السؤال
السلام عليكم
أنا متزوجة منذ سنة وشهرين، أحب زوجي حبا كبيرا وهو أيضا، ولكنه يعشق عمله، فكل تفكيره في عمله؛ حتى أنه أصبح يهملني أنا وابنه، فهو لا يرجع إلا في منتصف اليل، ويخرج في اليوم التالي في الصباح الباكر، وكلما أناقشه في الأمر يجيبني: بأنه يعمل لي ولابني، وأنه يجب أن أتحمل طبيعة عمله.
الأمر أصبح لا يحتمل، فهو لا يجلس معي، ولا نخرج لأي مكان، ولا نقوم بزيارات للأقارب، وأصبح مقصرا معي حتى في ممارسة الجنس.
اقترحت عليه أن أعمل بتخصصي (معلمة) ولكنه رفض رفضا قاطعا؛ بحجة أنه ليس بحاجة لعملي، أشعر بضغط كبير من هذا الأمر، وأصبح حبي له ينقص لإهماله لي، أصبحت أشعر بالوحدة طوال الوقت؛ مع أني غير مقصرة معه بأي شيء وهو يدرك هذا الأمر، لا أعرف كيف أتصرف معه.
أعرف بأن العمل شيء مهم لتوفير الحياة الكريمة, لكن ليست الدنيا كلها عمل، ما نصيحتكم لي: هل أغير تعاملي معه وأتجاهله أم أبقى كما أنا؟ أفيدوني.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رنا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه.
نرحب بك في الموقع، ونشكر لك التواصل مع الموقع، وهنيئا لك بهذا الزوج الذي يحبك وتحبينه، ونتمنى ألا تهجريه، وألا تغيري طريقة التعامل معه، وإن كنا لا نقر ما يحصل منه، ولكن نوصيك ونوصيه بضرورة أن تستثمري فترة وجوده، فالقضية ليست الغياب الطويل عن البيت، ولكن كيف نستثمر اللحظات التي يوجد فيها، كالعطلات والأيام التي يجد فيها فرصة، وحقيقة الإنسان يجب أن يعطي أسرته حقها وحظها من الاهتمام والرعاية، ولا بد للأسرة كذلك أن تقدر ظروف عمل الزوج وتكون عونا له على أداء وظائفه والنجاح في حياته، فإن نجاحه نجاح للجميع، لكننا لا نريد لهذا النجاح أن يكون على حساب الأسرة، بل نحذر من إدمان العمل، وهي مسألة تطرح الآن وتناقش، وهو أن بعض الناس يعمل ساعات طويلة، فإذا رجع إلى البيت أخذ معه العمل وأهمل أسرته.
هذا أمر لا نؤيده، وهذا ليس من مصلحة العمل أيضا؛ لأن الإنسان الذي يعمل بهذه الطريقة سيواجه إشكالات كبيرة عندما يتوقف، وعندما تواجهه عقبات وصعوبات، سيجد نفسه في فراغ كبير جدا، والمنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى –هذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم– وهو أن الإنسان الذي يبذل مجهودا كبيرا، والذي يبدأ السباق بسرعة شديدة جدا قد يصفق له الناس في البداية، لكن المصير أنه في منتصف الطريق يهلك ويسقط هذا المتسابق المسرع، لذلك الاعتدال مطلوب، والنجاح لا يكون في جهة واحدة، وإنما النجاح يكون في العمل، ومع الأسرة ومع الأولاد، هذا هو النجاح المثالي والمطلوب.
ولكننا مع ذلك –مع قصر المدة- لا ننصحك بتصعيد الأمور، ولا ننصحك بإزعاجه إذا كان هادئا ومشغولا، وحاولي أن تقترحي عليه أو تقتربي منه، وتدخلي إلى حياته، وأن تشاركيه في اهتماماته، وتحاولي أن تتثقفي ثقافة العمل، فتدخلي إليه من هذا المدخل، تحيي اجتهاده، وتحيي تميزه، وتسأليه عما يحصل معه في العمل، وهذا سيفتح لك أبوابا كبيرة وسيقبل عليك؛ لأن هذه القواسم المشتركة والاهتمامات المشتركة لها أثر كبير جدا على تحقيق الميل والحب في القلوب.
فحاولي أن تدخلي إلى حياته، وتتفهمي وضعه، وتسأليه عن إنجازاته، وتفاخري بنجاحاته، وبين يدي ذلك سيشعر هو، ومن ذلك الدخول أصلا ستكونين قد اقتربت منه، ونلت حظك وحقك منه، بهذا الاهتمام وبهذا التواصل بينك وبينه.
ولا مانع في لحظات الهدوء والصفاء أن تطالبيه بتغيير هذا الروتين، وتطالبيه بأخذ عطلة أو بالسفر إلى مكة المكرمة، أو بتخصيص وقت للأسرة ولو يوم الجمعة أو السبت أو نحوها من العطلات الموجودة عندكم، تحاولوا الاستفادة منها، وحتى فترة وجوده ينبغي أن تكوني قريبة منه، تودعيه إذا خرج، تسألي عنه إذا غاب، وتحسني استقباله إذا حضر، وتستثمري لحظات الطعام والشراب والجلوس معك، تستخدمي كل لحظة، فتعبري له عن حاجتكم إليه، وعن اهتمامكم به، وعن حبكم له، وسيبادلكم المشاعر.
نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.