السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأخ الدكتور: بارك الله فيك.
عندي مشكلة بسيطة، ولها الآن ما يقارب الثلاث سنوات، وهي الخوف والهلع والتوتر، وبداية حالتي تبدأ بخوف بسيط، ومن ثم تأتيني تهيجات في البطن، ومن ثم ضيق تنفس، وجفاف الفم، وأحاول بأقصى جهدي أن أشغل نفسي بأي شيء، ولا أفتح مجالا لهذه الحالة حتى تذهب عني بعد فترة وجيزة (ساعة أو نصف ساعة)، أو أن ألجأ إلى النوم، ولكنه نوم قلق.
وحاولت زيارة أطباء نفسيين، ولكن كان الهم المادي يعيقني، حيث أن بعض الأطباء يطلبون مبالغ هائلة لكل جلسة، فأصبحت أشتري بعض العقاقير من الصيدلية بعد أن أطرح الحالة على الصيدلي، ولكن هذه العقاقير لها أعراض سيئة كالدوخة والغثيان، حيث إنها تزعجني في عملي، وأثناء قيادتي للسيارة، وأثناء جلوسي في المنزل، وهذه العلاجات مثل: procalmil ، وعلاج آخر أظن اسمه أنت دبريكس، ولكني توقفت عن استخدامها، ولدي هذه الأعراض والتقلبات المزاجية، وخاصة الخوف من السفر والوحدة وصعود الطائرة، والذهاب وحيدا بالسيارة لخطوط طويلة.
والمطلوب -يا أستاذي الفاضل- أن تصف لي علاجا ينهي هذه الأعراض بشكل جذري، ولك الشكر الجزيل.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فمن الواضح أنك تعاني من قلق المخاوف، وقلق المخاوف منتشر جدا، والبدايات يظهر أنها بدأت معك بما نسميه بنوبات الهلع أو الفزع، ومشكلة هذه النوبات بالرغم من أنها ليست خطيرة، لكنها دائما تولد لدى الإنسان شعورا مستقبليا للوساوس والمخاوف والقلق التوقعي، بمعنى أن الإنسان دائما يتوقع أنه سوف يكون عرضة للمخاوف والقلق في أوضاع معينة، ولديك بالطبع أنواعا أخرى من القلق، مثل صعود الطائرات والسفر أحيانا بالسيارة، وهذه الجزئيات كلها تأتي تحت موضوع قلق المخاوف.
لا شك أن العلاجات السلوكية مهمة جدا بجانب العلاجات الدوائية، والعلاج السلوكي في مجمله يقوم على مبدأ: تحقير فكرة الخوف، وعدم تجنبه، بل مواجهته، وتجاهله، واقتحامه، والإصرار على ألا يخرج الإنسان من الموقف، بل يعرض نفسه مرات ومرات له، في بداية الأمر سوف يكون مستوى الخوف مرتفعا، ثم بعد ذلك سوف يتقلص ويقل تدريجيا، وهذا يسمى بالتحصين التدريجي، وهو من أفضل أنواع العلاج.
لا شك أن العلاج الدوائي علاج أساسي جدا، والدواء ينظم كيمياء الدماغ فيما يتعلق بالاضطرابات التي قد تكون هي المسببة لنوبات الخوف والقلق، وميزة الدواء أنه يمهد للعلاج السلوكي، يعني أن الإنسان يكون في وضع استرخائي، وراحة بال تمكنه بالفعل من أداء العلاج السلوكي، لكن الخطأ يحدث أن بعض الإخوة والأخوات يعتمدون بشكل مطلق على الأدوية، وحين تتحسن أحوالهم لا يعرضون أنفسهم لمصادر مخاوفهم، بالرغم من أنهم لا يجدون صعوبة في مواجهتها، إلا أنهم لا يكثرون من المواجهات، وحين يكثر الإنسان من المواجهات – هذا نسميه بالإطماء أو الإغمار أو الفيضان – بمعنى أن تجعل نفسك مواجهة للمخاوف للدرجة التي تنغمس في هذه المواجهات، وهذا قطعا يؤدي لتمزق الخوف وتفتته وذهابه.
فهذا هو الذي أنصحك به، كما أنصحك بممارسة تمارين الاسترخاء، وكذلك التمارين الرياضية، ولا بد أن تكثر من التواصل الاجتماعي، هذا فيه خير كثير لك.
العلاج الدوائي: أعتقد أن عقار (سبرالكس)، والذي يسمى علميا باسم (إستالوبرام) سيظل هو الأفضل، ولا شك في ذلك، وهذا الدواء دواء سليم، ولا أعتقد أنك تحتاج أصلا لدواء غيره، لكن يجب أن تلتزم بجرعته، وتصبر عليه، وتتبع البروتوكولات العلاجية المتعلقة بمراحل بناء الجرعة، ثم تخفضها، ثم التدرج في التوقف.
جرعة السبرالكس هي أن تبدأ بخمسة مليجرام – أي نصف حبة – تتناولها ليلا لمدة شهر - لا أريدك أن تستعجل أبدا، هذه جرعة صغيرة جدا، ليست ذات قيمة علاجية كبيرة، لكنها جرعة تمهيدية صحيحة، تقلل عليك الآثار الجانبية – بعد ذلك ارفع الجرعة إلى عشرة مليجرام، استمر عليها لمدة شهرين، ثم ارفعها إلى عشرين مليجراما – وهذه هي الجرعة العلاجية الصحيحة – استمر عليها لمدة ثلاثة أشهر، ثم خفضها إلى عشرة مليجرام ليلا لمدة ستة أشهر، ثم خمسة مليجرام ليلا لمدة شهر، ثم خمسة مليجرام يوما بعد يوم لمدة شهر آخر، ثم توقف عن تناول الدواء.
الدواء من الأدوية السليمة والفاعلة، لكن مثله ومثل معظم الأدوية له آثار جانبية، بالرغم من أنها بسيطة، لكن أخلاق المهنة تجعلنا من الضروري أن نذكرها، فمثلا هذا الدواء قد يؤدي إلى زيادة في الوزن لدى بعض الناس، لكن هذه يمكن التغلب عليها من خلال ممارسة الرياضة، والتحكم الغذائي، كما أن الدواء قد يؤدي إلى تأخر في القذف المنوي عند الجماع لدى بعض الرجال، وهناك قلة قليلة من الرجال يشتكون من ضعف في الرغبة الجنسية، وإن كان هذا الأمر غير محسوم حتى الآن، ولا أريدك أن تشغل نفسك به، لكن الأمانة العلمية تتطلب أن أذكره.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا.