كيف أعالج صعوبة اتخاذ القرارات؟ وهل يحق لي أن أخالف منهج أبي؟

0 481

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

أنا فتاة عمري 26 سنة، وتم عقد قراني مؤخرا.
مشكلتي أنني ومنذ نعومة أظفاري وأبي يتحكم في حياتي إلى درجة الإفراط، فهو يعاملني كشخص غير مسؤول، وغير قادر على اتخاذ قرارات بمفرده إلى يومنا هذا، حتى أني كنت أجد صعوبة في اتخاذ قرارات فردية، وجل همه أن أكون ناجحة في دراستي، ثم أن أكون ذات مستوى مرموق في المجتمع عن طريق الدراسة ثم العمل.

اتبعت الطريق الذي رسمه لي في طفولتي، ولكن كلما كبرت كلما شعرت بالاختناق من ذلك، خاصة وأن لي طموحاتي الخاصة، وهي طموحات دينية أساسا، فأبي لم يعلمني ديني، ولم يعلمني الصلاة أو القرآن، كنت أجهل أبسط واجباتي الدينية تجاه ربي كالصلاة، والحجاب، ووجوب حفظ النفس، والاستعفاف، فأبي همه الأعظم أن أنجح في دراستي وعملي ولو في محيط مختلط يؤذيني، ولو تعرضت لكثير من الفتن، فكل ذلك لا يلتفت إليه، وأبقى أنا من يعاني بسبب توقي إلى أبسط حقوقي في أن أكون أمة تصلح لعبادة الله، ثم زوجة وأما صالحة، فالتأهيل في ذلك كان جدا ضعيفا، حتى صرت أتمرد كلما كبرت، وكلما هداني الله إلى حق من حقوقي الدينية، مثلما فعلت حين تحجبت، وثارت حينها ثائرة أبي لأنه كان يجهل أن الحجاب فرض، ثم حاولت مرارا الانقطاع عن الدراسة، وكان المنع منعا باتا من طرفه، لم أقدر على الاعتراض عليه في هذا لأني لم أهتد إلى فتوى تجيز لي مخالفة أبي، فكنت أخشى عقاب الله إن خالفته، ولكني كنت أعاني وأتعرض للفتن، وكانت أحلامي أن أتفرغ للعلم الشرعي تكبر ولا أجد لها صدى في محيطي، والآن أنا أعمل، وأبغض عملي لذاته أولا فأنا لا أحبه، وثانيا لأن فيه اختلاطا، ولكن أبي لا يزال لا يبالي بما أريد، ويتدخل حتى في عملي بأن يوصي علي مرؤوسي.

اتفقت مع زوجي قبل الزواج أن يمنحني حريتي في مجال دراستي وعملي، وأعلمته أني على الأرجح سأترك كل شيئ إثر الزواج لأتفرغ فعلا لما أريده من دراسة شرعية، وتنمية ذاتية، والاعتناء ببيتي وزوجي.

طبعا أبي لا يزال يعلمني أنه لا يزال يحلم بأن أواصل دراستي وعملي بعد الزواج حتى لا تضيع جهوده معي لسنوات هباء على حد قوله، ولكني أعلمته أن لي أولويات أخرى أحق بالتفرغ لها من الدراسة والعمل.

فأنا أشعر بالنفور من العمل والملل من هذا الطريق الذي طالما سرت فيه دون إرادة خالصة مني يشعرانني بأن حياتي الحقيقية لم تبدأ بعد، فأنا أجد فطرتي وراحتي في الارتقاء بديني عبر التفرغ للعلوم الشرعية، والبقاء في البيت لرعايته، وحسن الاهتمام به وبزوجي، خاصة وأني أفتقر جدا إلى المهارات في هذا الباب.

أرجو أن تمدوني برؤية شرعية ونفسية لما سردته لكم من مختلف الجوانب، وأن تجيبوني على ضوء الأسئلة التالية بارك الله فيكم:
كيف أعالج صعوبة اتخاذ القرارات الفردية التي ظللت أعاني منها؟ فقد تعودت أن يتحكم طرف آخر في حياتي؟ وهل من السليم من وجهة نظر شرعية ونفسية أن أترك المنهج الذي وضعني عليه أبي بعد الزواج؟ وهل يحق لي هذا؟ وهل هذا مناسب برأيكم؟

جزاكم الله خيرا على نصحكم وإرشادكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمة الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه.
بداية نرحب بك ابنتنا الفاضلة، ونسأل الله أن يسهل أمرك، وأن يلهمك السداد والرشاد، وأن يعينك على الخير، ونسأله تبارك وتعالى أن يصلح لنا ولكم النية والذرية، وأن يعينك على بر الوالد وعلى الوفاء بالواجبات الأخرى، خاصة الجوانب الشرعية، هو ولي ذلك والقادر عليه.

