السؤال
السلام عليكم
قرأت حديثا عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (أقوام يأتي الله بأعمالهم كجبال تهامة ويخسف بها ...) الخ.
أنا أصلي الصلوات بالمسجد، وأتصدق، وأذكر الله كثيرا، وأعمل أعمال خير كثيرة، لكنني أشاهد التلفاز، وأمارس العادة السرية كل أسبوعين تقريبا، وأخاف من عذاب القبر، وأن الله سيحبط جميع حسناتي، وأخاف من الموت وسكرة الموت، ونزع الروح، وعذاب القبر.
أرشدوني.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ بندر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يزيدك صلاحا وتقى واستقامة، وأن يعينك على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يجنبك الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن.
وبخصوص ما ورد برسالتك - أخي الكريم الفاضل – فأحب أن أقول لك: إن الله جل جلاله قد وضع قواعد لقبول الأعمال في كتابه، وهذا في آية في آخر سورة الكهف حيث قال: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} هذان هما شرطا قبول العمل، الشرط الأول أن يكون العمل موافقا للكتاب والسنة، والشرط الثاني: أن يكون العمل خالصا لله تبارك وتعالى وحده.
فثق وتأكد أن أي عمل مهما كان عظيما كبيرا أو صغيرا، سرا أو علانية، سواء أكان فيما يتعلق بعلاقتك مع الله أو علاقتك مع نفسك أو علاقتك مع الناس، فإن الله تبارك وتعالى يقبله إذا توافر فيه هذان الشرطان، الشرط الأول أن يكون العمل مطابقا للكتاب والسنة، والشرط الثاني أن يكون خالصا لوجه الله.
فهذه الأعمال التي تفعلها أعمال عظيمة من المحافظة على الصلاة والأذكار والدعاء وغير ذلك، هذه كلها أعمال أهل الإيمان، وهي أعمال الإيمان، وهي شعب الإيمان، فما دمت قد فعلتها على طريقة النبي - عليه الصلاة والسلام – وما دمت أردت بها وجه الله، فثق وتأكد أن الله لن يحبط عملك، ولن يضيع لك أجرك أبدا؛ لأن هذا يتعارض مع كلام الله تعالى، ومع كلام نبيه - عليه صلاة ربي وسلامه -.
أما الحديث الذي أوردته في أول كلامك من أن هناك أناس يأتون بأعمال كالجبال لا يقبل الله منهم صرفا ولا عدلا، هؤلاء ما أرادوا بها وجه الله، أو كانت هذه الأعمال خالية من هذه الشروط التي بينها الله تبارك وتعالى في كلامه سبحانه، من أن تكون أعمالا على غير السنة، أو تكون أعمالا ما أريد بها وجه الله تبارك وتعالى، وقد ورد نصه في صحيح الترغيب والترهيب: (( لأعلمن أقواما من أمتي، يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء، فيجعلها الله هباء منثورا، أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم، و يأخذون من الليل كما تأخذون، و لكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها )).
الله تبارك وتعالى يقول: {إنما يتقبل الله من المتقين} الله تبارك وتعالى يقول:{وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات} لو أن إنسانا كافرا قام بنوع من أنواع الخير، فلن يقبل الله تبارك وتعالى منه؛ لأن الكافر يحبط عمله بسبب كفره، أما المسلم ما دام قد أدى العمل ابتغاء مرضاة الله تعالى، وكان عمله مطابقا لمنهج النبي - عليه الصلاة والسلام – وهديه وسنته، فليعلم أن الله تبارك وتعالى وعد بأن لا يرد هذا العمل، وهذا وعد الله الذي لا يخلف ولا يتخلف.
ولكن عليك - أخي الكريم – بارك الله فيك، بجوار هذه الأعمال الطيبة أن تعلم أيضا أن من العوامل التي قد تفسد العمل، وقد تؤدي إلى عدم قبوله إنما هي المعاصي، فإن المعاصي أيضا والإصرار عليها والاستمرار عليها قد يؤدي إلى أن العمل يكون مخدوشا، ولا يكون عند الله مقبولا؛ لأن صاحبه كأنه يستهزئ بربه، وكأنه فقد الحياء من الله، فكيف نجمع بين الطاعة والمعصية بصفة منتظمة؟!
نعم أنا معك من أن كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، ولكن الإصرار على المعاصي فيه سوء أدب مع الله سبحانه وتعالى، أما إذا كان الإنسان يضعف أحيانا، فيقع في معصية، ثم يتوب منها، فهذا شأن معظم خلق الله تعالى، وهذا أمر خلقه الله وهم سيفعلونه، وهذا لا ينكره عليهم، وإنما الله تبارك وتعالى لا يحب من العبد أن يظل على المعصية مصرا عليها دائما أبدا، وإنما كون الإنسان يصاب بلحظة ضعف فيقاوم هذا الضعف ويجتهد في البحث عن العوامل التي تؤدي إلى الوقوع في المعاصي فيقضي عليها، ثم يستقيم حاله فترة من الزمن، ثم يأتيه ضعف مرة أخرى، ثم يحاول أيضا ولا يركن إلى نفسه، هذا هو حال العبيد الذي قال فيهم جل شأنه: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم}.
أما الإصرار على المعاصي، فهذا فيه سوء أدب مع الله تبارك وتعالى، فعليك بترك هذه المعاصي حياء من الله؛ لأنه لا يتناسب مع عبد صالح مثلك أن يكون أيضا في نفس الوقت يفعل أفعال أهل الكفر والعياذ بالله؛ لأن كل معصية هي من شعب الكفر، وكل طاعة هي من شعب الإيمان.
فعليك - بارك الله فيك – أن تجتهد وأن تأخذ قرارا بالتوقف عن هذه المعصية حياء من الله تبارك وتعالى؛ لأن المعصية لا تظل وحدها، وإنما تنادي أختها، وما من معصية -والعياذ بالله تعالى- إلا وتورث حسرة في القلب، وسودا وظلمة فيه، وقد يدعو العبد فلا يستجاب له، وقد يسأل الله فلا يعطيه، وقد يعمل العمل فلا يقبله الله لسوء الأدب معه سبحانه وتعالى.
فعليك بترك هذه المعاصي كلها، وأن تضع برنامجا للتخلص منها في أقرب وقت، وأن تدع الأمر بعد ذلك لله، وأن تحسن الظن به، وأن تعلم أن الله لا يضيع عمل عامل كما وعد سبحانه وتعالى، فعليك بالتوبة والاستغفار والندم، وعليك بالإقلاع عن هذه المعاصي، ولا تقل لأسبوعين أو لثلاثة، وإنما للأبد، اتركها من أجل الله، اتركها محبة في الله، اتركها محبة في رسول الله، واعلم أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.
أسأل الله لك الهداية والرشاد والتوفيق والسداد، والعون على الطاعة، والنجاة في الدنيا والآخرة، إنه جواد كريم.
هذا وبالله التوفيق.