السؤال
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته..
بارك الله فيكم شيوخنا الأفاضل، أما بعد..
فأنا أعاني من مشكلة قلبي، والذي أجاهد فيه جهادا حتى يكون قلبا صافيا خاليا من الغل والحقد والحسد، ولكنه أتعبني، كلما حاولت التغيير، فإنه يكون لفترة محدودة ثم يعود حالي كما كان سابقا.
أرجوكم ساعدوني، وبماذا تنصحوني؟ فأنا أريد أن ألقى الله سبحانه بقلب سليم خال من الأمراض والأهواء، ولكني أفشل دائما في ذلك، والله إني أحب الخير لناس، ولكن لا أعرف لماذا يكون في قلبي غل، والله لقد تعبت كثيرا من هذا الأمر، بماذا تنصحوني؟
بارك الله فيكم، وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
مرحبا بك - ابنتنا العزيزة - في استشارات إسلام ويب، نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياك قلوبا سليمة، وأعمالا صالحة.
نحن نشكر لك هذا الحس الذي يدل على حسن في إسلامك، ورجاحة في عقلك، فإن الإنسان لا ينجو يوم القيامة إلا إذا جاء ربه بقلب سليم، والقلب هو محل نظر الله سبحانه وتعالى، إذ قد قال – عليه الصلاة والسلام -: ( إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم )، وإذا صلح هذا القلب؛ صلح سائر العمل، والنصوص من القرآن والسنة في الكلام عن القلب وصلاحه كثيرة.
والسعي في إصلاح هذا القلب وعلاجه ينبغي أن يكون مبنيا على معرفة أمراض القلب، وأمراض القلب كما دل القرآن عليها نوعان:
- مرض القلب بسبب الشهوة.
- ومرض القلب بسبب الشبهة.
أما سلامته من الشهوة: فهي ما يحمله القلب من الغل والحقد والحسد لخصومه ومن يبغضهم، وسعي الإنسان في تطهير قلبه من ذلك من خير الأعمال التي يتقرب الإنسان بها إلى ربه، فإذا استشعر الإنسان حاجته إلى ربه ليعينه على تحقيق هذا المقصود، واستشعر ضعفه هو عن تحقيق ذلك، وانطرح بين يدي الله تعالى متذللا سائلا منه سبحانه وتعالى أن يتولى عونه، فإن الله عز وجل لن يرده خائبا.
ومن خير ما يفعله الإنسان لتطهير قلبه من الحسد والغل والحقد على المؤمنين أن يتذكر المعاني المهمة التي أرساها الشرع الحنيف في النفس المسلمة، ومن أهم ذلك إيمان الإنسان بقضاء الله تعالى وقدره، وأن الإنسان لا يمكن أن يصيب شيئا لم يقدره الله تعالى، كما أنه لا يمكن أن يصيبه شيء لم يكتبه الله تعالى له، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (جف القلم بما أنت لاق يا أبا هريرة )، أي كل ما ستلقاه أيها الإنسان قد كتب وفرغ منه.
فإذا تذكر الإنسان هذه الحقيقة؛ وجد بعد ذلك أنه من الحمق والغباء أن يحقد على الآخرين بسبب أشياء نالوها لم تصله، أو نحو ذلك من الأسباب.
فالإيمان بقدر الله تعالى، وأنه سبحانه وتعالى أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين، وأنه العليم الخبير، وأنه أرحم بالواحد منا من نفسه. العلم بهذه الحقائق يورث الإنسان الرضا بما قدره الله تعالى له والمكان الذي أوصله إليه، فلا يجد في نفسه بعد ذلك حقدا ولا حسدا على أحد من المؤمنين، ولن يغضب لكون الإنسان لم يفعل له شيئا، لأنه يدرك أن ذلك بقضاء الله وقدره.
من الأسباب المعينة على تطهير القلب أيضا: أن يجاهد الإنسان نفسه على الدعاء لهؤلاء الناس، الذين يحسدهم، فيدعو لهم بالخير، ويجاهد نفسه على ذلك، ويتمنى لهم الخير، ويتمنى لنفسه أيضا، كما أرشدنا الله تعالى إلى ذلك في كتابه الكريم: { ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله }، فخزائن الله تعالى ملأى، وهو سبحانه عنده خزائن كل شيء، فيتوجه الإنسان إلى مالك الملك ليسأله سبحانه وتعالى، فهذا أنفع له دنيا وأخرى.
كما أنه من الأسباب المعينة كذلك: أن يجالس الصالحين، ويكثر من قراءة النصوص الواردة في ذم الحسد وبيان عواقبه، وأنه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، وأنه لا يقرب من ابن آدم شيئا لم يقدره الله تعالى له، فيكثر من مجالسة العلماء والمربين والوعاظ، ويكثر من سماع المواعظ التي تتحدث عن أمراض القلوب وأدرانها، وكيفية التخلص منها، وهناك كتب نافعة ألفت في هذا الغرض، منها المختصر، ومنها المطول، ومن أشملها وأعمها (إحياء علوم الدين) وما اختصر منه، ولعل ما اختصر منه من الكتب أنفع لمثل حالتك أنت.
المستخلص في تزكية الأنفس للشيخ (سعيد حوى) - رحمه الله تعالى - من أحسن الكتب التي ألفت في هذا الباب، ورتبت ترتيبا حسنا سهلا، فينبغي أن يكثر الشخص من مطالعة هذه الكتب؛ ليطلع على ما فيها من كلام الله وكلام رسوله، والأسباب المعينة على تجاوز هذه الأمراض، وسيصل بإذن الله تعالى إلى مقصوده.
وخير ما نوصيك به تقوى الله، وتحسين العلاقة بالله تعالى، وذلك بأداء فرائضه، واجتناب نواهيه، وكثرة سؤاله سبحانه وتعالى أن يتولى عونك.
نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفقنا وإياك لكل خير.