السؤال
السلام عليكم
أنا طالب جامعي في السنة الأولى، في طفولتي كنت أعاني من مشاكل صحية، ولا زلت أعاني منها -تبول لا إرادي- هذا الأمر كان يدفعني دائما للخجل والعزلة، وقد استمر هذا الحال بي طويلا، وفي الفترة الأخيرة عندما دخلت الجامعة أحسست بأن شخصيتي قويت كثيرا، ولم أعد ضعيفا، ولا زلت أثابر على تقويتها، خصوصا أن مشكلتي الصحية وجدنا لها ما يجعلها ليست ملاحظة، ولا فرق بيني وبين غيري.
مشكلتي حاليا أني أعاني من الخجل الكبير، وأخشى أن يطلب مني أن أقدم Presentation بالجامعة، وأحيانا عندما أتكلم مع الناس يضيق نفسي، وأصبح أتكلم بسرعة كبيرة، وأحيانا أتلعثم بالكلام، وأخلط بالأحرف.
مع أنني أحس أن عندي الكثير من الكلام، والأفكار التي ربما لا يملكها غيري، لكني أحس أني لا أستطيع التعبير عنها، وعندما أجلس مع أحد من أصدقائي في الجامعة أو ما شابه لا أعرف ما أتكلم فأحاول أن أنهي بسرعة.
عموما حاليا أنا وحيد، ولا أريد أن أكون غير ذلك، فقد وجدت أن الابتعاد عن بعض المجتمعات وبعض الناس أرقى وأصفى، كانت الوحدة بالنسبة لي ضعفا في ما مضى، لكن الآن هي إرادة ورغبة وليست ضعفا، وأجدها مزية أيضا، لأني لا أريد أن أكون مثل معظم الناس، لا أريد أن أعيش في عالمهم، لا لأني لا أستطيع وإنما لأني لا أرغب.
مشكلتي الآن أني خجول كثيرا، بالأخص مع الجنس الآخر، وأحيانا قد أضطر للتعامل مع هذا الجنس، ولا يكون باختياري.
شخصيتي تبدو للناظر أقوى كثيرا مما هي عليه، لكني أريد أن يكون باستطاعتي فعل أي شيء، ولا يكون ضعفي النفسي حائلا بيني وبين الكلام والتعاطي مع البشر، حتى ولو على قدر معين، حتى لو لم أرغب بفعله، أكره الشعور بالعجز.
دمتم سالمين، وجزيتم خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
شكرا لك على الكتابة إلينا.
إنه لأمر طبيعي أن يشعر الإنسان ببعض الارتباك والحرج عند الحديث وسط جمع من الناس، أو تقديم عرض علمي أو خطبة ما، وقد يترافق هذا الارتباك ببعض الأعراض الجسدية كالارتجاف، وشدة التعرق وتسارع ضربات القلب، واحمرار الوجه، وفي الغالب فإن هذه هي حالة من الرهاب الاجتماعي.
في كثير من الأحيان لا نعرف السبب المباشر لبداية هذا الرهاب، وربما في بعض الحالات له علاقة ببعض التجارب السلبية التي يمكن أن يكون قد مر بها الإنسان في مرحلة ما من حياته.
أفضل طريقة لعلاج الرهاب الاجتماعي هو العلاج المعرفي السلوكي، وذلك عن طريق عدم تجنب اللقاء بالآخرين لتخفيف الشعور بالخوف والارتباك، وإنما اقتحام هذه المواقف والحديث مع الناس، ويمكن أن تكون البداية بمجرد التواجد مع مجموعة صغيرة من الناس، والحديث ربما لفترة قصيرة، وحتى يطمئن الشخص للحديث معهم، وما هو إلا وقت قصير حتى يجد أن هذا الخوف قد خف أو اختفى.
هذا العلاج السلوكي هو الأفضل في مثل هذه الحالات، ويمكن عادة أن يشرف على هذه المعالجة أخصائي نفسي يتابع مع الشخص تطور الحالة، وفي كثير من الحالات يعالج الشخص نفسه بنفسه من خلال المثابرة في اقتحام مثل هذه المواقف.
إذا طالت المعاناة ولم تتمكن من تحسين الحال، فيمكنك الاستعانة بأحد الأخصائيين النفسيين، ممن يمكن أن يضع لك برنامجا علاجيا، ويتابع معك هذا العلاج.
