السؤال
السلام عليكم وجزاكم المنان خيرا لعموم نفعكم.
أنا شاب عمري 26 سنة، وأعاني من مشكلة نفسية، لا أدري متى وكيف نزلت علي؟ وهي أنني أجد صعوبة بالغة ومعقدة عند طلبي أو أمري بشيء ما لشخص ما.
لا يختلف الأمر لدي إن كان ذلك الطلب من حقي أم ليس كذلك، فإنني ما إن أباشر التكلم بالطلب حتى يبدأ سيل من الخواطر باجتياحي، فتهيمن علي وتجعلني عاجزا عن تكرار الطلب لمرتين.
تلك الخواطر تتمثل بالآتي:
-أراني أثقلت على هذا الشخص، وأنه تضايق مني.
-أشعر بأنه سيغضب من طلبي فيفتعل مشكلة وربما وصل الأمر إلى مشاجرة.
هذا الأمر يحصل معي في كثير من الأماكن الحساسة، والتي لا يكون للرجل غنى عن ارتيادها، مثل: السوق؛ صالون الحلاقة؛ الميكانيكي؛ محلات العطور، وغيرها من الأماكن التي لا يكاد المرء يجد بدا من الطلب وتكراره فيها.
السوق مثلا: بمجرد أن أطلب من البائع إخراج قماشة ثم لا أشتريها؛ فإنه يستحيل علي طلب أخرى؛ خوفا من أن يظن بأنني أستفزه؛ فتجدني أغادر السوق دون شراء.
صالون الحلاقة: إن لم تعجبني القصة فإنني أطلب من الحلاق تعديلها؛ فإن عدلها على غير النحو المطلوب تجدني أقبل بها خوفا من ذات الشيء المذكور آنفا.
أنا تعبت كثيرا؛ هل يعقل أنه وصل الأمر أن أخرج من الصالون بقصة على ذوق الحلاق؟ وأيضا أثناء القيادة؛ إن كانت خلفي سيارة تريد العبور وتقترب من خلفي؛ تجدني أفسح لها لتمر، وإن كان في الأمر خطورة؛ ولذات الأسباب.
أقسم بالله أن هذه الخواطر تتملكني دونما إرادة مني؛ وحاولت مرارا عزو هذه العقدة لموقف سابق في حياتي، ولكنني لم أجد؛ ربما فقط موقف منذ سنين، وفي السوق مع أحد البائعين.
تساءلت: هل يعقل أن يكون ذلك الموقف اليتيم سبب كل هذا؟ فامتناعي عن العقدة هو صفر، ويمكن بسهولة لموقف مشابه أن يسبب عقدة أخرى.
كيف أتصرف؟ أرجو التفصيل فضلا منكم، علما بأنني رجل قوي القلب والشخصية والجسد، ولاعب كاراتيه أيضا؛ واجتماعي ومثقف؛ فالمسألة ليست ضعفا في الشخصية ولا في الثقة بالنفس.
دمتم برعاية المولى العظيم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
شكرا لك على الكتابة إلينا.
لا تستغرب أن ما وصفت من هذه الحالة هي حالة من الارتباك أو الخجل الاجتماعي، بحيث تجد صعوبة في المطالبة بحقك أو ما هو ممكن ومتاح لك، وكما ضربت مثالا في موضوع قصة الشعر في صالون الحلاقة، أو غيرها من المواقف.
"الرهاب الاجتماعي" هو حالة قد تبدأ فجأة، وأحيانا من دون مقدمات أو مؤشرات، حيث يشعر الشخص بالحرج والارتباك في بعض الأوساط الاجتماعية، وخاصة أمام الجمع من الناس، وفي بعض المناسبات، كالحديث مع المعلمين، وقد يشعر الشخص باحمرار الوجه وتسارع ضربات القلب وجفاف الفم، بينما نجد هذا الشخص نفسه يتكلم بشكل طبيعي ومريح عندما يكون في صحبة شخصين أو ثلاثة فقط، أو يتحدث مع المعلم على انفراد.
قد يترافق هذا الخوف أو الارتباك ببعض الأعراض العضوية كالتعرق والإحساس وكأنه سيغمى عليه، أو أن الناس ينظرون إليه، وقد يحاول الشخص بالإسراع في حديثه أو طلبه من الآخرين، لأنه قد يشعر بضيق التنفس وكأنه سيختنق.
مجموعة هذه الأعراض قد نسميها نوبة الذعر أو الهلع، وقد يوجد الرهاب الاجتماعي مع أو من دون نوبات الهلع.
في معظم هذه الحالات، ينمو الشخص ويتجاوز هذه المرحلة، وخاصة عندما يتفهم طبيعة هذه الحالة، وبحيث لا يعود في حيرة من أمره، وهو لا يدري ما يجري معه، فهذا الفهم والإدراك لما يجري، وأنه حالة من الرهاب الاجتماعي، ربما هي الخطوة الأولى في العلاج والشفاء.
قد يفيدك التفكير الإيجابي بالصفات والإمكانات الحسنة الموجودة عندك، كذلك تحاول أن لا تتجنب الأماكن الخاصة التي تشعر فيها بهذا الارتباك، كالحديث مع من تتعامل معهم كالحلاق وغيره، لأن هذا التجنب يزيد الأعراض والارتباك ولا ينقصها، بل على العكس، والنصيحة الأفضل أن تقتحم مثل هذه الأماكن، ورويدا رويدا ستلاحظ أنك بدأت بالتأقلم والتكيف مع هذه الظروف الاجتماعية.
حاول في وقت قريب أن تراجع أحد الناس كالحلاق، ببعض ما تشعر به في نفسك، وسترى أن الأمر أبسط مما كنت تتصور أو تتخوف منه.
إذا استمرت الحالة أكثر ولم تستطع السيطرة عليها فيمكنك مراجعة الطبيب النفسي -الذي يمكن بالإضافة للعلاج المعرفي السلوكي، والذي يقوم على ما سبق ذكره - الطبيب بدوره يمكن أن يصف لك أحد الأدوية التي يمكن أن تخفف وتعين، وإن كان العلاج الأساسي يقوم على العلاج السلوكي المعرفي، وإن كنت أشعر بأنك ستقوم بتجاوز هذا من نفسك ومن دون الحاجة للاختصاصي نفسي، صحيح أن الأمر قد لا يكون سهلا في البداية إلا أنه سيسهل مع الوقت.
وبالله التوفيق.