السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرا على هذا الموقع
لدي سؤال: هل هناك تفسير لما يصبني؟ وهل من علاج غير دوائي؟
أنا شاب أبلغ من العمر 27 عاما، أعاني من الوسوسة بشكل كبير بين الحين والآخر إذا خرجت من المنزل أرجع إلى باب المنزل لكي أتأكد من إغلاقه جيدا، وأثناء قيادة السيارة أتخيل أنني قمت بتجاوز إشارات المرور، وأنني سأدفع الكثير ثمن المخالفات، وأني أتأكد من أي أمر أفعله مرارا، مثل التأكد من إغلاق صنبور الماء عدة مرات؛ خوفا من أن يعم الماء المنزل.
تأتيني فكرة في رأسي، وعندما أصادف أحدا من معارفي ألقي عليه التحية، وبعد انصرافي تأتي الوسوسة بأنني قلت له بما كنت أفكر فيه بدل من أن ألقي عليه التحية، وقد عرف ما كنت أفكر فيه.
أخاف عندما أكون أتكلم مع أهلي أو أصدقائي أن يتصل هاتفي الجوال عن طريق الخطأ، ويسمع الناس خصوصياتي، وبالفعل حدثت معي مرة أثناء الصلاة، أنسى بأي ركعة أو أنسى ما هي السورة التي قرأتها في الركعة السابقة، وأنسى كم سجدة سجدت.
أنا على هذه الحال منذ ست سنوات، وآخر فترة أصبحت أتساءل هل الناس تتقبلني أم أنها تنتقدني؟ أصبحت كثير النسيان، بل أصبحت إنسانا متشائما، أعاني كثيرا، ووصلت الوسوسة في الفترة الأخيرة إلى حد التوتر بل الخوف الشديد.
منذ سنتين تقريبا وأنا أغمض عيني، وأقوم بتحريك وجهي لاإراديا، مع العلم أني أقدر أن أمنع نفسي عن هذه الحركات، لكن إن لم أفعلها أشعر بمضايقة شديدة.
أثناء فترة الطفولة عانيت من الحركات اللاإرادية، وعندها قال طبيب الأطفال بأن كله طبيعي.
سامحوني على الإطالة، وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Sysysy حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فقطعا أنت تعاني من وساوس قهرية أوضحتها وشرحتها بصورة واضحة وجلية، ووساوسك من النوع المتشعب، لكنها تدور في نفس النسق, موضوع النسيان ناتج من القلق، والوسواس مقلق تماما، والوسواس محبط تماما، والإحباط قطعا يؤدي إلى ضعف التركيز.
بالنسبة للعلاج: الوساوس يمكن أن تعالج، بدايات علاج الوساوس في عصرنا الحديث بدأت من الخمسينيات عن طريق العلاجات السلوكية، وكانت نسبة النجاح تقريبا عشرين بالمائة، ثم بعد ذلك ظهرت العلاجات الدوائية في بداية الثمانينيات أو قبل ذلك بقليل، وكانت نتائج العلاج ثمانين إلى خمسة وثمانين بالمائة؛ ولذا المتفق عليه الآن من العلاج الدوائي زائد العلاج السلوكي هو الأفضل.
كثير من الإخوة الذين يعانون من الوساوس تستدرجهم وساوسهم للدرجة التي تقنعهم أنهم ليسوا بحاجة إلى العلاج الدوائي أو الأدوية مدمنة أو مضرة، وهذه مشكلة، لكن -الحمد لله تعالى- الآن أقبل الناس وأقدموا على مراكز العلاج المؤهلة؛ لأن الوسواس فعلا مؤلم وممزق للنفس حقيقة، ومعطل لحياة الإنسان.
فيا أخي الكريم: أنا لا أريد أن أستدرجك لتقبل بالعلاج الدوائي، هذا ليس من حقي، لكن أعتقد أنه من حقك، ومن الحق أيضا أن تعرف الحقائق، بعد ذلك تطبق الحكمة ضالة المؤمن، أينما وجدها فهو أحق الناس بها.
من حيث العلاج السلوكي: أفضل أنواع العلاج السلوكي هي التي تكون مباشرة وتحت إشراف المعالج السلوكي؛ لأن كثيرا من التمارين السلوكية لا يستطيع الإنسان أن يطبقها وحده، مثلا الذين يعانون من الخوف من القاذورات ويغسلون أياديهم بكثرة، نشرح لهم، نوضح لهم كثيرا من التعليمات السلوكية ليطبقوها في البيت يفشلون.
لكن حين يأتينا في العيادة ونجلس مع بعضنا البعض، وأمسك يده بيده، وأضعها في أسفل حذائه، وأضع يدي أنا في أسفل حذائه الآخر أو أدخل يدي أمامه في سلة القاذورات، وبعد ذلك أمسك يده هذه التي بها القاذورات باليد الأخرى، ولا أغسلها، وأجعله يقلدني، وهو يرتجف، ولا يصدق هذا الذي أمامه؛ هنا يكون الدفع العلاجي دفعا قويا، وبعد ذلك أحضر ماء في كوب وأغسل يده أمامه مرتين ولا أزيد على ذلك، وأعطيه نفس كمية الماء ليغسل يده بنفس الطريقة، هنا أكون قد لعبت دور القدوة والنموذج العلاجي، وقمت بتفكيك شفرات الوساوس.
فيا أخي الكريم: العلاجات متوفرة، أنت إن كنت تريد العلاج السلوكي الصحيح أرجو أن تتبع معالجا، هذا أقوله لك بوضوح شديد، والذي سوف يحدث هو أن تحلل الوساوس كما ذكرت لك، تكتب واحدة تلو الأخرى، ولكل واحد خطوات سلوكية، من يطبق التطبيق السلوكي الصحيح اثنا عشر إلى خمس عشرة مرة قطعا سوف يشفى من وساوسه، لكن قد يعيش شيئا من الأزمات النفسية المتمثلة في الاكتئاب والتوتر، وهذا قد يرجع له الوساوس.
لذا نقول أن الدواء مهم، الدواء يرتب كيمياء الدماغ، ينظم إفراز الموصلات العصبية خاصة مادة السيروتونين، والتي أثبت بما لا يدع مجالا للشك أنها تلعب دورا في الوساوس إما من الناحية السببية أو الاستمرارية أو منع الاستجابة للعلاجات السلوكية.
فيا أخي الكريم: خذ الأمور بكمالياتها، وحاول أن تصرف انتباهك عن هذه الوساوس من خلال العلاج، وكذلك من خلال أن تجعل حياتك مليئة ومفعمة بالأنشطة، فالوسواس يتصيد الإنسان في وقت الفراغ.
وأريد أن أنبهك لشيء مهم أخي الكريم: الوسواس لا يسبب لك معاناة أنت وحدك، إنما من حولك أيضا يعانون، هذا لمسناه وشاهدناه ولاحظناه، فارفع هذه المعاناة عن نفسك وعن من حولك من خلال العلاج، فلا تحرم نفسك من هذه النعمة.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا.