السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
في البداية: أنا طالب ثانوي أبلغ من العمر 18 عاما، بدأت حالتي تقريبا قبل 3 سنوات عندما كنت أتجول في موقع اليوتيوب وأنتقل من فيديو إلى فيديو؛ حتى وصلت بالصدفة إلى فيديو لأحد الملحدين العرب وهو يتكلم عن سبب إلحاده.
في البداية لا أخفيك أني بدأت بالشك في عقيدتي من غير سبب، وكنت أقول لنفسي: هل يمكن أن يكون هنالك ملحد عربي؟ هل يمكن أن يشك أحد بمحمد -صلى الله عليه وسلم- وبالقرآن؟ وقلت لنفسي: لابد من سبب لإلحاد هذا الشخص؛ ومن هنا بدأت القصة.
تفاجأت لاحقا أن هنالك ملحدين عرب آخرين موجودين، وأن الموضوع أكبر مما أتصور، كنت دائما أرى ردودهم في اليوتيوب ويبدأ قلبي بالخفقان حتى قبل أن أسمع شبههم؛ مما يدل على أن الموضوع نفسي!
حتى قبل فترة ليست بالقصيرة ولا البعيدة كنت أتحاور مع أخي الكبير حول هذا الموضوع وفي النهاية اعترف لي أنه قد ترك الإسلام وأصبح ملحدا.
أنا صراحة صدمت صدمة قوية جدا، وفجأة وبدون سبب وصلت مرحلة الشك عندي تقريبا أكثر من 70% أن الإسلام دين بشري هكذا بدون سبب -والعياذ بالله- خاصة وأني كنت أقتنع بكل شيء كان يقوله لي أخي في السابق؛ لأنه ذكي جدا، ودرجاته في الجامعة تكاد تكون كاملة، كنت أقلده بكل شيء حتى ما يحب ويكره.
ثم قلت له: والإعجاز العلمي؟
قال: هذا كله عملية نصب واحتيال، قلت له: طيب يمكن يكون القرآن من عند الله؟ قال: مستحيـــــل.
أنا بعد هذه الكلمة وبدون سبب وصل الشك عندي لمرحلة متقدمة جدا جدا، حتى كنت على بعد شعرة واحدة من الإلحاد، بدون أدلة عقلية أو شبهات منطقية؛ هكذا فقط بعد أن سمعت كلام أخي.
وبدأ بعدها يسرد أدلته على أن الإسلام بشري، وفي الحقيقة لم تؤثري في هذه الأدلة وكلها غبية جدا، وحاليا وجدت جميع الأجوبة على جميع الشبهات، ليس التي طرحها أخي فقط بل وجميع الشبهات التي يطرحها الملحدون والنصارى واليهود، ووجدت أدلة على صحة الإسلام لو تفكر فيها الشخص العادي لجزم بصحة الإسلام، لكن بلا فائدة هنالك شيء في داخلي يمنعني من الإيمان، ودائما أقول لنفسي: ماذا لو كانت النتيجة التي وصلت لها الآن خاطئة؟ لقد كنت في الماضي متيقن 100% ومع ذلك شككت بعقيدتي فكيف الآن؟
وأقول لنفسي: ماذا لو كان الله غير موجود؟!
ويبدأ الشك، لا أشعر بوجود الله معي كالسابق، وأشعر أنه لا يمكن أن يوجد دليل يوصلني لليقين التام، بعد أن كنت مقتنعا بالإعجاز العلمي ومتيقنا 100% بالإسلام قبل أن أحاور أخي، وأحيانا أجد أدلة على صدق الإسلام وأرتاح قليلا، حتى يراودني الشك وأقول: ماذا لو كانت هذه الأدلة كاذبة، وأعود لكي أتأكد من هذه الأدلة ولا أطمئن أبدا.
وحالتي هذه كانت قوية جدا بعد محاورتي لأخي؛ ولكني الآن أفضل من السابق قليلا، وأشعر بأني أتحسن مع الوقت، لكن مازالت الحالة موجودة بقوة.
فهل هذا الشك هو وسواس قهري؟ وإن كان كذلك فما نسبته؟ ما هو الدواء الأمثل لحالتي هذه؟ وهل يمكن أن يكون للدواء أعراض جانبية؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ماجد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أيها الولد الحبيب- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى أن يثبتنا وإياك على دينه حتى نلقاه.
لقد أصبت في بعض أحيانك -أيها الحبيب- وأخطأت في أحيان أخرى في تعاملك مع هذه الشبهات التي يوردها الملحدون النافون لوجود الله سبحانه وتعالى، المنكرون لنبوة أنبيائه وعلى رأسهم نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-.
شبهات الملحدين -أيها الحبيب- أقل من أن يعتنى بها ويهتم بتفنيدها أو البحث في الأدلة الدالة على ردها، فإن وجود الله سبحانه وتعالى أدلته لا يحصيها إلا الله جل شأنه، فأدلة وجوده بعدد خلقه، فكل مخلوق حولك دليل على وجود خالقه سبحانه وتعالى، وإلا فمن الموجد؟!
إذ تقرر في العقول الصحيحة أن لكل فعل فاعلا ولكل مصنوع صانعا، فمن الخالق لهذه المخلوقات؟!
ولهذا ورد في القرآن ذلك السؤال الكبير الذي لا يستطيع الملحد أن يقف أمامه، وهو قوله سبحانه وتعالى: {أفي الله شك} وورد سؤال آخر، وهو قوله سبحانه وتعالى: {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون} فإذا أنكر منكر وجود الباري الخالق سبحانه وتعالى فليخبرنا إذا من هو الخالق؟ ولن يجد لهذا السؤال جوابا إلا بالإقرار بوجود الباري سبحانه وتعالى الخالق لهذه المخلوقات، ومخلوقاته سبحانه وتعالى تخبرنا عن صفاته، فإنها تخبر عن علم خالقها، وعن قدرته، وسعة علمه، عن حكمته، وعن خبرته، تخبرنا عن وحدانيته، وأنه لا خالق لها إلا خالق واحد.
هذا الكون -أيها الحبيب- مملوء بالآيات والبراهين الدالة على وجود الخالق سبحانه وتعالى، المنبئة عن صفات هذا الخالق، فلا نحتاج إلى إقامة الأدلة على وجود الباري، فهي منصوبة فينا وفي من حولنا، ولذلك يقول لنا سبحانه وتعالى: {وفي أنفسكم أفلا تبصرون}.
وأنت قد قطعت شوطا كبيرا في معرفة حجج الملحدين أو بالأدق شبهات الملحدين، وعرفت الأدلة الدالة على وجود الباري سبحانه وتعالى وأجوبة هذه الشبهات، قد توصلت إلى أنها شبهات غبية –وهي كذلك– فإنها لا تستند إلى شيء من العقل.
أما ما وصفت به بعض الملحدين بالذكاء فهو كما وصفهم خالقهم سبحانه وتعالى في كتابه وهو أعلم بهم؛ إذ قال سبحانه: {يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون} فعلمهم وذكاؤهم مقتصر على العلم بشيء من ظاهر الدنيا، وليتهم علموا حتى باطن شيء من الدنيا؛ إذ لو علموا باطن شيء من الدنيا لتوصلوا بهذا العلم إلى معرفة خالقهم وما يريده منهم، ولكنهم اقتصر علمهم عند هذه الظواهر.
فوصيتنا لك -أيها الحبيب- إذا أردت إراحة نفسك من هذا العناء والعنت أن تغلق على نفسك هذا الباب فلا تتابع هذه الشبهات، لا تصغ لها بسمعك، ولا تفتح لها قلبك، فإنها ستضيع عليك عمرك فيما يضرك، وقد كان منهج العلماء والمربين صرف النفس عن التفكر في الشبهات وردودها لغير من يقوم بتفنيدها وإبطالها.
وكراهتك لهذه الشبهات ونفورك من هذه العقائد الفاسدة وخوفك منها دليل على وجود الإيمان في قلبك، فاحمد الله تعالى، واطرد عن نفسك هذه الوساوس والأوهام، وانظر في كتاب الله تعالى نظر المتدبر وما فيه من العلوم والأخبار، وما فيه من دقائق الإخبار عن هذا الكون، فهل يتصور أن يأتي هذا كله من راعي غنم كان بمكة لا يقرأ ولا يكتب، فقد أقر نبينا -صلى الله عليه وسلم- على نفسه بأنه أمي، وأخبر الله سبحانه وتعالى في كتابه بأنه ما كان يخط كتابا ولا يقرأه، {وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون} فهل كل هذه العلوم يمكن أن يأتي بها شخص هذا وصفه؟! إنه أعظم برهان على أن هذا الكتاب منزل من عند الله.
فانظر في إعجاز القرآن بأنواعه يتقوى إيمانك بإذن الله، واصرف عن نفسك هذه الوساوس، واستعذ بالله، واستعن بالله، ولا تسترسل معها، وستذهب عنك عن قريب إن شاء الله.
نسأل الله أن يثبتك على الدين حتى تلقاه.