يمكن للطبيب النفسي أيضا أن يصف لك أحد الأدوية التي تساعد عادة على تجاوز مثل هذه الأعراض، والتي يمكن حتى أن تدعم تأثير العلاج السلوكي، ولقد ذكرت في سؤالك أنك تناولت بعض الأدوية، ولكنك لم تذكرها لنا.
هناك عدد جيد من الأدوية المفيدة ومنها دواء "باروكستين" وهو في جرعة 20 ملغ، وإن كان عادة نبدأ بنصف الحبة (10 ملغ) لأسبوع تقريبا، ومن ثم الجرعة الكاملة 20 ملغ مرة واحدة في المساء، وننصح عادة باستعمال الدواء لمدة عدة أشهر تصل إلى الثلاثة أشهر، والعادة أن يتابع العلاج طبيب متخصص، من أجل التأكد من فعالية العلاج، وتحديد مدة العلاج وكيفية إيقاف الدواء، والذي ينصح أن يكون بالتدريج من أجل تفادي أعراض الانسحاب.
نحن ننصح عادة وبشكل عام باستعمال الأدوية النفسية تحت إشراف طبيب متخصص، إلا إذا تعذر الأمر كثيرا، ولكن يبقى العلاج السلوكي هو الأساس، والغالب أن لكل هذا علاقة بالمشكلة الأخرى، وهي التبول اللاإرادي.
أكيد الأمر في غاية الصعوبة بالنسبة لك، وأنت في هذا العمر، أعانك الله وعافاك مما أنت فيه، فإن التبول الليلي اللاإرادي، وخاصة في هذا العمر الغالب أنه عرض وليس بمرض، نعم هو الآن عرض وليس بمرض! فمن الطبيعي أن يحدث عند الطفل في صغره حالة من التبول الليلي أو اللاإرادي، ولكن معظم الأطفال ينمون ويتجاوزون هذه الحالة، ومن دون أن تترك عندهم نتائج وعواقب ضارة.
بحسب طبيعة ردة فعل الأسرة والأهل يمكن لهذه الحالة أن تختفي، ويشفى منها الطفل وبشكل نهائي، أو قد تمكـن ردة فعل الأهل من تعميق هذه المشكلة من خلال الانتقاد والتوبيخ، وهنا يصبح التبول اللاإرادي عرض لهذا القلق الناتج عن التوبيخ والعتاب.
الشخص المصاب بالتبول اللاإرادي، سواء كان طفلا أو راشدا، فإنه أول شخص في هذا العالم يريد ويتمنى لو تنتهي هذه المشكلة، إلا أنها في الواقع مشكلة نفسية لاإرادية، ولا تقع تحت رغبة الطفل أو المصاب، وبحيث يستطيع إيقافها متى شاء، مع أنه أول من يتمنى لو يستطيع ذلك.
اطمئن يا ولدي، فالأمر ليس بيدك، فلا عتاب عليك، بالرغم من أن الناس من حولك يوجهون لك اللوم والتوبيخ، وليتهم علموا حقيقة الأمر، وليتهم علموا أنهم ومن حيث لا يشعرون يزيدون عندك المشكلة.
كيف العمل الآن؟! حاول أولا أن لا تقلل من قدر نفسك، فهذا الموقف لا يحل المشكلة وإنما يؤصلها، وحاول ثانية أن تنشط نفسك في الجوانب الأخرى من حياتك، مما يساعدك على الهدوء والاسترخاء، وعلى التمتع في الحياة، فمثل هذه المشاعر والمواقف هي التي ستساعدك على التخلص من هذا التبول اللاإرادي.
إذا سألتني هل من سبيل للخلاص من هذه المشكلة؟ الجواب قطعا نعم، وهذا اليقين من طرفك أن هناك نورا في نهاية النفق، هو الذي سيساعد دماغك على ضيق المثانة، وعلى الإحكام بآلية التبول.
أخيرا، أريدك أن تستعمل التعزيز الإيجابي مع نفسك، ففي الصباح الذي تصبح فيه جافا، فأريدك أن تكافئ نفسك بشيء تحبه، وقل لنفسك، نعم حقيقة قل لنفسك "أحسنت يا عبد" بينما في الأيام التي تكون نتيجتها ليست كما تتمنى، فتجاهل الأمر وكأن شيئا لم يحدث.
أنا أضمن لك أن تنتهي من هذه المشكلة وخلال عدة أشهر، ولكن بشرط أن لا تحاول استعجال الأمر، وحرق المراحل.
وفقك الله، ويسر لك الخير.