السؤال
السلام عليكم.
لا أعلم من أين أبدأ، أشعر أنه لا داعي لوجودي في الحياة؛ فأنا أستهلك الماء والهواء والغذاء، وقد يكون غيري أولى وأكثر إنتاجا وعطاء مني، لقد سألت نفسي كثيرا: لو كان وجودي في الحياة خيارا لما اخترته، ولما رغبت في أن أكون في هذه الحياة.
باختصار: حياتي في الصغر ما هي إلا كبت وقمع بكل معنى الكلمة، كل شيء ممنوع، وكل مشكلة صغيرة هي في نظر أهلي كارثة، لا احتواء لأي مشكلة، لم أفكر في الزواج أبدا، ولا أتخيل أنني أستطيع أن أتحدث مع رجل فكيف بالزواج.
لكني في هذه الفترة أشعر أنني بحاجة إلى شخص حنون، شخص يحبني، أحتاج إلى زوج، صحيح أن عقلي لا يتخيل أني ممكن أن أكشف على رجل، صحيح أنه زوجي على سنة الله ورسوله؛ لكن أشعر بأنني بحاجة إلى حب.
ممنوع أن أسافر لكي أكمل دراستي، وممنوع أن أذهب لأي معهد يكون بعيدا عن المنزل، وإذا فعلت قامت الدنيا علي.
تعبت: ضغوط عمل وضغوط أسرية، تعبت أن أتحمل مشاكل غيري، كلما حدث شيء أشعر بأنني سبب فيه، وأن الآخرين سيلومونني عليه، علما بأنني لست السبب.
عندما أتحدث مع شخص أكتم نفسي، لا أدري لماذا؟ وأتنهد كثيرا، وهذا يزعج الطرف الآخر، نظرات الناس تربكني جدا جدا حتى أن صوتي يتغير.
لم أكن وما زلت غير راضية عن عملي؛ لأنه يضع علي ضغوطا كثيرة، ولكن يعلم الله أنني عملت ما يجب أن أعمله، ولم أخدع أحدا، وكنت واضحة منذ البداية بمهاراتي وإمكانياتي وقدراتي، لكني رضيت لأنها فرصة لمبتدئة مثلي وراتب جيد، أعيش الآن في دوامة، حيرة العمل، وضغوط العمل، ورفضي للعمل، ورغبتي في التطوير، ورغبتي في النقل إلى عمل آخر.
تعبت من التفكير في كل هذا، لماذا كلما أردت أن أخطط لشيء لا يتحقق؟ لماذا كلما أتمنى شيئا لا يحدث؟ هل هذا غضب من الله؟
أشكركم وآسفة على الإطالة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Sad Mary حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
شكرا لك على الفضفضة إلينا والتواصل معنا.
لا، هذا ليس غضبا من الله تعالى، ولماذا يغضب الله تعالى منك؟!! ومن الواضح أنك مخلصة في توجهاتك، وتحاولين الصدق وعدم الغش.
نعم يبدو أن طبيعة نشأتك وتربيتك وطفولتك كانت صعبة، وربما ما زال الجو الذي تعيشين فيه يحتوي على الكثير من السلبيات، ولكن يمكن لهذا أن يتغير وألا يستمر.
يبدو من خلال سؤالك: أن عندك حالة من الخجل الاجتماعي، ولاشك أن لهذا علاقة وثيقة مع الطريقة التي عوملت بها في طفولتك من قبل أسرتك وإخوتك، ومع تجارب الحياة التي مررت بها، وليس مجرد خلل في الشخصية أو ما شابه ذلك، فتجارب الحياة هي التي أوصلتك لهذه الحال حيث تشعرين بالخجل، أو الانطوائية وقلة كلامك مع الناس.
ويبدو أن هذا الخجل الاجتماعي قد تسبب أيضا في شيء من أعراض الاكتئاب، ولذلك أصبحت تتمنين الموت على الحياة.
هل يستطيع الإنسان تجاوز تجارب الطفولة؟ الجواب نعم، ليس بالسهل أحيانا، إلا أنه ممكن.
من أهم علاجات الخجل الاجتماعي والذي قد يصل لحد الرهاب والخوف، والعلاج الأكثر فاعلية هو العلاج السلوكي؛ والذي يقوم على إعادة تعليم الشخص بعض السلوكيات والتصرفات الصحية كبديل عن السلوكيات السلبية، فبدل تجنب الأماكن والمواقف المخيفة أو المزعجة، فإنه يقوم بالتعرض والإقدام على هذه المواقف والأماكن حتى "يتعلم" من جديد كيف أن هذه المواقف والأماكن ليست بالمخيفة أو الخطيرة كما كان يتصور سابقا. ويشرف عادة على هذه المعالجة الطبيب النفسي أو الأخصائي النفسي، والذي يحتاج أن يكرر جلسات العلاج عدة مرات.
ولكن ليس بالضرورة على كل من يعاني من الخجل الاجتماعي أن يذهب للأخصائي النفسي، فكثير منهم يعالج نفسه بنفسه، والمطلوب منك الآن العمل على اقتحام مواقف الاختلاط بالناس والتعامل معهم، وعدم التجنب، فالتجنب لا يزيد المشكلة إلا تعقيدا. وسترين -وخلال فترة قصيرة- كيف أن ما كنت تخشينه من بعض المواقف في مواجهة الناس ليس مخيفا كما تعتقدين الآن.
وأنصحك أيضا بقراءة كتاب عن حالات الخجل والرهاب، فمعرفتك بهذا يزيد من احتمال تعافيك، وهناك على هذا الموقع الكثير من الأسئلة والأجوبة المتعلقة بهذا الموضوع، مما يشير إلى مدى انتشار مثل هذه الحالات، وإن كان معظم الناس يتجنبون الحديث في هذا الموضوع.
لا تجعلي خجلك من الناس يدفعك للشعور بالفقدان والحرمان والاكتئاب، وستلاحظين وبعد تشجيع نفسك، واقتحام لقاءات الناس، الجرأة في الحديث معهم في واقع الحياة، ستشعرين بتحسن واضح في عاطفتك، وسيذهب عنك شبح الاكتئاب والأفكار السوداوية المتشائمة.
ولكن أطلب منك: إن لم تشعري ببعض التحسن في هذه المشاعر وخلال عدة أسابيع؛ بأن تأخذي موعدا مع طبيب نفسي ليقوم بالفحص النفسي وتحديد التشخيص بالشكل الدقيق، ومن ثم تقديم العلاج المناسب.
ولاشك أن القرب من الله تعالى بالمحافظة على الصلاة في وقتها، والعيش مع كتاب الله مما يعطينا الكثير من الصحة النفسية السليمة.
وأدعو الله تعالى لك بالتوفيق والتحسن في أقرب فرصة.