السؤال
السلام عليكم
أساتذتي الفضلاء: أنا طالبة متخرجة من الثانوية, ولم ييسر الله لي أسباب إكمال الدراسة لظروف عصيبة لازمتني منذ أيام الدراسة.
أنا أسعى في رضى والدي, لكنني أغضب في بعض الأحيان, وأتصرف بعصبية, وما ذاك إلا لأنني طموحة جدا, ولا أستطيع إكمال دراستي, وأصبحت مجهدة نفسيا؛ لأن صديقاتي كلهن يتعلمن, وأنا رغم وجود والدي إلا أنني أتحمل كثيرا عن إخوتي الصغار شؤونهم الدراسية, فهدفي الأول هو طلب مرضاة الله سبحانه.
أنا خائفة من أن أكون حينما أضرب إخوتي وأنا غاضبة؛ أو أن أغضب على أحد ليس له ذنب؛ خائفة من أن أكون آثمة عند الله, أو أن يحبط عملي.
ظروفي المالية صعبة, وأيضا أنا أمرض بين الفينة والأخرى, تتوالى علي المصائب, وأنا راضية بما قدره أرحم الراحمين لي, لكن ما يقلقني أن لا يكون الله راضيا عني لما سبق ذكره.
أيضا أنا لدي شقيقات يكدن لي عند أمي, وأيضا أنا أتأثر بالعتاب من والدي, حتى إني أخاف من أن أصاب بالسكري -لا قدر الله- مراعاة لشعورهم.
أيضا؛ أتساءل كثيرا عن أفضل عمل يمكن أن تعمله المرأة لتنفع الإسلام في هذا العصر المليء بمشكلات المسلمين, كنت أردت الطب ولم يتيسر حتى الآن, عمري 22 عاما, وأنا جيدة في الحفظ والفهم.
أرجو إرشادي لأنني حائرة.
ولكم جزيل الشكر.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ميمي حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
نرحب بك، ونشكر لك هذا الحرص على الخير، ونسأل الله أن يلهمك السداد والرشاد، وأن يستعملنا وإياك في طاعته.
نبشرك بداية بأن هذا الحرص على إرضاء الوالدين، وهذا العمل على مساعدة الصغار والحرص على نجاحهم مما يعينك على التفوق ويجعلك من المتميزات، ومما يقربك من رب الأرض والسموات.
عليه فنتمنى أن تحاولي التعامل بلطف مع هؤلاء الأولاد، وأن تقتربي من الوالدة حتى لا يوصلوا لها كلاما فيحملها على الغضب عليك، أو عتابك، ولا تتأثري بهذا اللوم والعتاب؛ لأنهم يريدون الخير، ولأن الأم في الغالب تتعاطف مع الصغار، ولكن ينبغي أن تفوتي الفرصة على الصغار فتوضحي للوالدين أهمية النجاح، وأسباب غضبك على هؤلاء الأولاد، مع أننا لا نريدك أن تغضبي عليهم، ولكن إن غضبت عليهم، فبيني الأسباب، وشجعي الوالد والوالدة على تحريضهم على الدراسة.
إن وجود خطة موحدة والتوجيه في اتجاه واحد داخل الأسرة مما يعين على النجاحات الكبرى، فلا بد من أن يكون هناك تنسيق بين ما تقومين به، وتوجيهات الوالد والوالدة الذين نسأل الله تعالى أن يمتعكم بعافيتهم، وأن يجعلكم ممن يفوز برضا والديه؛ لأن هذا فيه عون على النجاح في الدنيا والآخرة.
نشكر لك هذا الحرص على مصلحة الأمة، والمرأة الصالحة تخدم دينها مرتين بنفسها، وبذريتها التي ستنجبها إن شاء الله بتخريج الصالحين والصالحات، ولن يحدث ذلك إلا إذا ربت الفتاة نفسها على هذا الدين، ومشروع النجاح للأسرة يبدأ من الشاب الذي نشأ في عبادة الله، من الفتاة التي نشأت في عبادة الله تبارك وتعالى.
الأمة بحاجة لكثير من التخصصات في شتى المجالات، فإذا فاتك الطب، فعليك بالتربية، أو غيرها من المجالات الشرعية، كي تكوني داعية أو معلمة، فالتعليم من أكبر المهن التي تستطيع المرأة من خلاله خدمة مجتمعها عندما تحرص على تربية بنات المسلمين على العقيدة، والإيمان بالله وعظمة وكمال هذا الشرع الذي شرفنا الله تعالى به.
رغم أن هذه الوظيفة قد يبدو فيها شيء من التعب، إلا أنها أشرف الوظائف، فالنبي صلى الله عليه وسلم بعث معلما، وهي الأنسب للفتاة عندما تدرس البنات، وكثيرا من البيوت تقصر بكل أسف في رعاية أبنائها، فإذا وجدت المعلمة الصالحة التي تسد هذه الثغرة، وترعي بنات المسلمين، وتخلص لهن في التوجيه، فإنها تضع لنفسها رصيدا كبيرا عند الله، وكان السلف يعلمون فإذا وجدوا طالبا أو شابا نبيها رموا شباكهم ليصطادوه فيكون في ميزان حسناتهم عند الله تعالى.
أنت -ولله الحمد- مؤهلة بالهم بالحرص على تعليم إخوانك الصغار وتربيتهم، ولا تظني أن هذا خصم للنجاح، بل هو مما يؤدي للنجاح، فإن من الأمور التي تعين، وتؤدي للنجاح أن يعين الإنسان الآخرين، ومن كان في حاجة الناس كان الله في حاجته، فكيف إذا كنت في حاجة إخوانك.
أرجو أن تعملي جدولا تنظمين الوقت، حتى يكون هناك وقت لدراستك ووقت لدراسة إخوانك الصغار.
أما بالنسبة لموضوع الضرب لإخوانك، فنحن نتمنى ألا يحدث ذلك، لما له من آثار تربوية سالبة، ولكن لا إثم عليك طالما كان قصدك التأديب، وطالما كان الضرب في مواضعه الصحيحة، غير أننا نعود فنقول: الضرب المستمر لا يمكن أن يكون وسيلة للتأديب أو للتعليم أو للتربية، ولذلك نتمنى أن تنتبهي لهذه المسألة، وتحاولي ألا تصلي إلى مرحلة الضرب، لأن الضرب هو آخر الدواء وآخر الدواء الكي.
إذا وصلنا مع الطفل لهذه المرحلة فماذا نفعل عندما يكرر الأخطاء؟ وينبغي أن ندرك أن الضرب وسيلة تربوية سالبة، فالضرب لا يمنع تكرار الخطأ من أنواع أخرى بخلاف الثواب، فاستبدلي العقوبة لهم بالثواب، وحاولي دائما إذا غضبت أن تبتعدي عنهم حتى يعود إليك الهدوء، واعلمي أن الصغار متوقع منهم الأخطاء، ويتوقع منهم التقصير، وليس من مصلحتهم ولا من مصلحتنا أن نحاسبهم على كل صغيرة وكبيرة، بل لابد للإنسان أن يفوت بعض الأمور ويقف عند بعضها، لأن في ذلك مصلحة له وللطفل، ونسأل الله أن يعينك على الخير، وأن يستخدمنا جميعا في طاعته.
نحن دائما نؤكد أن الكمال هو في هدي رسولنا الذي ما ضرب بيده امرأة ولا طفلا ولا خادما - عليه صلاة الله وسلامه - والحقيقة أن النبي - صلى الله عليه وسلم كان يربي بحب، والمربي الناجح يربي بالحب، وبالنظرة، وبالنبرة، وبالوعظ والإرشاد، والمكافأة، والإهمال.
هناك وسائل بديلة ووسائل كثيرة قبل أن نصل إلى مرحلة الضرب، وإذا وصلنا لمرحلة الضرب فلا يجوز أن نضرب من هم أقل من عشر، وينبغي أن يكون الضرب على قدر ذنوبهم، ولا يتخذ الضرب عادة، وألا يكون الضرب بكسر عظم أو خدش جلد، وأن نتجنب أثناء الضرب التوبيخ والشتم، وألا يكون الضرب أمام زملائهم أو أمام من يحبون، وأن نتوقف عن ضربهم إذا ندم الطفل أو بكى أو اعتذر أو هرب، أو سألنا بالله تبارك وتعالى.
إذن فهناك ضوابط حتى لعملية الضرب، ونسأل الله أن يعيننا وإياك على الخير، وأن يستخدمنا جميعا في طاعته، ونكرر ترحيبنا بك، ونشكر لك هذا الحرص على الخير، ونعبر على فرحتنا بهذا الهم، ونسأل الله أن يلهمك السداد والرشاد، وأن يستعملنا وإياك في طاعته.
والله الموفق.