السؤال
السلام عليكم
طفلتي بعمر ست سنوات، تدرس منذ ثلاث سنوات في المدرسة التي أنا معلمة فيها، ومنذ أسبوعين استجد عليها أمر غريب، وهو الخوف الشديد من فقدي وفقد أبيها، أصبحت تخاف من خروج والدها للصلاة، وتبكي عند كل فرض حتى يعود، وتهلكني بالأسئلة عنه، وتتصل عليه من حين لآخر!
منعتني من الخروج حتى إلى المستشفى إلا بصحبتها ووالدها، ولم تعد تريد المكوث مع جدتها أو خالتها، وتنهار بكاء بمجرد أن أقترح ذهابي لمشوار وتركي لها حتى لو في المنزل مع والدها، وتكرر سؤالها عن وقت عودتي كثيرا.
الغريب أنها أخبرتني أنها لا تريد المدرسة رغم أنها تعرف مداخلها ومخارجها جيدا، إلا أنها تخشى من الضياع فيها، حاولنا التقرب منها وتحسيسها بالأمان، ومعرفة ما إذا كانت تخشى من شيء معين، أو تعرضت لكلام بذيء، لكن لم نتوصل إلا لإجابات مختلفة، فتارة تخبرنا عن خوفها على أبيها من العمال، وتارة تخبرنا أن معلمة أفزعتها من الضياع في المدرسة لمساحتها الكبيرة، وتارة تسألني: هل الله يحبنا؟ وإذا كان كذلك فلماذا يعاقب بالنار؟ وسبق أن شرحت لها أننا في الجنة جميعا ما دمنا مسلمين ونعبده -ولله الحمد-.
لا أدري كيف سأتعامل مع مشكلة تعلقها بي وفزعها غير الطبيعي، خاصة وأنها مقبلة على مرحلة الأول ابتدائي.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ آلاء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
شكرا لك على السؤال، والتواصل معنا.
يمكن لأمور كثيرة نعرفها أو لا نعرفها كمشاهدة الأخبار، وما تعرضه من حوادث وكوارث أن تصيب الأطفال بالرعب والخوف، لأن الطفل قد لا يقدر البعد الجغرافي عن مكان سكنه، فقد يشعر أن ما هو على التلفاز إنما هو جد قريب منه، وقد لا يفرق أحيانا بين الخيال والتمثيل، وبين الحقيقة والواقع.
تكثر المخاوف عند الأطفال، وسواء عرفنا السبب أو لم نعرفه، وخاصة عقب بعض الحوادث والكوارث كسقوط طائرة أو حادث سيارة، أو حتى الحوادث "البسيطة العارضة" إلا أنها قد لا تكون بسيطة للطفل، ومن الطبيعي أن يعاني الطفل من بعض أعراض هذه المخاوف، فنراه يتجنب كل ما له علاقة بالحادث، وقد يخشى على المقربين إليه من أن يتعرضوا للأذى، وكما هو الحال مع هذه الطفلة حيث تطلب منك أو من أبيها عدم الخروج من البيت.
فماذا يجب أن نفعل؟
أولا: كما فعلتم من العمل على تطمين الطفلة، وإشعارها بالأمن والأمان، وبذل الجهد في تجنيب الطفلة رؤية الحوادث المؤلمة على شاشات التلفاز، والتي تعرض مناظر الجروح والكسور والدماء، لأن كل هذا يزيد من قلق الطفلة، ويصعب عليها تقدير أن هذه المشاهد من بلاد بعيدة عنها، فأي حادث في باص أو طيارة أو سيارة هو حادث قريب منها، وكأنه على باب بيتها، وبالتالي فهي تخاف على نفسها وعلى كل من تحب، ويمكن للوالدين أن يعملا على تطمين الأطفال عموما وإشعارهم بالهدوء والاسترخاء، وأفضل طريقة أن يكون الأهل أنفسهم في كامل الهدوء والاسترخاء.
يفيد كذلك أن نعطي الطفلة فرصة للحديث، والتفريغ العاطفي لما في نفسها، لأن تجنب الحديث معها لا يقلل من مخاوفها، وإنما يزيدها خوفا وارتباكا.
لا ننسى أن من المراحل الطبيعة عند الأطفال في مثل هذا العمر ما يسمى "قلق الافتراق"، أو الابتعاد عن الشخص الذي تعلق به الطفل بشكل كبير، وعادة هي الأم، وتعتبر هذه المرحلة من المراحل الطبيعية، والمقلق أن لا تكون موجودة مثل هذه الصفة عند الطفل، حيث يبكي الطفل ويشعر بالقلق الشديد عندما يبتعد عن أمه، ويزداد تعلقا بأمه أو الشخص الذي اعتاد عليه، ويطلب أن تبقى ملاصقة له طول الوقت، وقد يكون لهذه الأعراض من الخوف علاقة بالنمو الاجتماعي عند الطفلة، والذي يعتبر من جوانب النمو المهمة في حياة الأطفال.
تبقى مهمة النمو الاجتماعي من مهمات الوالدين، في توفير الظروف الطبيعية لتيسير هذا النمو من خلال فتح المجال للأبناء في اللقاء بالآخرين الثقات، من صغار وكبار، من أجل أن يتعلموا بعض المهارات الاجتماعية، ومن أجل أن ينموا هذه المهارات من خلال الاحتكاك الطبيعي مع الناس.
حمى الله طفلتك، وأقر عيونكم بها.