لا شك أننا لا نوافق الوالد في هذا التضيق الذي كان يحدث منه، وفي هذا الحرص الزائد عليك، ونعتقد أنه كان يريد خيرا ولكنه أخطأ الطريق، خاصة في إغفاله لجانب التربية الدينية، والتربية الإيمانية، وفي عدم اهتمامه بمسألة الحجاب ومسألة الصلاة، وهذه المسائل التي لا بد للأبناء منها، ونحمد الله تعالى أن هداك لهذه الخيرات، وأعانك على البر ورضا رب الأرض والسموات، ونتمنى أن يتفهم الزوج فعلا هذا الجانب في حياتك، وأن يكون عونا لك على الدين وعلى طاعة رب العالمين سبحانه وتعالى.

وما قلته من الرغبة في العودة إلى البيت، ودراسة العلوم الشرعية، والتفرغ للزوج والأولاد: فهذه هي المهمة الأصلية للمرأة المسلمة، وهي أعظم وظيفة على وجه هذه الأرض، وهي الوظيفة التي تعمل فيها الموظفة أربعا وعشرين ساعة، هي المرأة الوفية في بيت زوجها.

ونتمنى أن تسترضي الوالد ولا تصادميه في أفكاره، وإذا أصبحت عند الزوج فإن الأولوية للزوج، والطاعة للزوج، فأولى الناس بالمرأة زوجها، ولكن مع ذلك طيبي خاطر الوالد، قولي: (إن شاء الله ما يكون إلا الخير، إن شاء الله نتمنى أن يكون الذي فيه الخير) وطيبي خاطره وافعلي ما يرضي الله، ثم عليك بأن تكوني طيعة لزوجك.

ونتمنى أيضا أن تعتادي اتخاذ قرارات فيما يخصك أنت، وكذلك القرارات في ترتيب بيتك، ولكن المرأة الخانعة والمطيعة لزوجها التي تعترف له بحق القوامة هي المرأة التي ستسعد، وليست المرأة التي لها قرارات تصادم بها زوجها أو نحو ذلك.

ونحن تفهمنا مرادك ومقصدك، ولكن لا بد أن تكون مسألة القرار عند الزوجة، ولا بد أن تكون باعتدال، فمن حقها أن تكون لها شخصية، قد تكون لها مواقف صحيحة، وقد يكون لها مبادرات واقترحات على زوجها، وهذا كله من حقك أن تتدربي عليه.

أما ما تقصده البنات في هذا الزمان من أن المرأة صاحبة القرار، فهي التي تدير البيت، وهي التي تأمر الزوج وتنهاه، فهذا ليس فيه مصلحة للمرأة وليس فيه مصلحة للرجل، وليس فيه مصلحة لأحد، لأن مصلحة المرأة أن تكون القوامة للرجل، وأن تكون المرأة طيعة لزوجها، وقبل ذلك مطيعة لربها تبارك وتعالى.

وما حصل مع الوالد، ومن تربية وتشديد نتمنى أن تكوني قد بلغت منه العافية، لأنك وصلت إلى مرحلة عرفت فيها ما كان يحصل، وعرفت فيها الصواب، فالزمي طريق الصواب، والطريق الذي يوافق السنة والكتاب، وكوني أيضا حريصة على حسن التعامل مع من حولك وخاصة بالنسبة للأب وغيره من المحارم، أحسني التعامل معهم، وأحسني قبل ذلك وبعده التعامل مع زوجك، واحرصي على أن تتواصلي مع موقعك للاستشارة في أي أمر يصعب عليك اتخاذ القرار فيه، وعموما القرار الناجح هو ما لاحظ فيه صاحبه الأبعاد المختلفة، فكانت له رؤيا بعيدة قدر فيها الأمور بمقاديرها، وعرف الفوائد من فعل هذا العمل والأضرار التي يمكن أن تترتب عليه، المهم هو أن أي أمر يحتاج إلى دراسة شاملة، فعودي نفسك قبل تنفيذ أي أمر التفكير بهذه الطريقة: (لماذا، وكيف، وما هي العواقب؟ ماذا لو لم أفعل؟ ما هي النتائج المتوقعة؟ من الذي سيغضب إذا لم أقم بهذا العمل؟) وبعد ذلك تتخذين القرار المناسب بناء على التفكير بهذه الطريقة.

نسأل الله تبارك وتعالى لك التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات