السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله والصلاة والسلام على سيد المرسلين، محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
قبل طرح سؤالي أود أن أعبر عن مدى امتناني، شكرا جزيلا على هذا الموقع الذي بالفعل استفدت من أجوبتكم للعديد من التساؤلات، و التي طرحت من طرف إخواني وأخواتي، فجزاكم الله الفردوس الأعلى.
مشكلتي -و أنا لا أراها كمشكلة- أني خلال الثلاث سنوات الأخيرة، لم أعد ألبي دعوات المناسبات، فلم أعد أحضر لا أعراس ولا العقيقة، لا لشيء إلا إني لا أكون مرتاحا عندما أجلس في غرفة مليئة بأناس منهم من أعرفهم، و منهم من لا أعرفهم جد المعرفة، وآخرين لم أرهم من قبل، لكني أجالس أسرتي وأمازح إخواني، يعني ليس لدي إحساس بالكآبة.
كما أني أصل الرحم في العيدين الفطر والأضحى، والدتي -بارك الله في عمرها- تنبهني إلى أن أفراد عائلتنا سيلاحظون غيابي، وسيقولون إني منطو، كما أن الأعين ستكون علي، لكني -والحمد لله- لم أعد أخاف الإصابة بالعين؛ لأني مؤخرا تقربت من خالقي، وصرت أستيقظ لصلاة الفجر، أسال الله أن يعينني على الحفاظ عليها، فهو قادر على حمايتي من شر ما خلق، لذا أسئلتي هي:
أولا: هل أكون آثما وتسجل علي سيئات إذا لم ألب الدعوة و اكتفيت بالاعتذار؟
ثانيا: هل أجبر نفسي على الحضور؟ فأبتسم في وجه هذا وذاك، وأنا أعد الدقائق متى تنتهي السهرة والمأدبة، ألا يعد ذلك نفاقا؟
ثالثا: إذا لم يكن هناك بأس في عدم تلبية الدعوة، بماذا أجيب من سألني عن سبب عدم حضوري للمناسبات؟ أو من سال إخواني أو أخواتي عن السبب؟
أعتذر على الإطالة و الأسئلة الكثيرة، لكن أردت أن أحيطكم علما بالمسألة كاملة، والله يعلم أني أريد الابتعاد عن كل ما يغضب ربي، وأسعى للقيام بما يرضيه، و جزاكم الله خيرا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ إبراهيم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه.
نرحب بك - ابننا الكريم -، ونشكر لك هذا التواصل مع الموقع، ونسأل الله أن يلهمك السداد والرشاد، ونحييك على هذا الثناء، ونحن في خدمة أبنائنا وشبابنا وبناتنا، ونسأل الله أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه، ونشكر لك أيضا طرح هذا السؤال الجميل الذي يدل على فهم عميق، ونحن نريد لأمثالك أن يخالطوا الناس، فالمؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط ولا يصبر، ووجود الإنسان في جماعة له ثمن، لا بد أن يجد أمورا تضايقه، ولكن مهارة التواصل الاجتماعي والتفاعل مع الناس والإيجابية في التعامل معهم، هذا مطلب شرعي أيضا؛ لأن الإنسان يؤثر بوجوده وحضوره الفاعل في مجتمعه.
ونحن نريد لأمثالك من الشباب أن يقودوا هذه المجتمعات إلى الخير، فإذا جلست في مجلس فاجعل لذكر الله ولطاعته نصيبا من ذلك المجلس، واحرص دائما على أن تكون داعية إلى الخير، تدعو الناس إلى الله تبارك وتعالى ببسمتك وأخلاقك ومظهرك وحسن تعاونك معهم.
واعلم أن إجابة الدعوة مطلوبة إلا إذا كانت فيها معصية، فعند ذلك يحسن الإنسان الاعتذار، ولكن إذا كان من أمثالك من يستطيع أن يغير وكانت المعاصي محصورة وبالإمكان تفاديها، يعني ليس من الضروري إذا دعيت إلى وليمة أن تحضر وتجلس لساعات طويلة، ولكن تستطيع أن تحضر ربع ساعة في الوقت المناسب، تطيب خاطرهم، وتظهر لهم الابتسامة، وتنصح لهم، وتقول كلمة ترضي الله تبارك وتعالى، ثم إذا فرغت من طعامك تستأذن في أدب وتنصرف.
فإذا كان في المكان هذه المخالفات فإن الإنسان ينبغي أن يجعل الزيارة مختصرة، وإذا أردت أن تعتذر لأي سبب من الأسباب فعليك أن تحسن الاعتذار، وتدعو لصاحب الوليمة، وتطيب خاطره، وتجتهد، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم– أمر حتى الصائم أن يلبي إذا لم يفطر، والشرع يبيح له أن يفطر في غير فريضة، يصوم يوما مكانه إذا لم يكن صوما تطوعا، كل ذلك دليل على أهمية إجابة الدعوة وتطييب الخواطر، خاصة من أمثالك ممن يتخذون قدوة.
وإذا كانت الوالدة تريد منك هذا فإن أمر الوالدة بالمندوب يصيره واجبا، وطاعة الأم من طاعة ربنا العظيم تبارك وتعالى، فاحرص على إرضائها، واجتهد في مداراة الناس وحسن التعامل معهم، واجتهد دائما في أن تكون النموذج الصالح الطيب للمؤمن الملتزم الناصح لأمته ولإخوانه، والذي يستطيع أن يوازن بين هذه الواجبات فلا يقطع الرحم، ولا يقدم أيضا التنازلات في أمر دينه، ولكن كما قلنا: نحن نريد أن تكون هذه الخلطة بمقدار ما يعطى الطعام من الملح، وإذا وجدت صالحين فحق لك أن تجلس معهم وتتذاكر معهم نعمة الله بهذا الإسلام، وتتذاكر معهم بعض المسائل الشرعية.
نسأل الله أن ينفع بك، وأن يصلح لنا ولكم النية والذرية.