السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعتذر أني سأطيل عليكم، ولكن الأمر في غاية الأهمية بالنسبة لي.
أنا عمري 20 سنة، مشكلتي أني لا أستطيع أن أكون صداقات بسبب عدم امتلاكي لمهارة التحدث كثيرا.
كلامي دائما يكون على قدر الحاجة أو على قدر الموقف الموجود فيه؛ وتلك هي المشكلة؛ فلا أستطيع أن أبدأ الكلام مع الآخرين بحيث أكون صداقات معهم، فإذا بدؤوا هم الكلام أتكلم معهم على قدر الحاجة، ثم بعد ذلك لا أجد ما أقول وأظل صامتا، حتى أقاربي، فعندما أذهب إليهم فيسألوني عن حالي فأكتفي وأنا مبتسم بقول: (الحمد الله) ثم يبدؤون هم بطرح الأسئلة عن أحوالي للاسترسال في الحديث معي، فأكتفي فقط بالإجابة على قدر الأسئلة، فلا أستطيع أن أفعل مثلهم، وأن أسأل عن أحوالهم، وعندما دخلت المرحلة الجامعية قررت أن أغير من نفسي، فكنت أذهب مع زملائي؛ حيث يذهبون.
وكانوا يتحدثون ويمزحون ويلقون النكات، فلم أستطع أن أجاريهم، وإن قلت شيئا أصمت بعده؛ لأني أجد صعوبة في إيجاد شيء لأقوله أو أن أمزح مثلهم لأشاركهم، لدرجة أن أحدهم قال لي باللهجة العامية: (أنت ستمكث ساكتا هكذا؟) ومنذ هذا وأنا قد عدت إلى ما كنت عليه، أشعر أن الناس في المنطقة التي أسكن فيها وفي الجامعة ينظرون إلي باستغراب، سواء الشباب أو الفتيات عندما يجدونني صامتا أغلب الوقت ومن دون أصدقاء.
أنا لا أصادق الفتيات، ولا أكلمهم إلا لضرورة أو حاجة، ولكن عندما يجد الناس مني ذلك، ويجدون أن لي أصدقاء من أبناء جنسي سيقولون إنسان مؤدب، ولكن عندما يجدونني أن ليس لي أصدقاء من الذكور، حتى سيقولون أني إنسان معقد ومنعزل ومكتئب، وهذا بالفعل الذي أجده في نظراتهم.
والمشكلة كلها عدم مقدرتي على الحديث والبدء والإطالة فيه، لعدم إيجادي ما أقوله، مع العلم أن هذا كان منذ أن كنت صغيرا، وازداد معي عند الكبر، بالرغم من أني -والحمد الله- حسن المظهر، وأعامل الناس معاملة حسنة، فأرجو أن ترشدوني بالحل؟
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حسن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
شكرا لك على التواصل معنا والكتابة إلينا.
طبعا يفيد أن نذكر أولا أن الكلام وسيلة وليس غاية في حد ذاته، وقدرة الإنسان على البيان (خلق الإنسان علمه البيان) والرسول الكريم يقول لنا معلما وموجها: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرا أو ليصمت).
ومع ذلك فيبدو من طول سؤالك أنه لا تنقصك المهارات في التعبير عن أفكارك، فهي جاهزة حاضرة، ولعله الخجل الاجتماعي الذي يربكك أمام الآخرين.
طبعا إنه لأمر طبيعي أن يشعر الإنسان ببعض الارتباك عند الحديث عندما يكون وسط جمع من الناس، وخاصة إذا كانوا أكبر منه في العمر أو في المكانة الاجتماعية، وإذا اشتدت أعراض الارتباك أمام الناس، فالغالب أنها حالة من الرهاب الاجتماعي.
ولكن أريد أن أذكر أيضا موضوعا هاما، وهو موضوع الثقة بالنفس، والناس عادة نوعان في مصدر ثقتهم في أنفسهم، وتقديرهم لذاتهم.
النوع الأول: يأخذ تقديره لذاته وبشكل أساسي من خلال نظرة الآخرين له، ويبدو أنك من الذين يعولون كثيرا على نظرة الآخرين إليك، وبحيث عندما يرتاحون له ويثقون به، نجد أن ثقته بنفسه قد زادت، بينما عندما يستصغرونه، ولا يقيمون له بالا، فإن ثقته بنفسه تنقص ولحد كبير، وقد يعاني كثيرا من شعوره هذا عن نفسه، والذي لا يحبه ولا يرضاه، إلا أنه هكذا اعتاد.
