السؤال
السﻼم عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا مصاب بوسواس العقيدة منذ سنوات، وقد أتعبني كثيرا، وجعلني أعيش في عالم من اﻷفكار، و- الحمد لله - بدأت أتغلب عليه شيئا فشيئا، ولكن هناك وساوس أخاف أن تكون مني مع كرهي لها، مثل أني معجب بنفسي، وأحاول تصحيح النية، وهذه هي اﻷكثر في الآونة اﻷخيرة.
أرجو أن تفيدوني، وكذلك بطريقة العﻼج.
وشكرا لكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ يحيى حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
شكرا لك على التواصل معنا والكتابة إلينا.
من الواضح أنك تعاني من حالة الوسواس القهري، حيث تأتيك رغما عنك أفكار وسواسية قهرية تتعلق ربما بالعقيدة وغيرها، ولاشك أنك تحاول دفعها بعيدا عنك، إلا أنها تستمر وتعود مجددا بالرغم من أنها مزعجة ومؤلمة، بما فيها من أفكار غير مقبولة بالنسبة لك.
كل هذا يدخل في تعريف الأفكار الوسواسية القهرية، ويفيد أن نذكر أن هذه الأفكار الوسواسية ليست من صنعك، ولست مسؤولا عنها، فهي أفكار قهرية.
يفيد كذلك أن نذكر أن هذه الأفكار الوسواسية ليست مؤشرا لأمر خطير سيحصل لك، أو لأحد أفراد أسرتك، بالرغم من إزعاج هذه الأفكار.
قد لا يفيد كثيرا محاولة مقاومة هذه الأفكار، ولا تفيد المبالغة في دفعها، وربما الأكثر فائدة هو ترك هذه الأفكار تأخذ "دورتها" حتى تخف من نفسها، رويدا رويدا.
من أصعب الوساوس هي الوساوس المتعلقة بالعبادات من وضوء وصلاة، والعقيدة والذات الإلهية.
اطمئنك أن كل ما يدور في ذهنك من هذه الوساوس، وربما غيرها كثير لم تذكره لنا لخجلك منها، أو ارتباكك من ذكره، كلها وساوس، لست أنت مسؤولا عنها، لأن من تعريف الوساوس أنها أفكار أو عبارات أو جمل أو صور تأتي لك من غير رغبتك ولا إرادتك، بل تحاول جاهدا دفعها عنه، إلا أنها تقتحم عليك أفكارك وحياتك، وأنت لا تريدها.
صحيح أن بعض الناس، وخاصة ممن لم يصب بالوسواس، يجد صعوبة كبيرة في فهم هذا الأمر، إلا أن هذا لا يغير من طبيعة الأمر شيئا، ويبقى الوسواس عملا ليس من كسب الإنسان، وليس من صنعه.
تكثر عادة أسئلة الناس عن الوساوس، مما يعكس أولا مدى انتشارها بين الناس، وإن كان من المعتاد أن لا يتحدث الناس، ولا حتى المصاب عنها، إلا بعد عدة سنوات ربما، حيث يعاني أولا بصمت، ولزمن طويل قد يصل لسبع أو تسع سنوات، ولذلك أشكرك على أن كتبت لنا تسأل.
ليس الوسواس دليلا أو مؤشرا على ضعف الإيمان، وبالرغم من أن هذه الوساوس متعلقة بالدين والعقيدة، بل أقول إن هذه الوساوس دليل صدق الإيمان، لأن الوساوس تأتي عادة في أعز ما عند الإنسان.
هي ليست أيضا دليلا على فقدان العقل، كما قد يشعر بعض المصابين، وإنما هو مجرد مرض نفسي، أو صعوبة نفسية قد تصيب الإنسان لسبب أو آخر، كما يمكن لأمراض أخرى أن تصيب أعضاء أخرى من الجسم كالصدر والكبد والكلية.
كما أن لهذه الأمراض البدنية علاجات، فللوسواس وغيره من الأمراض النفسية علاجات متعددة، دوائية ونفسية وسلوكية.
إن وضوح التشخيص، وفهم طبيعة الوسواس، من أول مراحل العلاج، وربما من دونه قد يستحيل العلاج.
يقوم العلاج على ثلاثة أمور، الأول: العلاج النفسي المعرفي، وهو عن طريق تغيير القناعات والأفكار المصاحبة للوسواس القهري، ويمكن مع هذه المعالجة المتخصصة أن تتغير هذه الأفكار ونستبدلها بأفكار أكثر صحة وسلامة، ويقوم على هذه المعالج الطبيب النفسي المتدرب على هذا النوع من العلاج، أو الأخصائي النفسي المتخصص.
العلاج الثاني، هو العلاج السلوكي، وهو عن طريق تعريض المصاب للفكرة الوسواسية التي تراوده، ومن ثم منعه من القيام بالعمل القهري، وستلاحظ أنك بعد فترة قصيرة أن هذه الأفكار لم تعد بنفس الشدة والخطورة. وهناك من يجمع بين العلاجين المعرفي والسلوكي، بحيث يستفيد من إيجابيات كل منهما.
العلاج الثالث، وهو في الواقع لا يغني عن السابق، إلا أنه يساعد كثيرا في تخفيف شدة الأعراض، ويساعد الشخص على التكيف المناسب.
هذا العلاج هو العلاج الدوائي بأن يصف الطبيب النفسي أحد الأدوية المضادة للاكتئاب، ليس لوجود الاكتئاب، وإنما وجد من خلال التجربة أن مضادات الاكتئاب تحسن شدة وطبيعة الأفكار الوسواسية والأعمال القهرية، ولابد من متابعة هذا العلاج الدوائي مع الطبيب النفسي لأن استعمال الأدوية المضادة للاكتئاب يحتاج إلى المتابعة القريبة من قبل المتخصص.
طالما أن تطور المرض عندك بهذا الشكل الذي وصفت فإني أنصحك بمراجعة طبيب نفسي في المدينة التي تعيش فيها، وسيقوم هذا الطبيب بأخذ القصة كاملة، ومعرفة الأمور الكثيرة والتي لم تخبرنا بها كنمط الحياة، وعلاقاتك الأسرية والاجتماعية، وتاريخ طفولتك، وطبيعة حياتك اليومية، ومن ثم يمكن لهذا الطبيب النفسي أن يقوم بعد التشخيص بالعلاج المطلوب.
وللفائدة راجع علاج وساوس العقيدة سلوكيا: ( 263422 - 260447 ).
وفقك الله وكتب لك الشفاء.