب للمعونة والتأييد من الله تبارك وتعالى، كما في حديث الرجل الذي قال: (إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي)، فبشره النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: (إن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك).
فشجعي زوجك على الثبات على هذا الخير، فإنه لن يعود عليكم إلا بالخير والرحمة، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقه ويسدده.
ولا تمنع صلة الرحم من أن ينتبه لأمواله، وأن ينتبه لطريقة الصرف لإخوانه، ولكن عليه إذا كان عنده مال أن يعاون بقدر طاقته، وإن لم يكن عنده مال فعليه أن يحسن الاعتذار ولا يلتفت بعد ذلك إلى شيء؛ لأنه لم يقصر في حقهم، ولكن من واجبه أن يبقي الصلة معهم، وشجعيه أنت على صلة الرحم، وكوني على وصال معهم وإن قسوا عليك أو عليه؛ لأن صلة الرحم لا تدوم إلا بنسيان الجراحات، وبالصبر على المرارات.
وأنت -إن شاء الله تعالى- ممن يقرأ القرآن، وعلمت ما حصل من إخوة يوسف تجاه يوسف -عليه وعلى نبينا صلاة الله وسلامه-، فلما تمكن واعتذروا إليه وقالوا: {تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين} لم يذكرهم بالماضي، ولم يذكرهم بجرائرهم وجرائمهم، وإنما قال لهم في لطف وحنو وعطف -من الرتبة العالية والمقام الرفيع-: {لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الرحمين} ولا تثريب: هذه كلمة قرآنية لها معاني عظيمة وكلام عظيم، يعني: لا لوم ولا عتاب ولا مؤاخذة، ولا شيء، نسي كل ما حصل منهم، وهذا ما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي آذاه أقرباؤه من كفار قريش، وقتلوا ابن عمته أبو عبيدة بن الحارث، وقتلوا عمه حمزة، وآذوا بنته، وآذوه، وعذبوا أصحابه -عليه الصلاة والسلام-، فلما تمكن من رقابهم قال: (ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم. فقال: اذهبوا فأنتم الطلقاء) -عليه صلاة الله وسلامه-.
فشجعي زوجك أن يسير في هذا الطريق الذي هو طريق الأنبياء والصلحاء، وكوني عونا له على البر، وعليه ألا يكلف نفسه كما قلنا، وإنما أيضا لا يقصر في إعانتهم بقدر ما يستطيع، ونسأل الله تعالى أن يديم المحبة والألفة، وأرجو أن تبقي شعرة الصلة، يعني أنا لا أريد أن تحصل منك قطيعة بعد أن كنت من ينصح ومن يشجع، أريد أن تستمري على هذا، واعلمي أن الأمر يحتاج إلى صبر ومصابرة؛ لأن الإنسان قد يأتيه أذى من أرحامه –وهذا متوقع– لكنه يصبر؛ لأن الثمن هو الجنة، ولأنه يريد ما عند الله، ويخاف من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم–: (لا يدخل الجنة قاطع) يعني: قاطع رحم، فلنبادر بالصلة، وشجعيه ليكون الأحسن والأفضل دائما، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
ونسأل الله لكم التوفيق والسداد.