السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا شاب عمري 16سنة، أواجه وسواسا قهريا منذ 4 سنوات، فهذا الوسواس يجعلني أفكر بأنني مجنون، كنت لا أهتم به، وأحاول أن أشغل نفسي بأشياء أخرى تمكنني من التخلص من هذا الوسواس، ولكن الآن حاوت ولم أنجح، أريد حلا أو علاجا يمكنني من التخلص منه؛ لأنني مستاء جدا.
لدي سؤال آخر بسيط: سمعت أحد أصحابي يقول: إن سورة الناس علاج للوسواس والاضطرابات النفسية، فهل هذا صحيح؟ وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ علاء حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
شكرا لك على السؤال، وعلى التواصل معنا على هذا الموقع.
الوسواس القهري أمر صعب، ومن أصعبه وساوس العقيدة والدين والصلاة، وكما ذكرت في سؤالك، وأعانك الله على هذه المعاناة، فصعوبة الوساوس أنها تأتي في أعز شيء على الإنسان، ومن هنا كانت صعوبات الوسواس، فالمحاسب الأمين تأتيه الوساوس على أنه غير دقيق وربما غير أمين أيضا في حساباته، والمؤمن قد تأتيه الوساوس في أعز شيء لديه وهو كل ماله علاقة بربه وخالقه والوضوء والصلاة، حيث تدور في ذهنه أفكار أو جمل أو عبارات أو حتى صور وخيالات... كلها قد تتعلق بالذات الإلهية، وما يمكن أن يوحي بأنه "كفر" صريح، كأن يشك أصلا في وجود الخالق، أو يتصور أن هناك صفات النقص لله تعالى، أو قد يشك في مصداقية القرآن الكريم، كلام الله تعالى، أو أمور أخرى تتعلق بالرسول الكريم، أو الملائكة، أو القدر أو اليوم الآخر.
وهكذا فقد لا يسلم شيء مما يعتز به الإنسان ويؤمن به، فتضيق الدنيا على هذا الشخص المبتلى بكل هذه الوساوس، ويبدأ يشكك فيما إن كان قد خرج عن الدين والملة، مما يضاعف في معاناته، وحتى يدخل في دائرة معيبة، وقد تتأثر أنشطته الحياتية من الدراسة والعمل، وكما حصل معك من تراجع الأداء الدراسي.
اطمئن، فكل ما يدور في ذهنك من هذه الوساوس، وربما غيرها كثير لم تذكره لنا لخجلك منها، أو ارتباكك من ذكرها، كلها وساوس لست مسؤولا عنها؛ لأن من تعريف الوساوس أنها أفكار أو عبارات أو جمل أو صور تأتي للإنسان من غير رغبته ولا إرادته، بل أنت لاشك تحاول جاهدا دفعها عنك، إلا أنها تقتحم عليك أفكارك وحياتك وأنت لا تريدها.
صحيح أن بعض الناس، -وخاصة ممن لم يصب بالوسواس- يجد صعوبة كبيرة في فهم هذا الأمر، إلا أن هذا لا يغير من طبيعة الأمر شيئا، ويبقى الوسواس عملا ليس من كسب الإنسان، وليس من صنعه، والله تعالى الرحمن الرحيم ما كان ليعاقب إنسانا على عمل ليس من كسبه، ولا هو يريده، بل هو يبغضه ويدفعه عن نفسه.
والوسواس ليس دليلا أو مؤشرا على "الجنون" كما ورد في سؤالك، أو فقدان العقل أو ضعف الإيمان، كما قد يشعر أو يفكر المصاب، وإنما هو مجرد مرض نفسي، أو صعوبة نفسية قد تصيب الإنسان لسبب أو آخر، كما يمكن لاضطرابات أخرى أن تصيب أعضاء أخرى من الجسم كالصدر والكبد والكلية، وكما أن لهذه الاضطرابات علاجات، فللوسواس وغيره من الأمراض النفسية علاجات متعددة، دوائية ونفسية وسلوكية.
وفي هذا الموقع الكثير من الأسئلة التي تدور حول الوساوس، مما يعكس أولا مدى انتشارها بين الناس، وإن كان من المعتاد أن لا يتحدث الناس عنها، ولا حتى المصاب، إلا بعد عدة سنوات ربما، حيث يعاني أولا بصمت ولزمن طويل، قد يصل لأربع سنوات كما حدث معك، أو حتى أكثر لسبع أو تسع سنوات، ولذلك أشكرك على أن كتبت لنا تسأل.
إن وضوح التشخيص، وفهم طبيعة الوسواس، وأن تطمئن لصلتك بالله تعالى، فهذا من أول مراحل العلاج، وربما من دونه قد يستحيل العلاج، ومن أهم طرق العلاج: العلاج المعرفي السلوكي، وهو الأصل، وهناك بعض الأدوية التي تساعد، والتي هي في الأصل مضادة للاكتئاب، إلا أنها تخفف من شدة الوساوس، وتحسن الحالة المزاجية العامة للشخص.
ولك أن تحاول العلاج من طرفك بعدم الاكتراث بهذه الوساوس، متذكرا أنها مجرد وساوس قهرية، وألا تسمح لها بتغيير نمط حياتك، ولا تصرفك عن الأعمال التي تريد القيام بها، وخاصة العبادات، ولكن إن وجدت صعوبة كبيرة في تحقيق هذا، أو طال الأمر وأزمن، فأنصحك بمراجعة طبيب نفسي أو أخصائي نفسي قريب من مكان سكناك، ليقوم على العلاج ويشرف عليه.
ولا شك أن تلاوة القرآن تفيد الناس وبغض النظر عما يقلقهم، إلا أننا أمرنا أيضا بالتداوي والعلاج، حيث يقول الحبيب المصطفى: (تداووا عباد الله، فإنه ما أنزل من داء إلا وأنزل له دواء).
وفقك الله، وحفظك من كل سوء.