والنوع الثاني: فهو يعرف قيمة نفسه، ويثق بإمكاناته، وبغض النظر عما يعتقده الناس فيه، وسواء عليه قدروا عمله أم لم يقدروه، فهذا قد يؤثر فيه بعض الشيء، إلا أنها لا تهز ثقته في نفسه وتقديره لها.
ومن الأمور الهامة لحياتنا ولصحتنا النفسية، هو أن نقدر ذواتنا، وبحيث لا نسمح للآخرين أن يحطموا هذه الثقة بالنفس، وخاصة أن الناس قد لا يقدرون الأثر الكبير الذي يمكن أن يتركه كلامهم عنا في أنفسنا وحياتنا، وهنا تأتي مسؤوليتنا الشخصية عن أنفسنا في حمايتهما، والرسول الكريم يقول لنا: (إن لنفسك عليك حقا) وإذا لم نقدر نحن هذه النفس التي نحملها بين جنبينا، فكيف لنا أن نطالب الآخرين في تقديرها؟!
حاول أن تنمي ثقتك في نفسك، ولتكن من النوع الثاني الصحي، وذلك من خلال أمور كثيرة، ومنها تنمية المهارات المختلفة التي تتقنها، وكذلك الهوايات والاهتمامات المتنوعة، وحاول أن تكرر في نفسك بعض العبارات الإيجابية عن نفسك من مثل "أنا قادر" و"أنا أستطيع".
والله تعالى يقول لنا رافعا ثقتنا في أنفسها لتقديرها "ولقد كرمنا بني آدم" ويقول أيضا "وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض".
وبالنسبة لعلاج الرهاب الاجتماعي فالأفضل والدائم هو العلاج المعرفي السلوكي، وذلك عن طريق عدم تجنب اللقاء بالآخرين لتجنب الشعور بالخوف والارتباك، وإنما اقتحام هذه المواقف والحديث مع الناس، ويمكن أن تكون البداية بمجرد التواجد مع الزحمة من الناس، ومن ثم الحديث لفترة قصيرة مع مجموعة صغيرة من الناس، وحتى تطمئن للحديث معهم، وما هو إلا وقت قصير حتى تجد أن هذا الخوف قد خف أو اختفى، فهذا العلاج السلوكي هو الأفضل في مثل هذه الحالات، ويمكن عادة أن يشرف على هذه المعالجة أخصائي نفسي يتابع معك تطور الحالة.
وإذا طالت المعاناة، فيمكنك الاستعانة بأحد الأخصائيين النفسيين ممن يمكن أن يضع لك برنامجا علاجيا، ويتابع معك هذا العلاج، ويمكن للطبيب النفسي أيضا أن يصف لك أحد الأدوية التي تساعد عادة على تجاوز مثل هذه الأعراض، والتي يمكن حتى أن تدعم تأثير العلاج السلوكي، وهناك عدد جيد من هذه الأدوية، ومنها دواء "باروكستين" وهو في جرعة 20 ملغ، وإن كان عادة نبدأ بنصف الحبة (10 ملغ) لأسبوع تقريبا، ومن ثم الجرعة الكاملة 20 ملغ مرة واحدة في المساء، وننصح عادة باستعمال الدواء لمدة عدة أشهر تصل إلى ثلاثة أشهر، والعادة أن يتابع العلاج الطبيب، من أجل التأكد من فعالية العلاج، وتحديد مدة العلاج وكيفية إيقاف الدواء، والذي ينصح أن يكون بالتدريج من أجل تفادي أعراض الانسحاب، ونحن ننصح عادة وبشكل عام باستعمال الأدوية النفسية تحت إشراف طبيب متخصص، إلا إذا تعذر الأمر كثيرا.
وهناك أيضا دواء الإنديرال، وخاصة للتخفيف من الأعراض الجسدية الفيزيولوجية، كالارتعاش والتعرق وغيرها، الأمر الذي يمكن أن يشجعك على الاقتراب من الناس وعدم الرهبة منهم.
والأمر الآخر الذي فكرت هي صعوبة في الحديث باللغة الإيطالية كونك في إيطاليا، فكيف هي لغتك، فإن كانت المشكلة ليست في الارتباك الاجتماعي وإنما في اللغة، فأنت تعرف ما عليك فعله.
وفقك الله، ويسر لك الخير.