السؤال
السلام عليكم ورحمة الله
أبلغ من العمر 25 سنة، مشكلتي هي أني أحس دائما أني مكروهة، وأني لا أستحق العيش، وأني لست كباقي البنات إذ أني لا أحلم أن أكون أما أو زوجة، ربما أود ذلك لكن ليس هدفا أساسيا بالنسبة لي، وأحلم كثيرا وعندي طموح في أشياء أرى أني قادرة عليها -بإذن الله-، لكن تتحقق لغيري وهم لا يستحقونها، مثل صديقتي، لا تحب العلم ولا تتقن اللغة الإنجليزية وتم ابتعاثها للخارج، وأنا أتقنها وحلم حياتي أن أحصل على الدكتوراه من الخارج ولم أبتعث، دائما أسأل نفسي: لماذا؟ ألا يحق لي ذلك؟ أنا لا أحسدها بل أتمنى لها الخير لكن أتمناه لنفسي أيضا، هناك أيضا أشياء كثيرة لم يصادفني الحظ فيها، لكني أحمد الله على كل شيء، وأحافظ على ديني وصلاتي -بإذن الله-، هل الله سبحانه يكرهني؟ أو غاضب علي؟ وماذا أفعل؟
وعندي دائما إحساس وتوقع للذي يحدث ثم يحدث أحيانا بأمر الله سبحانه، لكني أحس بالذنب، أحس أني أنا التي توقعت هذا الشيء وجلبته لنفسي وللآخرين، هل هذا إلهام من الله أم سوء ظن به سبحانه؟، أنا -والحمد لله- محافظه على ديني، ولا أختلط كثيرا بالناس، محيط عائلتي فقط، لكن توقعاتي تصيب في الغالب، كيف ولماذا؟
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
مرحبا بك –ابنتنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب، ونشكر لك تواصلك معنا، وقد لمسنا من خلال رسالتك -أيتها البنت الكريمة– الكثير من الصفات التي نحسبها سببا لجعلك فتاة محبوبة في أسرتك، ومحل تقدير من مجتمعك، فليس الأمر كما تظنين بأنك مكروهة، ففيك الكثير من الخصال الطيبة، ومن أهمها وأعظمها بلا شك التزامك بدينك وقيامك بطاعة ربك، فإن هذا وحده يكفي لأن يجعلك إنسانا محل ود الجميع ومحبتهم، وهذا وعد من الله تعالى لمن آمن وعمل صالحا، فقد قال جل شأنه في كتابه الكريم: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا} والود هو خالص الحب.
وجاء في الحديث الطويل أن الله تعالى إذا أحب عبدا نادى جبريل: (إني أحب فلانا فأحبه) فيحبه جبريل، ثم ينادي جبريل في أهل السماء: (إن الله يحب فلانا فأحبوه) فيحبونه، ثم يوضع له القبول في الأرض.
وأنت –أيتها البنت العزيزة– لك -بإذن الله تعالى- حظ وافر من هذا المعنى الجميل، فإن طاعتك لله تعالى، وحرصك على القيام بأوامره، والوقوف عند حدوده مما يبعث الآخرين على حبك واحترامك بلا شك، ولكننا نخاف عليك من كيد الشيطان ومكره، فإنه يحاول أن يثبطك عن الخير، ويدخل الحزن إلى قلبك، وهذا غاية ما يتمناه كما قال الله سبحانه وتعالى عنه: {إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا}، فهو قاعد لك بالطريق يريد أن يصدك عن سبيل الله تعالى، ويحاول أن يثقلك عن الطاعة ويبغضها إليك، وسيسلك بلا شك كل وسيلة وكل سبيل يقدر على الوصول إلى غايته منها، فاحذري من هذا المكر والكيد، وتوجهي بقلبك إلى الله سبحانه وتعالى وحده، فإنه جل شأنه هو المالك لقلوب العباد، وقلوب العباد بين أصبعين من أصابعه يقلبها كيف يشاء، وبلا شك أن من أرضى الله تعالى رضي عنه وأرضى عنه الناس، ومن أسخط الله سخط عليه وأسخط عليه الناس، وبهذا جاء الحديث النبوي.
إذن لا تأبهي -أيتها البنت العزيزة– لهذه المشاعر التي تجدينها، ونحن على ثقة من أنك إذا تعرضت –ونسأل الله تعالى ألا تتعرضي لشيء من ذلك–، إذا تعرضت لشيء مكروه -كالمرض وغيره– فإنك ستدركين مدى حب الآخرين لك، ومدى تقديرهم واعتنائهم بك، فمثل هذه الأحداث تظهر للإنسان بعض الأشياء المكنونة.
لقد أصبت –أيتها البنت الكريمة– حين أدركت أن الإنسان ينبغي له أن يتمنى مثل ما بيد الغير وما أعطاه الله سبحانه وتعالى للغير من الخير، لا أن يحسدهم على ذلك، وهذا هو توجيه القرآن، فقد قال الله سبحانه: {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض}، ثم قال سبحانه: {واسألوا الله من فضله} وفضل الله تعالى واسع، ولكنه جل شأنه ينزل كل شيء بقدر، ويضع كل شيء في محله لحكمة، فثقي بتدبير الله تعالى وحسن اختياره، فهو جل شأنه لن يختار لك إلا ما فيه الخير لك، وإن كنت لا تعلمين ذلك، فإذا صرف عنك شيئا فاعلمي أن الصرف هو الخير، وإذا ساق إليك شيئا فاعلمي أن العطاء هو الخير، فكثيرا ما تتعلق نفوسنا بأشياء والله عز وجل يعلم بأن الخير في أن تصرف عنا، وقد قال جل شأنه في كتابه الكريم: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.
هذا هو المعنى الجميل الذي ينبغي أن تقفي عنده وتتأملي فيه جيدا –أيتها البنت العزيزة–، أن الله يعلم ونحن لا نعلم، وأنه أرحم بنا من أنفسنا، وأنه قادر على أن يحقق لنا كل أمانينا، ولكنه يختار لنا ما فيه خيرنا وصلاحنا.
نحن نؤكد لك -أيتها البنت الكريمة– أنك ستصلين -بإذن الله تعالى– إلى ما تتمنينه مما علم الله تعالى أن فيه خير لك إذا أنت أخذت بالأسباب المشروعة، فاستعيني بالله سبحانه وتعالى ولا تعجزي، وحسني ظنك بالله بأنه سيصلك إلى ما تتمنين من الخير، وأنه سيقدر لك ما فيه سعادتك، فإن حسن الظن بالله من أعظم الأسباب التي يصل بها الإنسان إلى ما يتمنى، وقد قال الله جل شأنه: (أنا عند ظن عبدي بي) وفي رواية: (فمن ظن خيرا فله، ومن ظن شرا فله).
توقعك للمكروه ثم حصوله لا إثم عليك فيه، ولا يكون توقعك ذلك سببا لجر ما لم يقدره الله تعالى عليك أو على الآخرين، فإن قدر الله نافذ لا محالة، ولن يكون إلا ما قدره الله، فأريحي بالك من هذا، واعلمي أن كل شيء بقضاء وقدر، وأن الله عز وجل قد كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، رفعت الأقلام وجفت الصحف.
نسأل الله أن يوفقك لكل خير ويقدره لك.